الحصان الأعمى هو الذى يملك الشجاعة ويفتقر إلى الحذر .. ونجاح اللاعب الإيرانى فى الحصول على اتفاق نووى تاريخى العام الماضى فى ماراثون المفاوضات الطويل والشاق مع الغرب كان يقتضى منه عدم الانسياق وراء نشوة الانتصار المؤقتة والانتباه إلى خيوط الحبكة الجديدة المدبرة فى الإدارة الأمريكية «الجمهورية» التى تعتبر الاتفاق «أسوأ قرار» فى عهد الرئيس الحالى باراك أوباما ولابد من تصحيح الخطأ فى أسرع وقت قبل أن يستعيد الثعلب الإيرانى قوته ويمارس أدوار المكر والدهاء للخروج بأكبر المكاسب والثمار من الصفقة الكبري. وقد تورطت حكومة الإصلاحيين بقيادة حسن روحانى فى استفزاز المفاوض الأمريكى بتجاوز الحد المسموح به من إنتاج الماء الثقيل الذى يمكن استخدامه فى المفاعلات النووية للحصول على البلوتونيوم اللازم لتطوير الأسلحة، وتم نقل بعض الكميات من فائض الإنتاج من الماء الثقيل إلى دولة أخرى للاستفادة منه مستقبلا، فضلا عن إجراء تجارب متعددة لإطلاق صواريخ باليستية. وكانت هذه التصرفات كافية لاستنفار الأبواق المناهضة للاتفاق النووى داخل أروقة إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، ليشهر سلاح العقوبات مجددا فى وجه طهران، وبالفعل اشتعل السيناريو بإقرار مجلس الشيوخ الأمريكى الأسبوع الماضى بالأكثرية المطلقة بتمديد قانون الحظر على إيران لفترة ثانية تمتد إلى 10 أعوام، لينتظر بذلك القانون توقيعه من الرئيس أوباما، ليصبح سارى المفعول، مما يعطى مؤشرات بأن تعهدات ترامب، بإلغاء الاتفاق النووى بمجرد دخوله البيت الأبيض قد بدأت فى التنفيذ قبل حتى أن يتم تنصيبه رسميًا. وكان مجلس النواب الأمريكى قد مهد الطريق لهذه الخطوة بأغلبية ساحقة، فيما حث كل من السيناتور السابق جوزيف ليبرمان والسفير السابق مارك والاس - وكلاهما من كبار الناشطين فى جماعة «متحدون ضد إيران النووية» ومن كبار الساسة الأمريكيين - ترامب على إبداء استعداده صراحة لفرض عقوبات «جديدة ثانوية وشاملة» على إيران إذا أخلت بالتزاماتها المنصوص عليها فى الاتفاق النووي. وكتب الاثنان مقالا مشتركا فى صحيفة «واشنطن بوست» اتهما فيه سلوك إيران بأنه «متهور» وتفاقم مقارنة بالماضى فى ظل نبرة خطابها المعادى لأمريكا وإسرائيل والعرب التى ازدادت قوة، حيث نددت نحو 11 دولة عربية علنا بمحاولات إيران للتدخل فى شئونها الداخلية. وبمقدور الرئيس المنتخب أن يدعم تشريعا فى الكونجرس يعاقب قطاعات الاقتصاد الإيرانى التى تقدم يدّ العون لبرنامج صواريخ طهران الباليستية، بل ويقترح إجراءات تحول دون وصول الإيرانيين للدولارات الأمريكية، تزامنا مع سرعة تحرك رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو للقفز على المشهد وإقناع إدارة ترامب بنسف الاتفاق عندما قال منذ أيام فى منتدى عن الشرق الأوسط فى واشنطن : «المشكلة ليست أن إيران ستنتهك الاتفاق، وإنما ستحافظ عليه، لأنها تستطيع ببساطة المضى قدما، خلال عقد أو حتى أقل، فى تخصيب اليورانيوم بكميات صناعية لإنتاج العنصر الجوهرى لترسانة أسلحة نووية». وفى الوقت الذى تصاعدت فيه الأصوات فى السلطة الإيرانية لمنع ترامب من تمزيق الاتفاق النووي، خرجت رئيسة وزراء بريطانيا تريزا ماى بتصريحات مهمة نشرتها صحيفة «ديلى تليجراف» عندما أكدت فى قمة مجلس التعاون الخليجى بالمنامة أن الاتفاق النووى يعد «أمرا حيويا»، موضحة أن بنوده تضمن القضاء على إمكانية امتلاك إيران لأسلحة نووية لمدة 10 سنوات، والتخلص من 13 ألف جهاز طرد مركزي، إضافة إلى بنية تحتية مرتبطة والقضاء على مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20٪. كل هذا يعنى أن ثمة فصيلا فى الغرب لا يزال يراهن على الاتفاق فى ترويض الطموح الإيرانى وتحجيم تطلعاته النووية، وهذا الفصيل يحاول استثمار الصفقة حتى آخر رمق قبل أن يفتح المجال لسياسة ترامب العدائية وخطته الصريحة لتصفية الملف برمته. والمؤكد أن الأيام الأولى لترامب ستأتى بجديد فيما يتصل بمستقبل العلاقات بين واشنطنوطهران.