كثيرا ما تراودنا أفكار سوداء تنادى بالتوقف عن الكتابة وإبداء الرأي. فما جدوى الكتابة عن قضايا وحقائق منها ما «يفقأ عين الشمس» ، ما دام أحد لا يتحرك او يبدى مجرد الاهتمام بما نطرحه من حقائق، او محاسبتنا اذا كان فى ذلك تجاوز للواقع او القانون . هل نكون قريبين من اعتماد تعابير صادمة على غرار «خليهم يتسلوا»، او «هو الكلام عليه جمرك» ، او «كلام جرايد»، التى كثيرا ما تتناقلها الألسنة تندرا وسخرية مما نكتب او نقول؟!.ت من هذا المنطلق ومنذ سقوط الطائرة الروسية المنكوبة فوق سيناء فى 31 أكتوبر من العام الماضى لا تتوقف التصريحات، وخاصة من جانب المسئولين المصريين سواء فى موسكو او القاهرة التى تقول « قريبا ستعود السياحة، وقريبا تستأنف مصر للطيران رحلاتها» ، وهى تصريحات صارت أشبه بما وعد به صاحب صالون الحلاقة زبائنه بان «الحلاقة غدا مجانا»، وهى قصة معروفة، ممجوجة خلاصتها ان «غدا لا يجىء أبدا». ألم يحاول احد فى موقع المسؤولية محاسبة اصحاب هذه التصريحات التى اجدها تكاد تعصف بما تحقق من ايجابيات، وهى كثيرة على صعيد العلاقات الروسية المصرية؟ ألم يدرك اصحاب تلك التصريحات والوعود «المكذوبة»، انها كانت وراء اتخاذ مواقف تلقى بظلال بالغة القتامة على القضايا العالقة وتزيد من تعقيد المشكلة، بدلا من التفرغ للبحث عن الحلول المناسبة والتى كانت فى متناول الجانبين منذ الاسابيع الأولى لهذه الأزمة، لو تفرغ أصحاب التصريحات لإنقاذ ما يمكن انقاذه، ونقل حقائق الموقف بكل ملابساته وتعقيداته ، بدلا من «التصريحات الجوفاء» التى ثمة من حاول من خلالها تأكيد أبعاد اتصالاتهم، ما كان يعنى ضمنا التهوين من ابعاد الكارثة. ولعل ما صدر مؤخرا عن ماكسيم سوكولوف وزير النقل الروسى حول ان «الجانب الروسى ارسل الى نظيره المصرى المواد المتعلقة باعداد الاتفاقية الحكومية حول استئناف عمل الخطوط الجوية، وان موسكو تنتظر رد الفعل من مصر والانتهاء من الاتفاق حول الاجراءات الحكومية المشتركة» يحتاج الى من يعكف على دراسة ما يتضمنه من اشارات لا تخلو من مغزى تعنى فى طياتها اتهاما مباشرا للجانب المصري، وهو سرعان ما كشف عنه الوزير الروسى حين قال «ان الكرة الآن فى الملعب المصري». وإذا كان من هم فى موقع المسئولية يتحرجون طرح الحقائق، ربما لأسباب يعود بعضها الى انهم ايضا مسئولون عن عدم تحقيق ما يعد به مرؤوسوهم من وعود «زائفة»، فمن الواجب علينا مصارحة القارئ بان هناك فى تلك الانساق التنفيذية فى الداخل والخارج من يحاول تبرير ما يرتكبه من تقصير على صعيد معالجة الأزمة منذ اندلاعها فى نهاية العام الماضي، ولعلنا نذكر ما تداولته بعض الصحف المصرية مؤخرا حول زيارة قريبة للرئيس فلاديمير بوتين قبل نهاية نوفمبر الذى انتهي، ولم يسمع أحد من الملايين التى تناقلت هذه الاخبار ان أيا من المسئولين فى هذه الصحف نشر اعتذارا او تبريرا لما روجه من «اخبار» ، هى فى حقيقة الامر وفى جوهرها «اكاذيب» وهى كلمة تعنى فى جوهرها عكس «الحقائق». ولعل ذلك ما جعل الصديق سيرجى كيربيتشينكو سفير روسيا فى القاهرة يعزو ما نشرته «صحف مصرية» حول زيارة بوتين للقاهرة قبل نهاية نوفمبر الى «خيالها الواسع» ، وهو تعبير فضفاض يحتمل مختلف التأويلات والمعاني . وهنا نشير الى ان المسئولين فى موسكو ممن اضطرتنا هذه «الاخبار» ، سواء فيما يتعلق بتصريحات قرب عودة السياحة واستئناف الطيران، او الزيارة المرتقبة للرئيس بوتين، الى محاولة انتزاع اى تصريح من جانبهم، يؤكد او ينفى ما رددته «صحف قاهرية» ، كانوا يكتفون باحالتنا الى من صدرت عنه هذه الاخبار وكأن لسان حالهم يكاد يقولها: «يالها من صحافة لا تعرف ايا من معانى المصداقية او المسئولية» . ماذا لو عدنا معا الى ما حفلت به صحفنا من تصريحات واخبار لم تتحقق، وجربنا مساءلة او محاسبة من صدرت عنه مثل هذه التصريحات او الاخبار؟ فهل نفعلها ؟ وما دام الشى بالشىء يذكر يتساءل الكثيرون فى موسكو وفى القاهرة ايضا، عن مدى مسؤلية «التزوير» فى أوراق رسمية، وغير رسمية، وما هو موقف الأجهزة المدعوة لمراجعة الشهادات والألقاب العلمية التى يحاول البعض ممن كان لهم حظ العمل او مجرد الزيارة للعاصمة الروسية ادعاء حصولهم عليها؟. المصيبة أو قل الكارثة تكمن و «ياللهول» ،ان بعضا من هؤلاء «اصحاب السعادة» الدكاترة والبروفيسورات و«الأكاديميين»، يشغلون مناصب علمية مرموقة. ومن هؤلاء ايضا من تصر الدولة على إيفادهم لشغل مناصب ثقافية دبلوماسية فى الخارج ، خصما من رصيد وحقوق العشرات بل والمئات من الأساتذة الاكفاء، وتطاولا على مبدأ تكافؤ الفرص ، دون خجل او حياء ، ليكون ذلك اعلانا فجًّا عن السقوط فى شرك «الواسطة والمحسوبية» ، وهو ما يرقى حد »الجريمة« !!. فهل يمكن ان ننتظر بعد كل ذلك ظهور جيل جديد فى جامعاتنا ومؤسساتنا العلمية يمكن ان يعرف معنى وضرورة الالتزام بالمصداقية، ومراعاة الضمير العلمى قبل الانساني، ما دام هؤلاء لا يرون حسابا او عقابا لأمثال هؤلاء ممن يتبوأون أعلى المناصب العلمية بل والسياسية. لمزيد من مقالات د. سامى عمارة;