لأن (الحدَّاية لا تحدِّف كتاكيت) كما يقول المثل الشعبى جاء اعتراف ديكتاتور جامبيا يحيى جامع بالهزيمة فى الانتخابات الرئاسية قبل أن يتراجع ويطالب بانتخابات جديدة بسبب المفاجأة التى شلَّت تفكيره بعد إفراطه فى الاعتقاد بحب شعبه الجارف له وثقته بإعادة انتخابه وليس إيماناً منه بتداول السلطة بأسلوب ديمقراطي،فهو القائل إنه مرشح العناية الإلهية وسيحكم ولو مليار سنة إذا أراد الله والشعب وحكم بقبضة حديدية طوال 22 عاماً وزجَّ بقادة المعارضة فى السجون وقطع الاتصالات والإنترنت يوم الاقتراع لمنعهم من نشر نتائج الدوائر الانتخابية قبل التلاعب بها ومنع حضور مراقبين أجانب باستثناء مراقبى الاتحاد الإفريقى المستأنسين. لو كان الأمر بيده لتداركه مثلما فعل روبرت موجابى فى زيمبابوى فى الجولة الثانية بعد انتهاء الأولى بتقدم مرشح المعارضة فسخَّر كل أجهزة الدولة لقلب النتيجة لصالحه بينما اكتفى دستور جامبيا بحصول الفائز على أعلى الأصوات ولو كانت أقل من 50% فى الجولة الأولى وبتراجعه عن اعترافه بالهزيمة يُخشى أن يتسبب فى حرب أهلية مثلما فعل لوران جباجبو فى ساحل العاج عندما رفض فوز منافسه فتم خلعه بالقوة ويُحاكم حاليا أمام المحكمة الجنائية الدولية أو أن يكون قد دبر لإجهاض أول تجربة ديمقراطية فى جامبيا بانقلاب عسكرى مثلما أطاح برئيسها الأول عام 1994. كان لوقوف أحزاب المعارضة وراء مرشح واحد هو آدم بارو ورغبة الشباب الذين يشكلون أغلبية الناخبين فى التغيير وتشكيل بعضهم مجموعات سرية لحشد التصويت له والبطالة المرتفعة والفساد المستشرى دورُ مهم فى هزيمة جامع التى لم يكن يتوقعها أحد،فحصل على 37٫7% فقط مقابل 45٫55% لبارو، وبعد فترة صمت من هول الصدمة وتفكير فى عواقب رفض النتيجة اتصل بمنافسه لتهنئته وإبداء استعداده للتعاون فى انتقال السلطة، عندها خرج الناس إلى الشوارع للاحتفال بانتهاء ما وصفوه بالعبودية قائلين إنهم لم يعودوا عبيداً لأحد، وأعلن الرئيس المنتخب أنه سيتنحى بعد ثلاث سنوات فقط لإعطاء دفعة للديمقراطية واعداً بوقف انتهاكات حقوق الإنسان التى شاعت فى عهد سلفه،وأفرج القضاء بالفعل عن 19 معتقلاً سياسياً بعد ثلاثة أيام فقط من سقوط الديكتاتور كانوا قد نالوا ثلاث سنوات سجناً بتهمة التجمع المحظور.ورغم أن المواطنين أصبحوا يتمتعون بحرية حركة أكبر إلاَّ أن الحواجز الأمنية مازالت قائمة فى شوارع العاصمة بانجي، وليس من المستبعد أن يهب أعوان جامع وحلفاؤه الخائفون من النظام الجديد على مصائرهم ومكاسبهم لإجهاض التجربة وإعادته للحكم، خاصةً إذا بدأ الرئيس الجديد حملة تطهير ضد مَن مارسوا القمع ونهبوا ثروة البلد وتركوا الأغلبية فى فقر مدقع، ولو حدث ذلك لن نرى فيما أطلق عليه البعض(ساحل غرب إفريقيا المبتسم) شيئاً يدعو للابتسام. هزيمة الحاكم عبر صناديق الاقتراع ليست أمراً معتاداً فى إفريقيا،فمقابل كل واحد يقبل بها نحو عشرة يعتبرون تركهم السلطة نهاية الحياة..ففى هذا العام أُعيد انتخاب دينس ساسو - نجيسو رئيساً للكونغو - برازفيل رغم احتجاجات المعارضة على التزوير وقطع الاتصالات يوم الاقتراع لمنع أعضائها من نشر نتائج الدوائر الانتخابية قبل التلاعب فيها، مضيفاً بذلك خمس سنوات أخرى إلى 32 عاماً فى الحكم بعد أن عدّل الدستور لإلغاء الحد الأقصى لسن الترشح وعدد مراته فيما وصفه معارضوه بانقلاب دستوري. وفى غينيا الاستوائية فاز تيودور أوبيانج بانتخابات قاطعتها معظم أحزاب المعارضة بسبع سنوات رئاسية جديدة تُضاف إلى 37 عاماً قضاها فى الحكم منذ انقلابه العسكرى على عمِّه عام 1979 وسط اتهامات متكررة من منظمات حقوق الإنسان بأن نظام حكمه واحد من أكثر الأنظمة قمعاً وفساداً فى العالم حيث تستأثر أسرته وصفوة المقربين لأنفسهم بالنصيب الأوفر من الثروة تاركين الغالبية العظمى فى فقر مدقع فى بلد يبلغ فيه متوسط دخل الفرد 37 ألف دولار سنوياً وفقاً لتقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة، وما فاز على بونجو فى الجابون على السياسى المخضرم جان بينج مضيفاً سبع سنوات إلى نصف قرن من حكم العائلة ولجأ بينج إلى سفارة أجنبية طالباً الحماية بعد أن اتهم النظام بتزوير نتائج الانتخابات وقتل العشرات واعتقال المئات ومحاكمتهم. أما فى تشاد بوسط القارة فقد فاز إدريس ديبى بفترة خامسة فى انتخابات وصفتها المعارضة بالمزورة واتهمت النظام بترهيب أنصارها بواسطة حكام الأقاليم والمحافظين والإدارات العسكرية والمدنية ومنعها من الحصول على الوثائق اللازمة لإثبات التزوير، وفى أوغندا بالشرق سخَّر يورى موسيفينى كل أجهزة الدولة لضمان إعادة انتخابه لفترة خامسة رغم مرور 30 سنة على تولِّيه الحكم بانقلاب عسكرى عام 1986، ولم تكتف السلطات بذلك بل نكَّلت بمنافسه الرئيسى كيزا بيسيجى ووجهت له تهمة الخيانة بعد أن رفض نتائج الاقتراع ووصفها بالمهزلة ورغم إعلان المراقبين الأوروبيين أن الانتخابات شهدت ترهيباً للناخبين، وأن اللجنة الانتخابية افتقدت الاستقلالية والشفافية. لمزيد من مقالات عطية عيسوى