مع انبلاج شمس حقيقة ما يجرى فى سوريا، واتساع مساحة التأييد للحل السياسى الضامن لوحدة الأرض والمؤسسات السورية، ومع تحقيق الجيش العربى السورى لانتصارات على الأرض فى مواجهة الإرهابيين نرى بعضا من المعارضين السوريين، ممن كانوا ينتمون لليسار المتطرف (رابطة العمل الشيوعى والتروتسكيين) يعززون من تخندقهم فى معسكر اليمين العربى والغربى الذى يضم بين جنباته جماعات التطرف القطبية الجهادية والرأسمالية المتوحشة، وهذه الحالة المثيرة للتعجب تنطبق على متطرفى اليسار المصرى وصنوهم من التطرف القطبى والجهادى، ما يجعلنا نسترجع بتقدير وتأكيدٍ مقولة لينين فى بدايات القرن المنصرم «اليمين المتطرف واليسار المتطرف يلتقيان عند نقطة واحدة» . البعض يرجع هذا التحالف الشيطانى إلى اشتراكهما فى الخيبة والمعاناة، ومن قبلهما الهدف فى مواجهة الأنظمة الوطنية، ولكن الحقيقة الساطعة أن التيارين المتطرفين - يمنة ويسرة - يجمعهما التطرف، الذى قد يتحول من مجرد فكر إلى أسلوب ظاهرى أو عمل سياسى ، يلجأ عادة إلى استخدام العنف وسيلة لتحقيق المبادئ التى يؤمن بها الفكر المتطرف ، أو اللجوء إلى الإرهاب النفسى أو المادى أو الفكرى ضد كل من يقف عقبة فى طريق تحقيق تلك المبادئ والأفكار. وإذا ما عدنا قليلاً للوراء للتعرف على رمزين من رموز التطرف اليسارى واليمنى ، ليون تروتسكى «اليهودي» و«سيد قطب» «المسلم» سنجد أن بينهما كثيرا من المشتركات، فكلاهما يمتلك قدرا عاليًا من الثقافة ، ما جعل مناصريهما يصفانهما بالمفكرين والمنظرين كل فى اتجاهه ، وكلاهما كان بمثابة الرجل الثانى فى الحزب أو الجماعة، وانتهجا خطًا أكثر تشدّدًا عن مؤسس الحزب أو الجماعة ، وكلاهما كان أمميا فى دعوته ، وكلاهما عاش فترة من حياته فى الولاياتالمتحدةالأمريكية، ومن المفارقات أن كليهما ولد فى شهر أكتوبر، وقُتل أو أُعدم فى شهر نوفمبر عن ستين سنة من عمره، وإن كان الفارق الزمنى بينهما ما يقرب من ثلاثة عقود!!. وبقراءة سريعة فى فكريهما نرى أن تروتسكي، صاحب نظرية «الثورة الدائمة» التى يجب أن تتعدى حدود روسيا إلى أنحاء العالم، وتدعو إلى إشعال ثورات متتالية فى بلدان مختلفة لتقوم الثورة العالمية، قد ربط تروتسكى بين رأيه هذا، وبين تحليله لطبيعة الاقتصاد العالمى والتقسيم الدولى للعمل والسوق الدولية، هذا التقسيم الذى يتجاوز الحدود القومية، ومن هذا المفهوم ترتسم أمامنا النقطة الأخيرة لنظرية تروتسكى فى الثورة الدائمة، وهى أن «إنهاء الثورة الاشتراكية ضمن الحدود الوطنية أمر غير معقول ، وهكذا تصبح الثورة الاشتراكية ثورة دائمة بالمعنى الجديد والواسع لهذه الكلمة ، ولا تصل إلى كمالها إلا عندما ينتصر المجتمع الجديد نهائياً على كوكبنا بأجمعه». ولعله من المفيد أن نُذَكّر بأن «وولفوتيز» الأب المؤسس لنظرية «الفوضى الخلاقة» استمدها من منطلقاته التروتسكية، وروّج لها من خلال عمله فى إدارة جورج بوش الأب كمساعد لوزير الخارجية وبعدها كان مساعدًا لديك تشينى وزير الدفاع فى ادارة بوش الابن . وإذا ما ولينا وجهتنا إلى التطرف اليمينى ، سنرى قول سيد قطب: «إن العالم يعيش اليوم فى جاهلية من ناحية الأصل الذى تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها، جاهلية لا تخفف منها هذه التيسيرات الهائلة وهذا الإبداع المادى الفائق. هذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله على الأرض، وعلى أخص خصائص الألوهية، وهى الحاكمية، إنها تسند الحاكمية إلى البشر فتجعل بعضهم لبعض أربابًا، لا فى الصورة البدائية الساذجة التى عرفتها الجاهلية الأولي، ولكن فى صورة ادعاء حق وضع التصورات والقيم والشرائع والقوانين والأنظمة والأوضاع بمعزل عن منهج الله للحياة، وفيما لم يأذن الله به، فينشأ عن هذا الاعتداء على سلطان الله، اعتداء على عباده». إن أفكار قطب تقود إلى حتمية الصدام واستحالة التعايش، ويصل قطب إلى القول «ليست مهمتنا أن نصطلح مع واقع هذا المجتمع الجاهلي، ولا أن ندين له بالولاء، فهو بهذه الصفة الجاهلية غير قابل لأن نصطلح معه. وهكذا نجد تشابها بين المنهجين ، يقترب من التطابق ، فنرى مريديهما معول هدمٍ للأوطان ، وتفتيتها وتقديمها لقمة سائغة للوحش الكاسر الذى يتربص بالعرب؛ بغية تحقيق حلمه بإنشاء دولته الكبرى من النيل الى الفرات. لمزيد من مقالات الهامى المليجى;