كيف وهى طفلة معدمة تعيش فى «كاتوى katwe» أكثر المناطق العشوائية فقرا فى كمبالا. أن تحقق شهرة عالمية. كُتبت عنها رواية، وصنع لها فيلم هذا العام من انتاج ستوديوهات ديزنى للأفلام بعنوان «ملكة كاتوى queen of Katwe». اسمها «فيونا ميوليسى Phiona Mulesi». مات أبوها بالإيدز وعمرها ثلاث سنوات، وعملت أمها ببيع الذرة المسلوقة لسائقى العربات. و كانت الحياة صعبة جدا فى حجرة تتسع بالكاد لسرير تنام عليه هى وأمها وأخواها، تحت سقف من الصفيح المعرج، وفوق أرض متآكلة، لم يكن الطعام أو الشراب متوافرين، يعيشون على وجبة واحدة فى اليوم. وكانت الطفلة الصغيرة «فيونا» قد تركت المدرسة لظروفهم المعيشية الصعبة، وكانت تمشى مسافات طويلة تفتش عن شىء تأكله. فى إحدى جولاتها للبحث عن الطعام فى أماكن بعيدة عن منطقتهم الصفيح العشوائية. لمحها «روبرت كاتندي» «Katende Robert» المدير المسئول عن النشاط الرياضى التابع لمؤسسة خيرية تعمل على رعاية الأطفال اليتامى والمشردين. ذهبت مع أخيها بعد أن عرض عليها «كاتندي» أن تنضم إلى مجموعة الأطفال فى برنامجه لتعليم الشطرنج. ولحقت بأخيها حين عرفت أنه يذهب إلى مكان يقدمون فيه وجبة لمن يلعب الشطرنج. وعلى الباب ترددت فى الدخول، حتى لمحها المدرب كاتندي. يقول فى مقابلة تليفزيونية وهو يسترجع تلك اللحظة «كانت خجولة جدا، بملابس قذرة، بدت متسخة وجائعة». لم تقبل بالتردد على المكان إلا من أجل وجبة الطعام التى أغووها بها. لكن عندما بدأت فى تحريك قطع الشطرنج على الرقعة الخاصة بها،اكتشفت «فيونا» الصغيرة قدراتها الفذة على تحقيق الفوز. «روبرت كاتندي» الذى كان هو نفسه طفلا يتيما تربى فى العشوائيات، إلا أنه شُغف منذ صغره بالتعليم. وساعده تفوقه فى الدراسة على أن ينتزع نفسه بأعجوبة من الحى العشوائى الذى نشأ فيه. وتخرج فى كلية الهندسة، وقرر أن يساعد أطفال الشوارع الذى يقول عنهم فى مقابلة تليفزيونية أن بينهم أعدادا لا حصر لها من الموهوبين لا يحتاجون إلا لمن يكتشفهم ويرعاهم. وأنه قرر أن يكون مفيدا ومعينا لهم لأنه كان واحدا منهم. فى بداية برنامجه الرياضى قام بتدريب الأطفال على مجموعة من الألعاب ومن ضمنها كرة القدم، لكنه وجد أن هذه الألعاب لا تخلو من عنف جسدي، وتستنفد طاقاتهم بلا طائل. فهداه تفكيره إلى تقديم الشطرنج كلعبة بديلة. وفى مقابلة تليفزيونية يقول عن الشطرنج إنه جاء إلى أوغندا عام 1970 على أيدى أطباء أجانب. وهم فى أوغندا يعتبرونها لعبة الرجل الأبيض. عكف على عمل برنامج متكامل لتعليم الشطرنج لأطفال الشارع. قال عن سر اختياره للشطرنج بأنها لعبة تشبه الحياة فى كل شىء، توظف فيها الإمكانات نفسها التى تساعدنا على الاستمرار فى العيش، والسعى لتحقيق الهدف، وتوقع النتائج، والصبر، والمثابرة، وبعد النظر فى التفكير، والتعلم من الخطأ وتجنب الوقوع فيه، والاختيار من بين عدة خيارات متاحة، هذا بالإضافة إلى أنها لعبة لا تحتاج إلى مكان كبير، ولا تنطوى على أى احتكاك أو عنف جسدي. امتلأ المكان بالشطرنج. و بعد البطولات التى حققتها اللعبة امتد إلى طول البلاد وعرضها خاصة فى العشوائيات. حتى حظيت أكاديمية كاتوى للشطرنج على شهرة عالمية. ونجحت الفكرة نجاحا كبيرا، حتى صار المئات من أطفال الشوارع فى كل أنحاء أوغندا ملمين باللعبة. والمتعلمون منهم يعلمونها للصغار. كما كان لشهرة فيونا العالمية تأثير إيجابى، ومصدر للإلهام للملايين من الفتيات الصغيرات فى أوغندا حتى أن عدد اللاعبات فى بطولات الشطرنج قد تضاعف على حسب ما صرح به رئيس اتحاد الشطرنج فى أوغندا قيانى لوجي. فى بداية ممارستها اللعبة كانت «فيونا» الفتاة الوحيدة وسط مجموعة من الأولاد. عندما كانت تنهزم كانت تفقد أعصابها وتبكى وتلعن الصبى الذى هزمها. علمها «كاتندي» مدربها أن تكون هادئة، وأن تتصرف كأنثي، وأن تستخدم عقلها فى تمهل وفى هدوء. وأن تتخلى عن تصرفها الصبيانى الذى اكتسبته من أخويها. بعد أن هزمها الصبى الذى تلاعبه عدة مرات، صممت على أن تهزمه. عندما بكى الولد لهزيمته، قررت أن تبكى كل الأولاد. وجدت فى تحقيقها الفوز انتصارا على وضعها الحقير فى المجتمع، وعلى النظرة الدونية لها كفتاة فى مجتمع بائس. تدربت كثيرا. كانت أمها تسخر منها وتوبخها «ألم تجدى إلا لعبة الرجل الأبيض لتلعبيها»، كانت تعنفها وتضربها لأنها تقضى الوقت بطوله تلاعب نفسها شطرنج. فى عام 2007 عندما بلغت 11 سنة فازت فيونا فى مسابقة أقيمت لهذه المجموعة العمرية على مستوى المنطقة . لتفوز فى مسابقات أخرى حتى حازت على اللقب ثلاث مرات على المستوى القومى لتصبح بطلة أوغندا للناشئين. جاءت أول رحلة لها فى الخارج إلى جنوب السودان عام 2010 عن عمر 13عاما، لتمثل بلدها فى دورى بطولة أفريقيا فى الشطرنج للأطفال. وحصلت هى وولدان كانا معها على بطولة أفريقيا. وفى العام التالى وكان عمرها 14 عاما لعبت للفريق القومى لأوغندا فى بطولة الدورى العالمى للشطرنج فى روسيا. تفوقت فى هذه البطولة على كل أبطال العالم فى اللعبة. توالى اشتراكها فى الأوليمبياد للعبة فى تركيا 2012 وهى فى السادسة عشرة من عمرها، ورشحت لتصبح أستاذة فى الشطرنج، فى النرويج 2014، وفى أذربيجان 2016، رجعت بشهرتها وكانت لا تزال الفتاة الفقيرة التى تقطع أميالا عديدة من أجل الحصول على المياه. لتبدأ فى شراء قطعة أرض وتبنى بيتا لأمها. ألهمت الكتاب ليكتبوا عنها، وصناع السينما لينتجوا فيلما عن حياتها. وفى عام 2013 دعيت لإلقاء كلمة فى قمة المرأة فى نيويورك. وفى أمريكا زارت مؤسسة «بيل جيتس»، كما قابلت كبار المشاهير فى العالم ومنهم «أوبرا وينفري». وكانت أول فتاة تحصل على لقب «السيدة الأولى فى الشطرنج» فى أوغندا. وأنهت هذا العام دراستها الثانوية فى سن العشرين. وفكرت فى الالتحاق بكلية الطب لتصبح طبيبة، لكنها غيرت رأيها وقررت أن تدرس القانون وتصبح محامية، وقالت فى مقابلة تليفزيونية عن رغبتها تلك أنها تود أن تكون صوتا عالياً لتعبر وتدافع عن حقوق أطفال الشوارع، وتطالب بحقهم فى العيش السليم وبتبنى الموهوبين منهم. وبأنها لا ترغب فى رؤيتهم يذوقون مرارة العيش التى ذاقتها هي. فلا يعرف حجم المعاناة إلا من كابدها. من الجوائز العديدة التى حصدتها، أكملت هى وأخواها تعليمهم، وأقامت منزلاً متواضعا انتقلوا للعيش فيه. فى مهرجان السينما الدولى فى «تورنتو» بكندا سبتمبر 2016حضرت فيونا حفل افتتاح فيلم «ملكة كاتوى Queen of Katwe» الذى يروى قصة حياتها ومشوار نجاحها وكان معها مدربها. ولنا أن نتخيل كيف كان انبهارها وسعادتها وهى تخطو على السجادة الحمراء وسط نجوم ونجمات السينما الأوروبية والعالمية. قالت «فيونا» عن الفيلم بعد مشاهدته: «الناس لن يصدقوا أنه حقيقي، لكنه حقيقى مائة فى المائة». والفيلم من انتاج ستوديوهات ديزنى للأفلام عن رواية كتبت عنها من تأليف الصحفى الأمريكى «تيم كروثرس» «Tim Crothers»، وكان قد كتب مقالة عن الفتاة الصغيرة الشديدة الفقر عام 2011 عندما زارها فى حيها العشوائى فى كاتوى بعد البطولات التى حصلت عليها فى لعبة الشطرنج. فى فيلم «ملكة كاتوي» الذى يحتمل ترشيحه لمسابقة الأوسكار المقبلة، قامت الممثلة «نادينا نالوانجا Nadina Nalwanga» بدور فيونا. وتلعب دور الأم الممثلة الكينية «لوبيتا نيونج» التى حازت جائزة الأوسكار كأفضل ممثلة مساعدة عن فيلم «عبد 12 سنة Years A Slave 12» وهو فيلم ينتصر للعبيد، ومبنى على السيرة الذاتية للشاب الأسود «سليمان نورثوب» الذى كان يعمل نجارا وموسيقيا، تم اختطافه من نيويورك من وسط زوجته وابنتيه، ليسخر للعمل كعبد لمدة 12عاما فى إحدى مزارع ولاية لويزيانا. وقام بدور المدرب «كاتندى الممثل» البريطانى النيجيرى الأصل «دافيد أويلوو David Oyelowo» .و فوجئ كاتندى بالخبر. وأصابه الذهول عندما زاره الممثل بنفسه فى كمبالا هو وفريق العمل. يقول «كاتندي» «لم أصدق، بل وأصابنى الذهول عنما عرفت أن الممثل الذى جسد دور «مارتن لوثر كينج» عام 2014 هو نفسه الذى سيمثلنى فى الفيلم». ويقول عن مخرجة الفيلم «ميرا نايير Mira Naire»: «إنها يسيطة جدا ولم تشعره فى لحظة واحدة بأنها مخرجة كبيرة». ولأنها عاشت فى أوغندا لأكثر من عشرين عاما، فإن عشقها للمكان أضفى على الفيلم حيوية وصدقا. وكان موقع التصوير الرئيسى هو منطقة كاتوى العشوائية، حيث عاشت فيونا، كما عمل «كاتندي» مع فريق العمل بالفيلم كمستشار للعبة الشطرنج.