برزت التنظيمات الشعبية والسياسية على ساحة العمل السياسى نتيجة للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الكبيرة التى تشهدها المجتمعات، وساعد على ذلك تباين الاتجاهات الفكرية التى أمنت بأن الكيانات التنظيمية هى الأكثر قدرة وكفاءة على تحقيق الأهداف التى أنشئت من أجلها. فى هذا السياق، تنقسم التنظيمات السياسية إلى نوعين؛ رسمية وهى التنظيمات التى تخضع للقوانين والأنظمة واللوائح الرسمية، وتعد خطة واعية تحدد نظاما للمهام والتكليفات والعلاقات بغرض تنسيق جهود الأعضاء لتحقيق الأهداف بفاعلية وكفاءة. وهناك التنظيمات غير الرسمية؛ وهى التى لا تخضع إلى قوانين وأنظمة ولوائح رسمية، ولكنها تتأثر بهذه القوانين، والمحيط الذى تعمل فيه. وتختلف التنظيمات السياسية وفقا لظروف وأسباب النشأة. تعد الأحزاب السياسية إحدى أهم أشكال التنظيمات السياسية الرسمية، التى تعد أحد المقومات الأساسية لأى نظام سياسى يدعى ممارسة الديمقراطية؛ حيث تعد إحدى قنوات تداول السلطة سلميا، وبمثابة قنوات للمشاركة السياسية والتجنيد السياسى، ولها العديد من الوظائف الأخرى مثل المشاركة والتنشئة السياسية والتجنيد السياسى، غيرها. ولقد كانت مصر فى طليعة الدول التى عرفت تجربة التنظيمات السياسية؛ حيث مرت بعدد من المراحل الرئيسية. واستطاع السادات ومن وخلفه مبارك أن يجعل من الأحزاب المصرية مجرد أسماء وصحف، تجمل شكل النظام أمام العالم، وتقوم بأدوار كرتونية لصالح هذا النظام، ولهذا تتحمل هذه الأحزاب جميعا قدرا كبيرا من المسئولية عن حالة التدهور الذى عانت منها مصر خلال العقود الماضية، بعد أن صارت عبئا على الوطن والمواطن بدلا من أن تكون المعبر عن تطلعاته وطموحاته. وجاءت ثورة 25 يناير2011، وكانت فى أحد وجوهها تعبيرا عن إفلاس الحياة السياسية، وبدلا من إدراك أن فعالية الحياة السياسية ليس شرطا لها تعددية حزبية، بقدر توفر منظومة دستورية وقانونية وسياسية تتيح مشاركة سياسية حقيقية، وفضاء سياسيا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا سليما، كرست ثورة يناير2011، ومن بعدها موجتها الثانية 30 يونيو 2013 لاعتبارات عديدة ليس مجال تفسيرها الآن حالة الدور الديكورى للأحزاب، حيث فتحتا الباب أمام تنامى ظاهرة «الانفجار الحزبي». ولأننا لا نقرأ التاريخ، ولا نعى دروسه، يظهر على الساحة السياسية من حين لآخر، وتحديدا منذ انتخاب الرئيس السيسى ذلك الجدل العبثى بين من يطالب بحزب للرئيس، ومن يطالب بظهير شعبى للرئيس. ولهؤلاء .. وهؤلاء أقول: ماذا قدم الحزب الوطنى الديمقراطى لمصر، حين تولى رئاسته اثنان من رؤساء مصر .. السادات ومبارك؟ أظن أن جميعنا يعرف ماذا قدم هذا الحزب لمصر .. باختصار خراب مصر وتجريف كافة مقدراتها لدرجة أنه لأول مرة فى التاريخ صار بقاء الدولة المصرية ذاته مهددا وعلى المحك .. أى خطر أكثر من هذا كان يمكن أن تتعرض له دولة بحجم وقدر مصر. يقول البعض .. الرئيس السيسى مختلف، نعم الرئيس السيسى رجل دولة من طراز فريد، أثبت بما لا يدع مجالا للشك وطنيته وانحيازه لشعبه، ولكن لماذا نورط الرئيس –خاصة فى هذه المرحلة الدقيقة والفاصلة فى تاريخ أمتنا- فى صراعات الحياة الحزبية وأمراضها، ألا يكفيه التفرغ لعلاج أوجاع الوطن، والتصدى للمؤامرات التى تحاك له ليل نهار. وإذا كان تبرير البعض بأن وجود حزب للرئيس سوف يكون دعما له فى الشارع المصري، ومدافعا ومروجا لسياساته وقراراته، وهو ذات التبرير الذى يقول به أنصار تدشين ظهير شعبى للرئيس .. أقول لهؤلاء جميعا الرئيس بما له من سلطات وصلاحيات أقرها الدستور ليس فى حاجة لهذا أو ذاك ليمارس مهامه بكفاءة وفاعلية. وعن الدعم الشعبى والترويج للسياسات، يكفى الرئيس شرعية الانجاز .. يكفى الرئيس أن يفى ببنود العقد الذى أبرمه مع الشعب، وبموجبه انتخبه الشعب رئيسا .. أليس تحقيق مطالب ثورة 25 يناير وموجتها الثانية في30يونيو كافيا لتراص الشعب خلف الرئيس، أليس استرداد هيبة الدولة المصرية داخليا وخارجيا، وتحقيق تطلعات الشعب فى حياة كريمة قوامها العدالة الاجتماعية، سببا كافيا لأن يكون الجميع ظهيرا قويا للرئيس وللنظام برمته. يا سادة .. التنظيمات السياسية التى تنشأ من أعلى لا خير فيها غالبا، وسوف تكون محل شك الجميع، وتاريخنا يؤكد ذلك. دعوا التجربة الحالية تسير فى مسارها الطبيعي، دعوها تنضج، تواجه سلبياتها وتصحح مسارها، تعظم ايجابياتها وتبنى عليها. وفى هذا السياق، أوجه رسالتى للتنظيمات السياسية الحالية.. عليكم القيام الآن وليس بعد بإعادة هيكلة استراتيجياتكم، فمصر ليست فى حاجة لهذه الفوضى الحزبية، وانظروا إلى التجارب الحزبية فى الدول الديمقراطية التى تعتبرونها نموجا تطمحون إلى تحقيقه، كم عدد الأحزاب بها، حزبين أو ثلاثة على أقصى تقدير، ويتم تبادل السلطة بينهم فى إطار من احترام قواعد اللعبة السياسية. أطالبكم من أجل مصر إن كنتم حقا تريدون لها الخير العمل على خلق تحالفات جادة تقوم على أهداف محددة وواضحة، ووضع مصلحة الوطن فوق الاعتبارات الشخصية والمواقع القيادية والخلافات الشخصية. لمزيد من مقالات سامى شرف;