تعرضت فى الأسبوع الماضى للمحنة التى تعيشها مهنة الصحافة خصوصا والإعلام عموما هذه الأيام بعد تحرير سعر الصرف وانهيار معدلات التوزيع وضعف التأثير لكل وسائل الإعلام بلا استثناء. أحد أسباب هذه الأزمة التى تعيشها المهنة هى جمود التشريعات وعدم الرغبة فى انجازها مما أدى إلى انتشار الترهل والفوضى فى مجال الإعلام، ويهمنى فى هذا الأمر إلقاء الضوء على النقاط التالية: أولا: هناك من يرفض تغيير التشريعات نتيجة الجمود الفكرى والعقائدى الرافض لأى تحرك إيجابي، ورغبتهم العيش فى الماضى السحيق وأعود هنا إلى عام 2007 حينما حاولنا فى مجلس نقابة الصحفيين وكان النقيب آنذاك الأستاذ مكرم محمد أحمد وكنت وكيلا أول للنقابة تغيير القانون 76 لسنة 1970 لأنه قانون غير دستورى ويتحدث من بدايته حتى نهايته عن الاتحاد الاشتراكى العربي، ووزارة الإرشاد القومي، والجمهورية العربية المتحدة، الا أننا فوجئنا فى ذلك التوقيت برفض الإخوان والناصريين تعديل القانون معللين ذلك بالتخوف من «الظرف السياسي» وخشيتهم من خروج قانون ليس على مايرام. القانون 76 لسنة 1970 قانون ديكتاتوري، وخارج إطار العصر ولايراعى المتغيرات العديدة التى طرأت على المجتمع الصحفى وتشير مادته الأولى إلى أن نقابة الصحفيين تعمل فى الجمهورية العربية المتحدة، ومادته الثالثة تؤكد أن دور النقابة هو نشر وتعميق الفكر الاشتراكى والقومي، وأن نشاط النقابة يجرى فى إطار السياسة العامة للاتحاد الاشتراكي، كما تشترط مادته الثالثة عشرة ضرورة إرسال بيان بأسماء طالبى القيد إلى الاتحاد الاشتراكى ووزارة الإرشاد القومى لإبداء الرأى فيها خلال أسبوعين، ثم بعد ذلك جاءت المادة 16 لتؤكد قيام مجلس النقابة بضرورة إبلاغ الاتحاد الاشتراكى العربى ووزارة الارشاد القومى قرارات اللجان المختلفة خلال اسبوعين من صدورها... تخيلوا كل هذه الكوارث ويتغنون بهذا القانون البائس. أما المادة 37 فقد اشترطت فيمن يرشح نفسه لمنصب النقيب أو عضوية المجلس أن يكون عضوا عاملا فى الاتحاد الاشتراكي!! قانون ديكتاتورى يشترط إبلاغ الاتحاد الاشتراكى بالأسماء المتقدمة للقيد وإبلاغه بقرارات اللجان، وضرورة ان يكون النقيب وأعضاء المجلس من أعضاء الاتحاد الاشتراكي، ومع ذلك هناك من دافع عنه ورفض تعديله لمجرد المكايدة و «الحنجورية» والصوت العالي، والرغبة فى الجمود والعيش فى الماضي، وعدم القدرة على مواجهة التحديات المستقبلية رغم أن هذا القانون كان معطلا لفترة طويلة بصدور القانون الموحد للنقابات المهنية الذى صدر عام 1993 واستمر فى الخدمة حتى صدر حكم بعدم دستوريته ليعود القانون القديم الخارج من كهف الجمهورية العربية المتحدة والاتحاد الاشتراكى إلى العمل من جديد، وتحالف الناصريون والإخوان فى رفض تعديل القانون ليستمر القانون المعيب وغير الدستوري، ولم يحرك أحد ساكنا بشكل جاد لتغيير هذا القانون «غير الدستوري» و «المعيب» حتى الآن، لأنه يخدم الأقلية على حساب الأغلبية حيث يشترط إجراء الانتخابات يوم الجمعة، وهو يوم الإجازة لأعداد كبيرة من الزميلات والزملاء مما يؤدى إلى عدم حضور أعداد كبيرة منهم وعدم المشاركة وترك الأمر للأقلية الايدلوجية للتحكم فى مصير النقابة ومستقبل المهنة. ثانيا: ترتبط أزمة قانون النقابة بالأزمة المثارة منذ ما يقرب من 3 سنوات حول التشريعات الصحفية والإعلامية، وعدم رغبة البعض فى إصدارها وتعطيلها تحت مسميات عديدة، ويكفى هنا أن أشير إلى أن الحديث عن التشريعات الصحفية بدأ منذ منتصف عام 2014 حينما بدأت أولى جلسات الاستماع حول القانون، وكان الحديث آنذاك ينصب على 3 قوانين منفصلة، وبالفعل فى فبراير 2015 تبلورت أول مسودة لمشروع الهيئة الوطنية للصحافة قبل انتخابات النقابة آنذاك ودارت مناقشات ساخنة حول تلك المسودة فى مقر نقابة الصحفيين بحضور النقيب السابق، وأعضاء من لجنة التشريعات وأعضاء مجالس الإدارة والجمعيات العمومية وهناك نسخة موقعة من معظم أعضاء مجاس الإدارة والجمعيات العمومية، إلا أن إجراء انتخابات النقابة أدى إلى تعطيل الأمور حتى فوجئنا بخروج ما تم تسميته بمسودة للمشروع الموحد للإعلام ليبدأ النقاش من جديد حوله وتستمر المناقشات عاما إضافيا آخر حتى خرجت مسودته النهائية. ثالثا: منذ ما يقرب من عام عقد المستشار أحمد الزند وزير العدل السابق جلسة موسعة بحضور المستشار حسن بدراوى مساعد الوزير لشئون التشريع آنذاك وعدد من الكتاب والصحفيين ورؤساء التحرير وأعضاء مجالس الإدارة ونقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للصحافة وفشل الاجتماع لإصرار مجموعة معينة على الاستئثار بتشكيل لجنة من فصيل واحد، ورفض دخول أى طرف آخر، وماتت اللجنة بالسكتة القلبية قبل أن تبدأ. رابعا: للإنصاف والتاريخ فقد سبق وأن حذر المستشار مجدى العجاتى وزير الشئون القانونية والنيابية من عدم دستورية القانون الموحد إلا أن الراغبين فى تعطيل اصدار القانون رفضوا رؤية المستشار مجدى العجاتى وهاجموه بشدة وتمترسوا خلف فكرة القانون الموحد على أمل عدم ظهوره إلى النور، واستمرار الأوضاع الحالية على ما هى عليه، وأطلقوا سهامهم على المستشار مجدى العجاتى ليلتزم الصمت بعد ذلك. خامسا: أرسلت الحكومة القانون الموحد إلى مجلس الدولة وهو الجهة المنوط بها مراجعة القوانين إلا أنه أبدى ملاحظة أساسية بضرورة إنشاء الهيئات والمجالس أولا تفاديا لعدم دستورية القانون وكان من الضرورى ان يتوقف الأمر عند هذا الحد، إلا أن هناك من يصر على خلط الأوراق ضاربا عرض الحائط بتوصية مجلس الدولة، وقاطعوا لجان الاستماع والمناقشات بمجلس النواب وأرادوا القفز على تلك التوصية المهمة ليؤكد هؤلاء رغبتهم فى استمرار الأوضاع الحالية المخالفة لصحيح القانون والدستور. سادسا: الكرة الآن فى مجلس النواب وعليه أن يقوم بمسئوليته فى إنجاز مشروع قانون التنظيم المؤسسى للصحافة والإعلام الذى أقرته لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب خلال الأسبوع الماضى دون تردد أو تأجيل وكفى إهدارا للوقت، ويكفى ما تواجهه المهنة من متاعب وأزمات تهدد بقاءها واستمرارها. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة