ارتفاع أسعار الذهب في مصر بقيمة 30 جنيهًا خلال منتصف تعاملات اليوم    بلينكن: لن يُسمح لحماس بتقرير مصير ومستقبل هذه المنطقة    استعدادا للحرب.. وزير الدفاع الألماني يعلن عن خطته للتجنيد الإلزامي في الجيش    استبعاد نجم ألمانيا من يورو 2024    وزيرة الثقافة ناعية فارق صبري: رمزا للكاتب المبدع    الوفد: تنسيقية شباب الأحزاب نموذج ملهم للممارسة السياسية المتوازنة    بلينكن: نؤكد استمرار العمل على وقف إطلاق النار في قطاع غزة    بافلوفيتش يغيب رسمياً عن ألمانيا فى يورو 2024 وإيمرى تشان بدلاً منه    مسئول أمريكي يشيد بجهود مصر لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة وإعادة تأهيلهم    مصدر ببيراميدز ليلا كورة: ننتظر قرار الاستئناف بشأن شكوى النجوم في قضية محمود صابر    أخبار الأهلي : أفشة يبحث عن عرض سعودي للرحيل عن الأهلي    الاتحاد السعودي يرصد رقمًا فلكيًا للتعاقد مع محمد صلاح    طقس العيد حر نار..ذروة الموجة الحارة يومي الجمعة والسبت    عامل يتسبب فى حرق زوجته خلال مشاجرة بكرداسة    البابا تواضروس الثاني يهنئ شيخ الأزهر بقرب حلول عيد الأضحى المبارك    بلينكن: نعمل مع شركائنا فى مصر وقطر للتوصل لاتفاق بشأن الصفقة الجديدة    عاجل.. حقيقة وفاة طفل صغير أثناء فريضة الحج    أُعيد البناء 12 مرة.. كيف تغير شكل الكعبة عبر التاريخ؟    برنامج تدريبي توعوي لقيادات وزارة قطاع الأعمال العام والشركات التابعة لها    مصرع طالب تمريض صدمه قطار عند مزلقان كفر المنصورة القديم بالمنيا    الرئيس السيسى يهنئ الملك تشارلز الثالث بذكرى العيد القومى    مراسل القاهرة الإخبارية من معبر رفح: إسرائيل تواصل تعنتها وتمنع دخول المساعدات لغزة    بدون زيادة.. «التعليم» تحدد المصروفات الدراسية بالمدارس الحكومية للعام الدراسي الجديد    ل برج الأسد والحمل والقوس.. ماذا يخبئ شهر يونيو 2024 لمواليد الأبراج الترابية؟    البورصة تستقبل أوراق قيد شركة بالسوق الرئيسى تعمل بقطاع الاستثمار الزراعى    محافظ المنيا يشدد على تكثيف المرور ومتابعة الوحدات الصحية بالمراكز لضبط منظومة العمل وتحسين الأداء    ارتفاع درجات الحرارة ورفع الرايات الخضراء على شواطئ الإسكندرية    جهود لضبط المتهمين بقتل سيدة مسنة بشبرا الخيمة    رئيس الأركان يشهد مشروع مراكز القيادة الاستراتيجى التعبوي بالمنطقة الشمالية    ما هي أسعار أضاحي الجمال في عيد الأضحى ومواصفات اختيارها؟ (فيديو)    «الصحة» تنظم ورشة عمل لتعزيز قدرات الإتصال المعنية باللوائح الصحية الدولية    "لا أفوت أي مباراة".. تريزيجية يكشف حقيقة مفاوضات الأهلي    بتوجيهات رئاسية.. القوات المسلحة توزع عددا كبيرا من الحصص الغذائية بنصف الثمن    عاشور يشارك في اجتماع وزراء التعليم لدول البريكس بروسيا    مسؤول إسرائيلى: تلقينا رد حماس على مقترح بايدن والحركة غيرت معالمه الرئيسية    في ذكرى ميلاد شرارة الكوميديا.. محطات في حياة محمد عوض الفنية والأسرية    عزيز الشافعي: أغاني الهضبة سبب من أسباب نجاحي و"الطعامة" تحد جديد    الاستخبارات الداخلية الألمانية ترصد تزايدا في عدد المنتمين لليمين المتطرف    بيان الأولوية بين شعيرة الأضحية والعقيقة    رئيس إنبي: سنحصل على حقنا في صفقة حمدي فتحي "بالدولار"    آيفون يساعد على الخيانة.. موجة سخرية من نظام التشغيل iOS 18    5 نصائح من «الصحة» لتقوية مناعة الطلاب خلال فترة امتحانات الثانوية العامة    «متحدث الصحة» يكشف تفاصيل نجاح العمليات الجراحية الأخيرة ضمن «قوائم الانتظار»    شبانة: حسام حسن عليه تقديم خطة عمله إلى اتحاد الكرة    «أوقاف شمال سيناء» تقيم نموذج محاكاه لتعليم الأطفال مناسك الحج    وزيرة الهجرة تستقبل سفير الاتحاد الأوروبي لدى مصر لبحث التعاون في ملف التدريب من أجل التوظيف    «الإسكان» تتابع الموقف التنفيذي لمشروعات المرافق والطرق في العبور الجديدة    أفضل أدعية يوم عرفة.. تغفر ذنوب عامين    السكة الحديد: إجراء بعض التعديلات على القطارات الإضافية خلال عيد الأضحى    إي اف چي هيرميس تنجح في إتمام خدماتها الاستشارية لصفقة الطرح العام الأولي لشركة «ألف للتعليم القابضة» بقيمة 515 مليون دولار في سوق أبو ظبي للأوراق المالية    "مواجهة الأفكار الهدامة الدخيلة على المجتمع" ندوة بأكاديمية الشرطة    الجنائية الدولية تطلق حملة لتقديم معلومات حول جرائم الحرب فى دارفور    تفاصيل مشاجرة شقيق كهربا مع رضا البحراوي    بطل ولاد رزق 3.. ماذا قال أحمد عز عن الأفلام المتنافسة معه في موسم عيد الأضحى؟    تصفيات كأس العالم، نتائج الجولات الأربعة الأولى لمجموعات أفريقيا    وزير الأوقاف يهنئ الرئيس السيسي بعيد الأضحى المبارك    نصائح لمرضى الكوليسترول المرتفع عند تناول اللحوم خلال عيد الأضحى    أول تعليق من حسام حبيب على خطوبة شيرين عبد الوهاب (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الارغول فى الغناءالشعبى
نشر في الأهرام اليومي يوم 03 - 12 - 2016

من الفنانين من يهيمون بفنهم على باب الله وهم يغنون على الأرغول. والأرغول مزمار يصنع من قصب الغاب، وينطق أرغن أو أرغون، ويتكون من أسطوانتي قصب، إحداهما أطول من الثانية، وفى كليهما أنبوب رفيع، الأول يسمى «البالوص»، والثاني «الركزة»، وفي كل منهما فتحة لأسفل، يضعهما الزامر فى فمه، ويطبق شفتيه عليهما، وينفخ ليحدث الصوت.
والأسطوانة الطويلة فى الأرغول تحقق قرارا متواصلا، أو الدندنة، والقصيرة فيها ستة ثقوب ينقل الزامر أصابعه بينها لتغيير السلم الموسيقى، ليصدر جوابات توافق أداء المعنى فى تنقله من نغمة إلى غيرها، ومن مقام إلى آخر.
وازدواج قصبتي الأرغول يجعله عِدَّة آلات موسيقية، لذا استخدمه قدماء المصريين فى أفراحهم دون آلات أخرى معه، فإذا كان الأرغول باسطوانة واحدة، فلابد من الاستعانة معه بالعود أو القيثار، أو آلة موسيقية مناسبة.
والأرغول من أقدم الآلات الموسيقية التى عرفها المصريون، وأبناء الريف يطربون له لنغماته القوية التي توافق مزاجهم، وكان الفتيان فى الريف يصنعونه من عيدان البرسيم الغليظة، أو عيدان حطب جوفاء، فاذا كبروا وقويت أفواهم صنعوه من الغاب، ثم يطلقون أنغامه وراء أغنامهم، أو ماشيتهم السارحة على جسور الترع بين الحقول.
ويغنى الفنانون الشعبيون الموال على الأرغول، ويسميه الباحثون فى تاريخ الأدب المواليا، ويرجعه بعضهم إلى جارية للبرامكة، كانت تنوح عليهم بعد نكبتهم، وترثيهم وهي تصيح فى آخره «واموالياه»، فأُثر ذلك عنها وأسموه المواليا.
والموال فن قديم أصيل فى البيئة المصرية، وهو للأدب الشعبى كالرجز فى الشعر العربى، قريب المأخذ، سهل التناول لذا ينظمه الناس ويغنونه على مختلف مراتبهم، المتعلم والجاهل، ويرتجلونه عفو الخاطر، ويتطارحونه فى حلقات السمر، ولهم فى ذلك من الامثال والحكم ومعانى الوجد والصبابة روائع وأفانين.
والغناء فى الموال يجرى بلحن رتيب مألوف، ولحنه يعتمد على الوحدة، فالمغنى ينطلق فيه بالغناء على هواه وحسبه مطاوعة الصوت، ويجتهد ليأتى فى آخر النغم بوحدة محبوكة، فاذا استقر بها هادئة لينة في النفوس، استجاب السامعين بالآهات الممدودة المنبعثة من القلوب.
والغناء فى الموال يجري ويكتب عل بحر البسيط شعريا وهذا البحر يتيح للمغنى فرصة في مرونة الأداء والآهات التى تكسب الموال متعة لدى المتلقي.
وعادة تدور أغاني الفنانين الجائلين بالأرغول حول معان مثل الطمع فى المال عند الارتباط:
يا واخذ القرد أوعى يخدعك ماله
تحتار فى طبعه وتتعذب بأفعاله
حبل الوداد ان وصلته يقطع أحباله
تقضى عمرك حليف الفكر والأحزان
ويذهب المال ويبقى القرد على حاله
وأحيانا تكون شكوى من جور الزمن، وجحود الناس، وكثيرا ما يستخدمون «البين» عند التشاؤم، نسبة ل «غراب البين»، ويتمثلونه شخصا طاغيا، فيقولون:
البين عملنى جمل واندار عمل جمال
لوى خزامى وشيلنى تقيل الاحمال
قلت.. يقطعك يا بين هوه الجمل ده ينشال
قال لى.. يا جمل امش خطوة خطوة وكل عقدة لها عند الكريم حلال
وأثبت المستشرق «إدوارد لين» أن بعض المواويل متوارثة، ويتناقل المغنون روايتها، مثل موال يحكى قصة غرامية:
عاشق رأى مبتلى قال انت رايح فين
وقفت قرا قصته بكو سوا لتنين
راحو لقاضى الهوى لتنين سوا يشكو
بكيوا التلاتة وقالوا حبنا راح فين
والمبادهة بارتجال الغناء عادة قديمة بين فنانينا الشعبيين، ومن تقاليدهم كما روى «ابن إياس» الجلوس على «الدكة»، وعرفت أغانيهم تلك بأغانى «الدكة»، تشبيها لها بالدكة التى كان يجلس عليها سلاطين المماليك، لأن هؤلاء المغنيين كانوا «يتسلطنون» فى فنهم كالحكام، ويذكر انه لما جاء السلطان الغورى ترك «الدكة» وبنى «مصطبة» ليجلس عليها، وحين خلفه طومان باى هدمها وأعاد «الدكة»، ولمَّا سُميت لاحقا «التخت» أطلق بدوره على أريكة المغنين، ثم على الفرقة كلها، ومن عجب أن «التخت» نُسىّ ذكره فى دولة الحكام، لكنه ما يزال فى عالم الغناء.
وذكر المؤرخ ابن اياس ثلاثة اشتهروا على عهده ب «أغانى الدِكَّة»، هم «أبو سنة والموجب والمحلاوي»، ومن شهرتهم أن السلطان الغورى لما رحل إلى دمشق أخذهم معه، وفي الجيل الماضي اشتهر من هؤلاء الفنانيين الشعبيين ثلاثة، ما زال الناس في الريف يتناقلون سيرهم وآثارهم، وهم الشيخ أبو سنة من طنطا، وربما كان من سلالة أبو سنة التى ذكرها ابن إياس، والثانى الشيخ أبو كراع، والثالث الشيخ عبد الله لهلبها، والثلاثة كانوا أُمّيين، لكنهم كانوا يرتجلون الموال على البديهة، ويأتون فى نظمه بالجناس والطباق والمقابلة والمحسنات البديعية حتى بلغ غاية الإبداع، والذوق المصري يستحسنها لما فيها من نكت ومفارقات لفظية وما فيها من جرس ورنين.
وينشد المغنون على الأرغول نوعا فريدا من الموال يسمونه الآهات، أخذه عنهم بيرم التونسي وتفنن بمعانيه، وقلده فيه كثيرون، فأبدع فيه وفنن فى معانيه، وقلده فيه كثيرون من الأدباء والزجالين، لكن لم يبلغ أحدا منهم شأوه، مثل زجله الرائع الذى قاله فى ثورة 1919:
الأوله آه والثانية آه والثالثة آه ...
الأوله بالبنادق سكتوا الثوار
والثانية جا اللورد ملنر يربط الأحرار
والثالثة تصريح فى فبراير وأصله هزار
الأوله بالبنادق سكتوا الثوار ومدافع
والثانية جا اللورد ملنر يربط الأحرار ويترافع
والثالثة تصريح فى فبراير واصله هزار ومش نافع
ومن هذا اللون أيضا أغنيته التى ترنمت بها أم كلثوم:
الأوله فى الغرام والحب شبكونى
والثانية بالامتنان والصبر أمرونى
والثالثة من غير كلام راحو وفاتونى
إلى آخر الأغنية، وترك لنا بيرم صورة حية نابضة لذلك الشحاذ السارح بأرغول اذ يقول:
ياريس الفن يا سارح بأرغولك
طالب من الله
إن شفت بين القبور أطرش ينادى لك
أجرك على الله
زمر على بلوتك واجمع هلاهيلك
وتوب إلى الله
طالب من الله وليه طالبه العبيد منك
يا ليل ويا عين
أجرك على الله لا أجرك على فنك
الفن دا زين
زمَّر على بلوتك الله يزيح عنك
يوم الحساب دين
من أشهر فناني الأرغول في العالم العربي
الفنان «خالد طحيمر» من قرية الوعرة السوداء في قضاء طبريا، وهُجّر مع أهله جراء مجزرة ارتكبتها عصابات الهاغانا الصهيونية خريف 1948، وعاش بمخيم خان الشيح بالقرب من دمشق، توفي عام 1995 وعاش حياته مديدة، وكان يعزف في الأعراس والحفلات الشعبية مجاناً ويكافئونه بكروز دخان لف، وذكر الفنان طحيمر أن والده كان يملك أراض زراعية واسعة وكان يعمل عندهم رجل يرعى الماشية، وكان الراعي يعزف ألحاناً ساحرة على الناي وقتما كان الفنان طفلاً لم يتجاوز عشر سنوات، وكانوا وقتها يصنعون ألعابهم بأيديهم، فبحث عن قصبة وثقبها مثل الناي، وراح ينفخ مثل الراعي فكان يخرج صفير فقط بلا ألحان، ورأى الراعي القصبة وضحك مشجعاُ ووعده بناي حقيقي، وهكذا بدأت حكايته مع العزف».
كانت الدبكة وما زالت إلى اليوم هي الرقصة الشعبية الشائعة في منطقة الجليل، وهي لا تقوم من دون عزف الأرغول بشكل أساسي، وحين كانت تعقد حلقاتها في الأعراس والأفراح في بلدات الخليل حيث تعيش أسرة الفنان طحيمر. كان يساعد العازف الذي يقود الدبكة بالعزف على قصبته. وسافر السيد خالد طحيمر إلى مصر بدعوة من إذاعة صوت العرب وإذاعة فلسطين وسجل مقطوعات من العزف على الأرغول لا تزال إلى اليوم تبث من إذاعة فلسطين بدمشق. وبعد قيام الوحدة بين مصر وسوريا ذهبت بعثة ثقافية وإعلامية برئاسة محمد عروق صيف 1958 وزارت المخيمات لإبراز تراث الشعب الفلسطيني في سياق النضال التحرري العربيئ، وعزف الفنان طحيمر على الأرغول، وغنَّي مصطفى صالح (أبو علي) العتابا والمواويل، وشكَّل الشبان والفتيات حلقة دبكة وتألق الرقص الجماعي بألحان أغنية (يا ظريف الطول)، وتم تقديم الفنان طحيمر إلى إذاعة فلسطين بدمشق وسجلت معزوفاته لأول مرة، وتلقى دعوة من إذاعة صوت العرب مع الحاج فرحان سلام شاعر الزجل المشهور وأبو سعيد الحطيني والشاعر ابراهيم الصالح والشاعر أبو نفاع والمغني الشعبي مهدي سردينا لزيارة القاهرة، وأمضوا فيها ثلاثة أسابيع، وشاركوا في برامج غنائية وثقافية متنوعة والتقوا شخصيات ثقافية وإعلامية بارزة مثل الفنانة أم كلثوم والشيخ عبد الباسط عبد الصمد رحمهما الله.
وخلال هذه الرحلة سجلوا مجموعة أغان وأناشيد شعبية، وعزفا منفردا على الأرغول لطحيمر لصالح إذاعتي صوت العرب وفلسطين.
وفي الجليل وريف دمشق كانت حلقات الدبكة في الأعراس، لكن خالد طحيمر لم يعزف بمقابل، بل كانت المتعة بمشاركة الناس أفراحهم وحسب، وذات مرة أراد أحد الناس إكرامه في مطلع الستينات، فقدم لي هدية عبارة عن علبة دخان حموي ممتاز (لف)، وقبلها بعد إلحاح، وأصبحت هذه الهدية عادة للناس. وفي منتصف الثمانينات توقف طحيمر عن العزف في الأعراس لتقدمه في السن لكن الأرغول لازمه إلى لحظة وفاته في 1995.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.