بعد سجال استمر ثلاث سنوات تقريبا، حكمت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية قانون التظاهر (المادة/10)، وما كنت أتصور أن تأخذ المحكمة كل هذا الوقت، تكون فيه الأمور قد تعقدت، والحياة العامة أصابها السكون، فهناك ما يسمى بالاحساس العام لدى القضاة بأهمية وأولوية الصالح العام يؤكده المزاج العام السائد والذى يجسد ارادة الأغلبية، وهى جوهر العملية الديمقراطية، حيث السيادة للشعب والأحكام باسم الشعب، والحكم للأغلبية، والاحترام للأقلية، كما أتمنى أن يصدر حكم المحكمة فى الدعوى المحالة إليها منذ 3 سنوات أيضا بخصوص عدم دستورية قانون العقود وقصر حق التقاضى على أطراف العقد، فشاع الفساد أكثر، وحرم الشعب من مراقبة أمواله واسترداد حقوقه المنهوبة، وهو أخطر قانون صدر بعد ثورتين للأسف. ولاشك أن حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية قانون التظاهر، هو حكم تاريخى انتصر لحرية التعبير وأحد مظاهرها الحق فى التظاهر، حيث تضمن عدم دستورية منح حق المنع والسماح بالموافقة لوزارة الداخلية، وأعطى هذه السلطة للقضاء، ومن ثم أصبح التظاهر مباحا بشرط الاخطار فقط، وحال أن الحكومة ممثلة فى وزارة الداخلية ترى عكس ذلك رفضا أو تأجيلا أو تغييرا للمكان لاعتبارات الصالح العام، فعليها أن تلجأ للقضاء لاصدار حكم بذلك، ولذلك فقد أصبح التظاهر مباحا بشرط الاخطار وقبل حدوثه ب 24 ساعة على الأقل، وأصبحت سلطة الحكومة مقيدة فى منعه بشرط صدور حكم قضائي. وقد قلت قبل صدور القانون وبعد صدوره آنذاك، إننى أوافق على اصدار قانون للتظاهر، بشرطين هما: الأول يتعلق بالاكتفاء بالإخطار، وعند وجود رأى آخر لدى الحكومة فعليها اللجوء للقضاء، وهو ما أكده حكم المحكمة الدستورية المتفق مع رؤيتي. أما الثانى فهو تخفيف أحكام الخروج عن قانون التظاهر الذى أصبح بالاخطار فحسب الآن، بالحبس مدة لاتزيد على ثلاثة أشهر أو الغرامة المعقولة التى لا تزيد على (5000) خمسة آلاف جنيه، وهذا لم يشر إليه فى الحكم، ويبدو أن المحكمة اكتفت بالنظر فى النص المحورى وهو الاخطار فقط، أو الاخطار والموافقة من الحكومة (الداخلية)، وانتصرت للاكتفاء بالاخطار فقط والغاء سلطة الداخلية فى القبول أو الرفض. ولاشك أن الأمر الأول، أصبح محسوما، يستلزم اعادة صياغة المادة (10) والاكتفاء بالاخطار (كل من يريد التظاهر محددا بالميعاد والوقت المتاح) والهدف، وعلى الحكومة توفير الحماية لهذه المظاهرة أو تلك وهى مسئولة عن حماية الأرواح والممتلكات وسلمية المظاهرات. أما الأمر الثاتي، فان البرلمان مسئول عن إعادة صياغة مواد العقوبات فى قانون التظاهر، مادة (7، 8)، وتخفيف هذه العقوبات كما سبق أن طالبت (3 شهور على الأكثر أو الغرامة خمسة آلاف جنيه فقط)، وطرح الموضوع لحوار مجتمعى جاد، يعيد تدفق الدم فى شرايين العملية السياسية بعد أن أصابها التجلط للأسف. ومنذ ثلاث سنوات، وبعد ثورة 30 يونيو تحديدا. كنت من الأصوات الداعية لصدور قانون الارهاب، فتراخت الحكومة إلى حد التواطؤ، وقلت إن هذا القانون كفيل بردع جماعة الاخوان الارهابية والمتظاهرين باسمها، ولا أولوية لغيره، ثم بعد ذلك يصدر قانون التظاهر، فما كانت النتيجة إلا أن الحكومة أصدرت قانون التظاهر أولا، فى تقدير سيئ للغاية، فتخلقت المشاكل. وعلى أى حال، ودون البكاء على اللبن المسكوب، فإن الأمر يستدعى عدة نقاط هي: 1 تفعيل قانون الارهاب والاحالة للمحاكمات العسكرية لغلق الملفات المعلقة. 2 تفعيل قانون الكيانات الارهابية والاحالة أيضا للمحاكمات العسكرية لمواجهة حاسمة مع الارهاب الأسود وكياناته الارهابية. 3 التأكيد الرسمى على عدم التصالح مع الارهاب والفساد باعتبارهما وجهين لعملة واحدة، وانتصارا لثورتى 25 يناير و 3 يونيو، ووقف التحايلات الحكومية على ذلك، لأنه يسهم فى إغضاب الشعب الذى لم يعد يحتمل المزيد. 4 الافراج الفورى عن جميع الشباب المحكوم عليهم بسبب عدم الاخطار عند التظاهر بشرط عدم ممارسة الارهاب أو تخريب الممتلكات، فالأحكام بشأن هؤلاء وجوبية حماية للمجتمع والشعب. أى أن كل شاب تظاهر بعدم الاخطار فقط وعبر عن رأيه أصبح بريئا وفق حكم الدستورية، واستمرار حبسه غير دستورى يستوجب الافراج الفوري. 5 إعادة الحياة للعمل العام والحزبي، لتحمل مسئوليات هذه المرحلة التى تمر بها البلاد. لمزيد من مقالات د. جمال زهران