عين ثاقبة، ويد ساحرة، تصنع مخلوقات من الحجر لها مشاعر وأحاسيس البشر، تماثيل ناطقة تحاكى الناس وتجالسهم، فى الساحات والحدائق والشوارع العامة. موهوب منذ نعومة أظفاره، صقل موهبته بأهم المدارس بروسيا، يقبض على أزميله أو مسحله كالقابض على جمر، حتى تخرج من تحت يديه تحفة فنية تملأ الدنيا وتشغل الناس. .......................................................... بيار كرم الفنان اللبنانى الذى جسد تمثال داوود بركات رئيس تحرير الأهرام الأسبق، كأفضل ما يكون التمثيل، نحته كأبرع ما يكون النحت، فجاء معبرا عن حياته السياسية والثقافية والصحفية. تنتشر أعمال الفنان اللبنانى بيار كرم، وتتخطى الحدود اللبنانية لترفرف فى آفاق العالم من سان دييجو إلى كاليفورنيا، واشنطن، وبوسطن، ومن روسيا ، إلى أوكرانيا، مرورا بألمانيا وقبرص. فلم يسع إلى الصحافة أو الإعلام لترويج عن نفسه، بل ترك أعماله تتحدث عنه، مئات الشخصيات التى نحتها بيار كرم داخل لبنان وخارجه، حتى قال عنه الشاعر الكبير الراحل سعيد عقل» بيار كرم .. نحات.. فنو بيعمر لبنان» فى محترفه الذى يقع فى أعلى قمم لبنان الواقع بين البحر والجبل، فى عمشيت، عروس البحر، قضاء جبيل، مدينة الحرف التاريخية، يمسك بيار بأزميله، ويسرح بمخيلته، يسترجع تاريخ الشخص الذى يقوم بنحته، فحين قرر أن ينحت تمثال داوود بركات، تذكر أيام مراحل الدراسة الأولي، أن داوود بركات هو من مؤسسى الأهرام المصرية، وفقط، كان فى الذاكرة فقط، وحين طلبت منه جامعة سيدة اللويزة تمثالا له، كان لابد أن يقرأ عنه كثيرا، فبدأ النظر إليه بطريقة مختلفة، خاصة أن داوود بركات مجهول للكثير من اللبنانيين، ومن هنا أراد ينحت تمثالا يحفز اللبنانيين عن قراءة سيرة هذا الرجل وتاريخه. يقول بيار» فى حال انحت شخصية حية فلابد أن تكون أمامي، ولا أفضل الصور فى هذه الحالة، فمارسيل خليفة والرئيس شارل حلو وغيرهما، كانا يقفان أمامي، بينما الشخصية الراحلة فإن الصورة والقراءة حوله تغني، ولكن دعنى أوضح لك أمرا، النحات الماهر لا يحتاج إلى قراءة الشخصية وسماعها وما إلى ذلك، النحات الماهر تكفيه الصورة فقط، أما إذا لجأ إلى هذه الأشياء من قراءة وسماع حياته وما إلى ذلك وهو لا يجيد فن النحت فلن يخرج عمله متميزا، لأنه بالأساس ليس نحاتا بالمعني، نعم قد تكون للعاطفة الخاصة تجاه الشخص تأثير» . بيار نحات موهوب منذ الصغر وأثقل موهبته بالدراسة فى كييف فنّ النحت الأصيل، أو الكلاسيكى شرط أن يكون موهوبا بالأساس، هنا سيكون للدراسة دور كبير، كما يضيف بيار، ويتابع» ولكن إذا لم يكن موهوبا فلن يكون للدراسة دور على الإطلاق، فقد أقوم بنحت شخص ويكون النحت متميزا، ولكن إذا علمت أن الشخص الذى أقوم بنحته شاعرا أو أديبا أو رجل جيش، فإن القطعة المنحوتة ستكون مختلفة». قام بنحت شخصيات عديدة، أمثال داوود بركات وهو صحفى وكاتب كبير، وسعيد عقل وهو من أهم الشعراء، ومارسيل خليفة وهو قامة فى الفن، ورؤساء جمهوريات كثيرون، حيث افترض أن من سيرى هذه الشخصيات لا يعلم عنها شيئا، وبالتالى فإن النحت لابد أن ينبئ عن هذه الشخصية، سواء كانت عسكرية فلها شكل معين،أو فنية أو ثقافية، فلابد أن يكون نحتها يدل على شخصية المنحوت. ولا يحبذ بيار أن تكون هناك مدرسة تحمل اسمه ، بل لا يفكر فيها الآن، على حين أن يدرك أنه إلى المدرسة الواقعية، وهى التى درستها فى كييف بأوكرانيا. فى هذا المكان التى تعيش فيه، تحدك جميع الأنعم، أمامك بحر، وخلفك جبل، وفوقك سماء، هذه الأنعم، هل كان لها دور فى إبداعاتك؟ فى عمشيت حيث البحر والجبل والصخور، يستحضر بيار روح عمشيت الملهمة، وكثيرا ما يتساءل، لو لم أكن هنا، ما كان بيار النحات موجودا» هذه إلهامات إلهية، ومكونات الإبداع لديَ، فالمكان دائما هو الذى يخلق الموهبة ويخلق الاتجاهات الفنية، فحين تجتمع البيئة مع الموهبة مع الدراسة مؤكد تنتج شيئا مختلفا». فى فن النحت يكون النحت من أجل هدفين ، الهدف الأول يكون من أجل امتهان الفن ليصبح مهنة يحصل الفنان على المال من خلالها ، أو أن يقوم بعمل النحت كهواية من أجل تفريغ العواطف المكبوتة التى يعانى منها الانسان فى داخله، وهو يقوم به بيار دائما، ولكن فى أعماله الخاصة، يلوذ إلى ذاته، وهواجسه، وأحلامه، يعبر عنها جميعا، تلك هى أعماله الخاصة، بينما ما يُطلب منه لا يستطيع أن يخرج عن إطار النحت المعروف، فى رسم الشخصية، أما فى محترفه فينحت فيه كل ما يجيش من أحلام، وحرية، وتعبير عن ذات، وهاجس طفولتة، أو الجو السياسى الذى تعيشه، أو الحرب التى عشتها، ولكن تبقى المرأة هى عماد أعمالى الخاصة، «المرأة هنا تجدها مجسدة كثيرا فى أعمالى الخاصة، والمدرسة الواقعية التى تعلمتها، وكل عمل من أعمالى الخاصة يعبر عنى وعن ذاتي، وعن مرحلة معينة عشتها، فأنا أعيش هواجس متعددة، كلها ترتبط بالإنسانية والعلاقات بين البشر، وما أتمنى أن تسود، كل تلك الأعمال هى محببة إلى قلبي، وفى عالمنا العربى أنظر إلى الإنسان أين صار، ومنطلقى كفنان أنحت ما أتمناه للمرأة والبشرية كافة». يعتبر بيار كرم أن المدرسة المصرية فى النحت هى مدرسة رائدة فى الشرق، لا يضاهيها سوى المدرسة العراقية فى النحت، ويبقى فنانو النحت فى باقى الدول العربية كلبنان وسوريا يعملون بشكل فردي، دون تأسيس مدرسة تحمل اسمهم ، ويرى أن الفنان محمود مختار من النادر أن يتكرر، وهو من أهم نحاتى الشرق ومعه جمال السجينى وبعض المعاصرين أمثال آدم حنين والوشاحى وغيرهما، و أن الفراعنة قدموا هذا الفن على أعلى مستوي، ومن أهم ما وضع فى التاريخ الانسانى كافة.