إذا كان المؤتمر الوطنى للشباب قد عقد فى شرم الشيخ، فإنه من الضرورى أن يعرف جيدا وهو يقتحم المستقبل إنه يتحرك فوق أرض صلبة، مستندا إلى تاريخ ناصع لا ينتمى كله فقط إلى ماضى بعيد لكن جزءا مهما منه، صنعه نضال الآباء ولانزال نتنفس آثاره حتى الآن.. وأن الغناء لبلده وأمجاده إنما هو محاولة للتعبير عن قدره ومكانته، فقد بهرت مصر العالم بين الحين والحين بإنجازات غير متوقعة والأمثلة فى ذلك عديدة ومنها! معركة تأميم قناة السويس، والعدوان الثلاثى البريطانى الفرنسى الإسرائيلى ضد مصر أى حرب السويس وكيف أدارت مصر هذه المعركة باقتدار وصارت بعد الانتصار «نموذجا ثوريا». المهم أن حرب السويس تعد حدا فاصلا فى التاريخ السياسى الإنسانى ولكن أعترف أن هذا ليس وحده الدافع للكتابة عن المناسبة فإنه برغم عشرات الكتب التى صدرت عن تلك الحرب وآخرها: الجزء الثالث من سلسلة «جمال عبدالناصر الأوراق الخاصة إعداد الدكتورة هدى جمال عبدالناصر ويقع فى 630 صفحة من الحكم الكبير فإن البعض للأسف الشديد فى مصر والأمة العربية لايزال يسأل عن هذه الحرب ويشكك فى جدوى تأميم قناة السويس فى 26 يوليو 1965.. مما سبب الأزمة وتلك إشكالية متعددة الجوانب والكلام هنا موجه إلى الشباب بالدرجة الأولى وأيضا إلى الكبار، فقد صدرت كما ذكرنا كتب عديدة ترد على هذه التساؤلات وغيرها ومنها كتاب مهم للغاية وهو: «ملفات السويس» للأستاذ محمد حسنين هيكل.. ومنها كتب أجنبية وأخرى عربية، ولعلى أشير على إستحياء لكتاب «حرب السويس» الذى أصدرته الهيئة المصرية العامة للكتاب فى أكتوبر 2006 لكاتب هذه السطور بمناسبة نصف قرن على الأحداث ذلك فضلا عن عشرات الدراسات والمقالات. والإجابة ببساطة شديدة «أن عقد امتياز القناة كان سينتهى عام 1968.. لكن الواقع العملى كان يؤكد أن شركة القناة كانت فى ذلك الوقت تحرص على استمرار الملاحة وعبور السفن لكن دون أى تطوير ودون إصلاح ما قد يصيبه القدم والعطب سواء فى المجرى أو الامكانيات والأدوات اللازمة فضلا عن نقل مستندات مهمه إلى مقرها فى باريس، بحيث عندما يجىء موعد انتهاء الامتياز تجد مصر أن القناة خربة ولا تستطيع إصلاحها.. فإما أن توافق على مد الامتياز فترة أخرى حتى تستمر الشركة فى الإدارة وهى العليمة بكل الأسرار وإما أن ترفض مصر وهنا تجد نفسها عاجزة عن إدارة هذا المرفق الحيوى الدولى فإن حدث الارتباك تتدخل الدول وفى المقدمة فرنسا وبريطانيا بطلب تدويل الشركة حفاظا على الممر الدولى، وقد ثبت هذا فى الوثائق التى عثر عليها المصريون عند الإعلان المفاجئ للتأميم والذى لم يتسرب لأحد!وهنا أيضا لابد من القول إن فكرة التأميم لم تكن كما يشاع نتيجة رفض البنك الدولى بضغوط أمريكية وغربية الموافقة على تمويل بناء السد العالى فالحقيقة ان جمال عبدالناصر كان مهتما بالقناة قبل وبعد ثورة 1952 وكانت له اتصالاته ودراساته ولذلك جاء قرار التأميم مدروسا دراسة كاملة.. وأعلنه جمال عبدالناصر فى خطابه بميدان المنشية بالإسكندرية فى السادس والعشرين من يوليو 1956. وبعد نحو أسبوع كانت الخطة جاهزة باسم «العملية 700» التى تدخل فى نطاق «الحرب المحدودة» وتعتمد على غزو بحرى للإسكندرية يعقبه إنزال للقوات والاستيلاء على المدينة ثم معركة على الاتجاه الاستراتيجى: الإسكندريةالقاهرة.. يجرى خلالها تدمير الجيش المصرى واسقاط الحكم فى العاصمة فتسقط مصر كلها وليس فقط القناة! واجتمع العسكريون من الجانبين وجرت تعديلات على الخطة (700) وصاغوا خطة معدلة باسم «هاميلكار» واتفقوا على أن يكون الجنرال الإنجليزى تشارلز كيتلى قائدا عاما للحملة والأدميرال الفرنسى بارجوت نائبا له، وعلى أن تكون كل التشكيلات هكذا فيكون القائد إنجليزىا والنائب فرنسى.. وحددوا الأعداد وأصدروا الأوامر للتحرك إلى: قبرص ومالطة.. ومنها يبدأ التحرك للغزو فى منتصف سبتمبر. وأخذ كل طرف نسخة باتفاق على ألا يظهرها أو ينشرها أ بدا وعاد كل إلى بلده.. وتم الاتفاق على أن تبدأ إسرائيل بالهجوم الجوى على الكونتيلا ونخل الساعة الخامسة بعد ظهر الاثنين 29 أكتوبر.. ثم تواصل فى اليوم التالى على أبوعجيلة والعريش.. وتتقدم قواتها البرية فى سيناء باتجاه القناة وتشتبك مع الجيش المصرى الذى سيتجه اليها وبالتالى تصبح القناة مهددة بتدخل الإنجليز والفرنسيين بتمهيد جوى ثم بتدخل بحرى وبرى. ولقد حدث هذا بأسلوب وحشى.. واستمرت معارك حرب السويس مائتين وساعة واحدة منذ أن اندلعت فى الخامسة بعد ظهر يوم 29 أكتوبر حتى صدر قرار مجلس الأمن بوقف القتال فى الساعة الثانية فجر يوم 7 نوفمبر ولقد كانت المعارك وحشية اختلطت فيها النيران بالدماء والاتصالات الدبلوماسية بالحملات الإعلامية.. وبرز خلالها المواطن المصرى بأصالته وقدراته.. وتبلورت فكرة العروبة وقوميتها.. وجددت الحمية والحماس فى عروق بلدان العالم الثالث فكانت حرب السويس علامة فارقة. وليت الجميع يعرفون ماذا فعلت مصر والمصريون.. وماذا فعل الأشقاء العرب فى السعودية وسوريا ولبنان والعراق وفى كل قطر.. وماذا فعل الأصدقاء فى الهند والصين وفى سائر آسيا وأمريكا الجنوبية وإفريقيا بل وفى أوروبا.. وغير ذلك كثير. لمزيد من مقالات محمود مراد