جاءت مصادقة الحكومة الإسرائيلية على مخطط لبناء 500 وحدة سكنية بمستوطنة «رامات شلومو» على أراض فلسطينية فى القدسالمحتلة، بالتوازى مع مناقشة مشروع قانون البؤر الإستيطانية الذى يمنح الشرعية لنحو 4000 منزل تم بناؤها بطريقة غير قانونية فى 55 مستوطنة عشوائية شيدت على أملاك خاصة فلسطينية، فى إطار مساعيها لجس نبض الإدارة الأمريكية الجديدة، وهو ما دفع وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى لتوجيه انتقادات علنية غير مسبوقة لسياسات إسرائيل الاستيطانية، خلال مشاركته فى منتدى «سابان»، الذى نظمه معهد بروكينجز بواشنطن، ارتباطاً بإدراكه أن تلك المصادقة تأتى ضمن مخطط لبناء 30 ألف وحدة استيطانية تشمل المستوطنات فى القدس ومحيطها، وبما يؤدى إلى تقويض فرص حل الدولتين. وتسعى إسرائيل لإثارة تلك القضايا فى هذا التوقيت قبل دخول «دونالد ترامب» البيت الأبيض لاختبار حقيقة مواقف الإدارة الأمريكية الجديدة، ومدى جدية المواقف التى عبر عنها ترامب خلال الحملة الانتخابية والتى أكد فيها تأييده لإسرائيل سواء فيما يتعلق بالقدس، أو استمرار المساعدات المقدمة لحلفاء الولاياتالمتحدة، فضلاً عن التزام مواقف حيادية بشأن النزاع الإسرائيلي/الفلسطيني، ومن ثم تطلع «بنيامين نيتانياهو» لتهيئة المجال أمام التوصل إلى تفاهمات بشأن سياسات الولاياتالمتحدة فى الشرق الأوسط، والتأثير فى حدود مواقف الإدارة الأمريكية الجديدة إزاء السياسات التى تنتهجها إسرائيل فى المناطق المحتلة. كما تحرص إسرائيل على التنسيق مع الحكومة الأمريكية الجديدة بشأن المخاطر الكامنة فى الاتفاق النووى مع إيران، وزيادة معدلات التعاون الاستخبارى من أجل اكتشاف تجاوزاتها للاتفاق، وإعداد خطة مشتركة لمواجهتها، فضلاً عن مناقشة سبل مواجهة تحركات إيران السلبية والتى تستهدف تحقيق الهيمنة فى الشرق الأوسط، بما فى ذلك مخاطر برنامج تطوير الصواريخ الباليستية، فضلاً عن تفادى تداعيات الأزمة السورية على أمنها القومي، حيث ترغب إسرائيل فى دفع الإدارة الأمريكية الجديدة لتبنى استراتيجية مختلفة أمام روسياوإيران، اللتين تدعمان نظام الأسد، والتوصل لتفاهم مع إدارة »ترامب« بعدم السماح لإيران وحزب الله بالوجود قرب هضبة الجولان. وفيما يتعلق بسياسة الادارة الأمريكية تجاه المنطقة فمن المرجح أن يقلص الرئيس الأمريكى المنتخب »دونالد ترامب« من تدخل الولاياتالمتحدة فى شئون الشرق الأوسط والصراع الإسرائيلى الفلسطيني، خاصة أن »ترامب« لا يرى الشرق الأوسط كاستثمار جيد، إلا أن التزامه بالقضاء على تنظيم »داعش« سيدفع الإدارة لمواصلة دعم جهود مكافحة الإرهاب، لاسيما وأن معرفة ترامب المحدودة بالساحة الدولية ستجعل من الفريق الذى سيجلبه معه إلى البيت الأبيض عنصرا حاكما فى وضع السياسة الخارجية للإدارة. وقد أكدت نتائج زيارة وزير الخارجية »سامح شكري« للولايات المتحدة والتى إستهدفت متابعة مسار العلاقات الثنائية والتواصل مع مسئولى الإدارة الجمهورية الجديدة أن هناك فرصة متاحة لمصر للاستفادة من المتغيرات التى تمر بها الولاياتالمتحدة فى ضوء مساعى الادارة الجديدة لإعادة صياغة مواقفها وتحركاتها الإقليمية والدولية، وبما يتطلب الإسراع بصياغة إطار إستراتيجى للتعامل مع إدارة «ترامب» يرتكز على : 1 الأهداف المشتركة التى تجمع سياسة الدولتين لتحقيق السلام ودعم الاستقرار فى الشرق الأوسط، فى ظل محورية الدور المصرى فى عملية السلام بين الجانبين الإسرائيلى والفلسطيني. وإبراز الدور الحيوى الذى تقوم به مصر لتحقيق المصالحة بين القوى والفصائل المتناحرة على الساحات الفلسطينية والعراقية والسورية والليبية واليمنية، لما تتمتع به من ثقل ودور يحظى بالقبول من مختلف التيارات فى تلك الدول. 2 التنبيه لمخاطر إزدواجية المعايير فى التعامل مع قضايا منع الانتشار النووي، مع إبراز التحركات والجهود المصرية على المستويين الإقليمى والدولى والتى تستهدف التعامل مع تلك القضية بقدر من الشفافية لوقف إحتمالات سباق التسلح فى المنطقة. 3 إظهار دور مصر فى تحقيق الاستقرار ودعم التنمية فى إفريقيا، وقدرتها على دعم الجهود الأمريكية لمكافحة الإرهاب فى القارة الإفريقية، والتعاون فى مواجهة القرصنة البحرية والحفاظ على أمن البحر الأحمر، ومكافحة أنشطة التنظيمات التى تعمل فى مجال الجريمة المنظمة بما فى ذلك التجارة غير المشروعة للسلاح، والهجرة غير الشرعية. ورغم ما يتيحه التقارب الفكرى بين الرئيسين الأمريكى والمصرى إزاء إستراتيجية مكافحة الإرهاب الدولى مجال لمحاصرة نفوذ جماعة الإخوان ونشاطها الدولى وتحريك مشروع قرار اعتبارها تنظيما ارهابيا، إلا أنه ينبغى الحذر من إختلاف المفاهيم حول ماهية الإرهاب وحدود التعاون المشترك لمواجهته فى ظل إحتمالات لجوء الادارة الأمريكية لبناء تحالف شرق أوسطى تشارك به إسرائيل وتركيا لمواجهة إيران والمحور الذى تقوده والذى يضم عدداً من التنظيمات المدرجة على القوائم الأمريكية للمنظمات الارهابية (حزب الله حماس الجهاد الإسلامى ...)، الأمر الذى يفضل معه بناء إطار للحوار الإستراتيجى الجاد والواضح وفق محاور متفق عليها لتحسين المناخ العام للعلاقات المصرية الأمريكية على المستوى الثنائي، ولإيجاد مساحة أكبر لتبادل الرؤى تجاه القضايا الاقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وبما يتيح لمصر إستعادة مكانتها الاقليمية والدولية، لاسيما مع امتلاكها أدوات للتدخل والمساعدة فى تسوية غالبية القضايا الإقليمية. لمزيد من مقالات لواء. محمد عبد المقصود