أمام مصر وما بها من قطاعات الأعمال والمقاولات والتجارة والاستثمار فرصة ذهبية يصعب تكرارها فى العقود القادمة. فقد بدا "شعاع هزيل" من ضوء الأمل فى السطوع على سوريا وليبيا بعد أن تحقق النصر على الجماعات المسلحة فى كل من مدينة حلب بسوريا ومدينة سرت بليبيا. وكان من الممكن أن يكون النصر باهرا ومثير للسعادة والفخر لولا حالة الدمار "المدروسة والمخططة سلفا" التى لحقت بكل من سوريا وليبيا. واليوم وعلى ما يبدو تسعى "جمعية المنتفعين والمتآمرين الدوليين" إلى تحقيق قدر من التهدئة كمرحلة لالتقاط الأنفاس قبل البدء فى تقسيم الأسلاب وتوزيعها بعد أن تأخرت تلك المرحلة لسنوات!! ان الهدف الرئيسى بالنسبة "لجمعية المنتفعين الدوليين" فى الوقت الحاضر هى مشروعات إعادة الإعمار والتسويات السياسية والاقتصادية فى مرحلة ما بعد الحرب. فإعادة بناء مدينة واحدة من المدن التى "هرستها الحروب هرسا" على مدار أكثر من خمسة أعوام سيحقق المليارات من الدولارات للجهات، من دول ومؤسسات وشركات، التى قضت سنوات فى متابعة وترقب عمليات التخريب والتدمير انتظارا لأن تقوم بجنى الأرباح بعد انقشاع غبار القتال عبر الحصول على "الأسلاب" المتمثلة فى تقسيم عقود مشروعات إعادة الإعمار. أما الساسة، فتتمثل أسلابهم التى يتم توزيعها فى ترتيبات توزيع مواقع الهيمنة والنفوذ والسلطة داخل الدول العربية المستهدفة فى مرحلة ما بعد الصراع المسلح. وحتى ندرك حجم الدمار والأسلاب المتوقعة فى كل من سوريا وليبيا واليمن فإن علينا أن ننظر إلى تقديرات البنك الدولى وأرقامه وإحصائياته. فى عام 2016، أثرت الحرب بشكل مباشر على نحو 87 مليون شخص من أربعة دول هى: العراق وليبيا وسوريا واليمن، أى نحو ثلث سكان المنطقة. وتأثرت كل مناحى الحياة بشدة من القتال فى هذه الصراعات المنفصلة. فقد تضررت كل مناحى حياة الناس - المنازل والمستشفيات والمدارس والأعمال والغذاء والمياه - من شدة القتال فى هذه الحروب المنفصلة. وبالأرقام (وفق إحصائيات البنك الدولى المنشورة فى فبراير الماضى) هناك نحو 13,5 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات إنسانية فى سوريا، وفى اليمن 21,1 مليون، وفى ليبيا 2,4 مليون، وفى العراق 8,2 مليون. ووفق البنك الدولى، فإن الأضرار التى لحقت برأس المال فى سوريا تم تقديرها حتى منتصف عام 2014 بما بين 70 و 80 مليار دولار. أما فى ليبيا فإن تقديرات وتكلفة استعادة مرافق البنية التحتية إلى سابق عهدها ستقدر ب200 مليار دولار على مدى السنوات العشرة القادمة. وبنظرة أدق أظهر تقدير أولى أجراه البنك الدولى للأضرار التى وقعت فى ست مدن سورية فقط حتى نهاية 2014 (مع الأخذ فى الاعتبار أن الصراع مستمر حتى بداية عام 2017) أنها تتراوح بين 3,6 مليار دولار و4,5 مليار. وركز التقرير على الأضرار التى شهدتها كل من حلب (التقديرات كانت عام 2014 أما فى نهاية 2016 فقد تمت تسوية غالبية حلب بالأرض فى ظل المعارك المستمرة هناك) ودرعا وحمص وحماة وإدلب واللاذقية فى سبعة قطاعات هى : الإسكان والصحة والتعليم والطاقة والمياه والصرف الصحي والنقل والزراعة. وشكلت الأضرار بقطاع الإسكان فقط بسوريا حتى نهاية عام 2014 أكثر من 65% من إجمالى القطاع؛ وستتطلب استعادة قطاع الطاقة إلى مستواه السابق فى المدن الست ما بين 648 مليون دولار و791 مليونا؛ وتم تقدير الأضرار التى لحقت بالبنية التحتية لقطاع الصحة ما بين 203 ملايين دولار و 248 مليونا؛ وما بين 101 مليون دولار و123 مليونا فى البنية التحتية لقطاع التعليم. أما الأضرار التى لحقت برأس المال البشرى، وهي التى يتعذر علاجها، فوفقا للأمم المتحدة، هناك أكثر من 13 مليون طفل غير ملتحقين بالدراسة فى سوريا واليمن والعراق وليبيا لأن الصراع المسلح أدى إلى ضياع سنوات من التحصيل الدراسى. أى أن مستقبل سكان البلاد العلمى قد تم ضربه وتعطيله لسنوات تتراوح بين 5 و6 سنوات على أقل تقدير. وقد يسأل سائل : وما دورنا نحن هنا فى مصر؟! وهنا تأتى الإجابة المنطقية متمثلة فى أن دورنا كمصريين يجب أن يتجاوز مشاهدة نشرات الأخبار فى التليفزيون والكتابة على "فيسبوك" ولطم الخدود وشق الجيوب تعبيرا عن الحزن والحسرة لما ألم بالأشقاء فى دول الجوار. كما يجب ألا يقتصر الدور المصرى على استضافة المنكوبين من أبناء تلك الدول والتحمل بإعاشتهم. فهناك ما هو أكثر أهمية لنا وللأشقاء المنكوبين. وهنا أكرر ما سبق وأن أشرت إليه فى وقت سابق من أنه يتحتم علينا البدء فى "الاقتحام" السريع المدروس والواسع النطاق داخل تلك الدول الشقيقة لمساعدتها فى إعادة الإعمار والبناء والتوطين. فالاقتحام الذى أتحدث عنه يتعلق باقتحام كتائب وألوية من رجال أعمال وعاملين فى مجال إعادة البناء والإعمار والأطباء والمدرسين والخبراء فى شتى المجالات التى تحتاجها عمليات إعادة بناء وإعمار الدول العربية الشقيقة المنكوبة. إن القيام بهذا العمل بواسطة الأيادى العربية سيقطع الطريق، إلى حد بعيد، على "جمعية المنتفعين والمتآمرين الدوليين" ويمنعهم من الحصول على الأسلاب والغنائم وتقسيمها فيما بينهم، ويمثل "تعويضا مشروعا لنا" عن التعطيل المتعمد للاقتصاد المصرى والعربى على مدى سنوات. وفى ذات الوقت سيساعد على دوران عجلات الاستثمار فى العديد من الدول العربية. باختصار، إنها معركتنا الوطنية والعربية الحقيقية من أجل المستقبل. لمزيد من مقالات طارق الشيخ;