رحل عن عالمنا قبل أيام المفكر المصري العالمي أنور عبد الملك الذي أصبحت أبحاثه في مجالات الفلسفة والتاريخ والحضارة والثقافة مراجع عالمية بعد أن نشرها باللغات العربية والفرنسية والانجليزية. أنور عبد الملك الذي انتقل من المحلية بعد أن تخرج في قسم الفلسفة بجامعة عين شمس إلي العالمية يتشابه في مساره مع أحمد زويل الذي تخرج في كلية العلوم بجامعة الإسكندرية ليسطع نجمه في الولاياتالمتحدةالأمريكية. سافر أنور عبد الملك إلي فرنسا عام9591 بعد أن كان ناشطا سياسيا في الحركة الشيوعية المصرية, ونشر كتابه مصر مجتمع عسكري والذي أحدث دويا عالميا, لأنه كان أول كتاب يحلل بصورة نقدية توجهات ثورة يوليو.2591 تبني المستشرق الشهير جاك بيرك عبد الملك الذي عين باحثا بالمركز القومي للبحث العلمي, وأصبح من بعد مديرا للابحاث فيه, وهي أرفع درجة في هذه المؤسسة الاكاديمية الشهيرة. بدأ عبد الملك مشواره الاكاديمي برسالته لدكتوراة الدولة, وكان موضوعها نهضة مصر وهي بحث عميق في جذور الحداثة المصرية بتجلياتها السياسية والفكرية والادبية, وقد قام بترجمتها بنفسه من الفرنسية إلي العربية, ونشرتها له الهيئة العامة للكتاب. ومثلما لا يستطيع أي مثقف مصري أن يتجاهل قراءة كتاب شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان الجغرافي العظيم جمال حمدان, فإن كتاب عبد الملك نهضة مصر يعد مرجعا رئيسيا لأي مثقف يريد أن يطالع التاريخ التأويلي لمصر الحديثة. كان أنور عبد الملك منظرا من طراز رفيع, وله نظرية سيوسيولوجية شهيرة عن الخصوصية الثقافية كما أن له نظرية أخري عن ؟؟. وكان عبد الملك معنيا بتاريخ الفكر, ويكشف عن ذلك كتابه التوثيقي عن الفكر العربي المعاصر والذي أصبح بعد صدوره مرجعا عالميا غير أنه لم يقنع بكتاباته الفلسفية أو الاجتماعية أو الفكرية, ولكنه ركز في مشروعه العلمي تركيزا شديدا علي الحضارات القديمة خصوصا الحضارة الصينية التي تتلمذ فيها علي جوزيف يندهام صاحب المراجع الاصيلة عن سبق الصينيين في مجال التكنولوجيا, مما يؤكد كذب مزاعم المركزية الغربية التي كانت تؤكد أن أصل الحضارة يعود إلي الغرب دون سواه, ولعل هذا هو الذي قرب أنور عبد الملك من الباحث الأمريكي الشهير مارتن برنال صاحب الكتاب الشهير اثينا السوداء والذي هو أهم ما كتب عن نقد المركزية الغربية. ومما لاشك نجد أن عبد الملك هو الرائد في نقد الاستشراق الغربي, ويثبت ذلك مقالته الشهيرة أزمة الاستشراق التي نشرها في مجلة ويوجيه عام3691 والتي كانت أحد المصادر التي استلهمها المفكر الفلسطيني العالمي الكبير إدوارد سعيد في كتابه الاستشراق كان عبد الملك حريصا علي أن يؤكد أصالة الثقافات الوطنية وأشرف علي مشروع عالمي كبير أداره في سياق جامعة الأممالمتحدة في طوكيو موضوعه الإبداع الثقافي في الثقافات الوطنية. كان عبد الملك أبرز العلماء الاجتماعيين في العالم الثالث, وأستطاع بكتابته المتعددة أن يكون الصوت المعبر لشعوب الشرق في المنابر القريبة. المزيد من مقالات السيد يسين