أراد الله أن يرحم البشرية التى تاهت فى دياجير الظلم والكفر والفسق والبهتان، ويكرم الإنسانية التى عانت عناء شديدا من قسوة الشرك والفحش والجهل والضلال، فبعث محمدا صلى الله عليه وسلم، ليكون رسول الرحمة، ومنقذ البشرية، وسراج الهدى المنير، وصراطه المستقيم، وصدق رب العزة حين قال: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» إن الرحمة نعمة عظيمة، جاء بها سيد المرسلين، فأسعدت الدنيا، ومنحت الخير والرفق والعطف والإحسان، وأنهت المشقة والفظاظة والآلام، وحين فاضت رحمة المصطفى الأمين، أخرجت الناس من الظلمات الى النور. وانطلقت رسالة الإسلام تنبذ الإرهاب والعنف، وتحارب الباطل والاستبداد والفساد، وعبث الخرافات والأوهام، وتقديس الأصنام. لقد امتدت الرحمة تتدفق بالبر والعدل والأمان، وتقضى على شناعة التمادى فى ارتكاب الآثام، وكانت رحمة شاملة جليلة كريمة، تعتمد على فضل الرحمن الرحيم، الذى سبقت رحمته غضبه ووسعت رحمته كل شيء، كما وسع علمه كل شيء ففى القرآن: «ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما»، وفيه أيضا ورحمتى وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبى الأمى»: إن أمة محمد صلى الله عليه وسلم كانت تحتاج إلى ظلالها الوارفة، ونفحاتها الشافية، ولذا رسم لها الرسول صلى الله عليه وسلم طريق الصلاح وحدد سبل العدل، وقدم منهجا هاديا رشيدا يدعو إلى الالتزام بها، وإشاعة نورها بين قومه فى أقواله وأفعاله ورسالتها، فهو يبين أن: «من لايرحم الناس لايرحمه الله» ويؤكد أنه لا إيمان بدون رحمة كما يؤكد أنه لابد أن تحمل عاطفة حية نابضة بالحب والرأفة، تصل الإنسان والدابة والطير، فأبعد الناس من الله تعالى هو القاسى القلب، أما القلوب الرقيقة اللينة فهى التى تخشى الله، وترجو الآخرة، وأما القلوب القاسية فهى بعيدة عن التراحم والتعاطف والتكافل والإيناس والبر إنه يقول مثل المؤمنين فى توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى ومن فضل الرحمة وخيرها أنها تنهى العباد عن القنوط من رحمة الله، وإن تورطوا فى الذنوب والآثام يقول سبحانه: «قل ياعبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم » إن نبى الرحمة كان يبغض الظلم والقطيعة والبخل الشديد، الذى يؤذى ذوى القربي، وكان ينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى تحقيقا لقول ربه الرحيم: «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى» وعنايته بالدعوة إلى رعاية ذوى الأرحام واليتامى والخدم وبرهم، لا نظير لها يقول صلى الله عليه وسلم: «الراحمون يرحمهم الله تعالي، ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء الرحم شجنة من الرحمن من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله «والشجنة القرابة المشتبكة اشتباك العروق، ويدل ذلك على أن المسلم مطالب بتأدية حق أقاربه، وأن يقوى بالمودة الدائمة صلات الدم القائمة، ويقول أيضا:» «قول الله تعالى أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمى فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته» ويهتم باليتيم فيقول: «ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك، يلن قلبك وتدرك حاجتك وهو يوصى بالخدم ومعاملتهم بكل ود، وإن الرحمة عند المصطفى صلى الله عليه وسلم اعتمدت على خلقه العظيم، ومنهجه الرشيد، ودينه الحق، ولذا رأى الناس عهدا جديدا مشرقا حافلا بالمحامد والبركات والخيرات، مليئا بالإصلاح والتوجيه الرشيد والتربية السامية، ويعطونها أسمى توقير، وأكرم حب وتعظيم يقول سبحانه: «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك». لمزيد من مقالات د. حامد شعبان