فى ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضى احتلت القاهرة مكانة متقدمة بين أجمل المدن لتتفوق قاهرة 1925 على باريس وموسكو ولندن، ولكن الصورة الجميلة اختفت الآن، لم يعد الوضع حالياً كما كان ، حيث باتت العشوائيات مشكلة أساسية وإرثا من حكومات متعاقبة فكل حكومة تضع رؤيتها وعندما تتغير تنتهج الجديدة سياسة أخرى فيما يتعلق بهذا الملف، حتى صار الأمر فى النهاية أن سكان العشوائيات لا يعيشون فيها، بل يتعايشون معها. تزايدت العشوائيات فى مصر بمؤشر كارثي، لتتضاعف بمعدل 18 مرة عن ما كانت عليه عام 1950، حيث وصلت مساحتها من 6.6 كم2 إلى 119.5 كم2، ويقطنها حتى الآن ما بين 35 إلى 40 مليون مواطن، يمثلون 37.5% من إجمالى سكان الجمهورية..وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن ثلث المدن المصرية مناطق عشوائية ووجود ( 351 ) منطقة غير آمنة على مستوى الجمهورية ، منها 103 مناطق غير آمنة فقط فى القاهرة الكبرى (القاهرة، جيزة، قليوبية) و 1100سوق عشوائي 37.5% من الكتلة العمرانية بالمدن غير مخططة . هذه الأرقام الصادمة للدكتور أحمد عادل درويش نائب وزير الإسكان للتطوير الحضرى والعشوائيات ، حقيقة حديث الأرقام فى مصر محير ومتناقض وجميعها خرجت من جهات ومراكز بحثية رسمية ففى إحصائية للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء ، أعلن اللواء أبو بكر الجندى رئيس الجهاز أنه سيقوم بعمل إحصائية كاملة بعدد العشوائيات فى مصر بداية من عام 2016 وأعداد سكانها والمناطق التى يقطنونها، بالإضافة إلى تسميتهم فى التعداد الجديد. . وأن الجهاز لم يحصر عدد مناطق وسكان العشوائيات منذ فترة طويلة وتحديدا منذ عام 2008، موضحًا أن عدد مناطق العشوائيات خلال هذه الفترة بلغ 1020 منطقة على مستوى جميع المحافظات وهذه المناطق عبارة عن كتل ويزيد حجمها كل يوم. وكشف الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى مصر عن أن عدد العشوائيات فى مصر منذ نشأتها وحتى بداية التطوير عام 1993 بلغ عدد 1221 منطقة عشوائية ، وانه توجد فى القاهرة 57 منطقة عشوائية غير آمنة، منها 14 منطقة عشوائية من الدرجة الأولى من حيث الخطورة، و32 من الدرجة الثانية و10 من الدرجة الثالثة ومنطقة واحدة مصنفة كمنطقة خطورة من الدرجة الرابعة، . العدالة الاجتماعية يقول الدكتور أحمد عادل درويش، نائب وزير الإسكان للتطوير الحضرى والعشوائيات أن العدالة المكانية جزء من العدالة الاجتماعية ، وأن ملف العشوائيات هو «الملف الحاضر الغائب» فى أجندة الحكومات المتعاقبة ولكن هذه المرحلة اتسمت بتوافر الإرادة السياسية للتعامل مع ظاهرة العشوائيات حين حمل رئيس الجمهورية على عاتقه منذ تنصيبه مهمة النهوض بالمناطق المهمشة والأكثر فقرًا فى مصر».. ويجب ان يسبق تفكير الدولة احتياجات المواطنين وتخطط لهذه المناطق بطريقة علمية وتوفر وحدات سكنية مناسبة للمواطنين وتباع لهم بالتقسيط .وأن صندوق تطوير العشوائيات وضع خريطة الاحتياجات لتطوير العشوائيات على سبعة معايير من أبرزها الفقر – توزيع المدارس – الخدمات الصحية – المرافق وتم البدء فى تطبيق هذه المعايير فى محافظة المنيا وسيعقب ذلك محافظاتالسويس وبورسعيد والبحر الأحمر التى سيتم إعلانها محافظات ليس بها مناطق غير آمنة قبل نهاية عام 2017 وأكد درويش أن أحد أهم أولويات الوزارة حاليا هو التعامل مع أزمة العشوائيات التى تصنف إلى مناطق غير مخططة ومناطق غير آمنة وأسواق عشوائية ، حيث تنتشر فى 20 محافظة تستحوذ القاهرة على النصيب الأكبر من هذه الكارثة حيث ان بها 86 منطقة مطلوب تطويرها و12 منطقة أخرى مطلوب إزالتها تماما لأسباب لأنها غير آمنة خاصة المناطق المرتفعة الخطورة التى تبلغ 351 منطقة منتشرة بمختلف أنحاء الجمهورية. . ووفقا للبيانات الرسمية الصادرة عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار فإن عدد المناطق العشوائية المطلوب إزالتها على مستوى الجمهورية يبلغ 18 منطقة بينما عدد المناطق المطلوب تطويرها يصل الى أكثر من 880 منطقة، وأشار نائب وزير الإسكان للتطوير الحضرى والعشوائيات إلى ان التخلص من العشوائيات غير المخططة سيحتاج من 10 الى 15 سنة وتكلفة تطوير العشوائيات لن تقل عن 16 مليار جنيه وتوفير مجتمعات عمرانية جديدة بديلة ، ونبه إلى اهمية مشاركة دور القطاع الخاص والمجتمع المدنى فى القضاء على العشوائيات مشيرا إلى تجربة الفنان محمد صبحى من خلال مؤسسة معا التى تعد التجربة الوحيدة الناجحة حيث تم بناء 1000 وحدة سكنية من 4000 وحدة سكنية جارى تنفيذها . وحول المشروعات التى يتم تنفيذها كشف درويش أن المناطق غير الآمنة القاهرة الكبرى (القاهرة، جيزة، قليوبية) 103 لإسماعيلية 20 منطقة ، بنى سويف 17 منطقة ، قنا 31 منطقة ، الإسكندرية 9 مناطق ،والدقهلية 18 منطقة غير آمنة ..وانه جار تنفيذ خطة تطوير المناطق غير الآمنة على مستوى الجمهورية خلال سنتين تطوير 72 منطقة عشوائية و4000 وحدة سكنية ، عامى 2015 و2016 وتطوير 156 منطقة عشوائية 85 وحدة سكنية عامى 2106 و2017وتطوير 123 منطقة عشوائية. وأضاف الدكتور أحمد عادل درويش أنه جارى انشاء 63 ألف وحدة سكنية داخل 14 محافظة يستفيد منها 312 ألف نسمة بتكلفة إجمالية 9مليارات و271 مليون جنيه يتم الانتهاء منها خلال العامين تنفيذا لتكليفات القيادة السياسية وايضا منطقة «تل العقارب» يقطنها حاليا حوالى 3500 نسمة، لافتا إلى أنه من المستهدف إنشاء عدد 815 وحدة سكنية لتوطين سكان المنطقة بنفس الموقع وتبلغ التكلفة الإجمالية للمشروع حوالى 190,5 مليون جنيه مصري. المدن الجديدة يقول الدكتور حمدى عرفة خبير الإدارة المحلية واستشارى تطوير المناطق العشوائية كانت البداية الحقيقية لانتشار هذه العشوائيات الكثيفة السكان حينما واجهت مصر أزمات متلاحقة إسكانيا مع عزوف أصحاب رؤوس الأموال عن بناء المساكن بسبب القوانين الحكومية بتحديد سقوف إيجارية، ثم انتشار ما يعرف بظاهرة تملُّك المساكن فى أعقاب ذلك.. وأشار إلى دراسة لمعهد التخطيط القومى فى مصر رصدت ثمانية أسباب لوجود العشوائيات تتمثل فى زيادة معدلات نمو السكان، وتدفق الهجرة من الريف للحضر، وارتفاع أسعار الأراضى المعدة للبناء بما فيها المملوكة للدولة، وزيادة القيمة الإيجارية للمعروض من الإسكان، ورغبة الأهالى فى سكن أبنائهم وأقاربهم بجوارهم .. وأضاف عرفة أن المدن الجديدة مثلت أحد الحلول المطروحة لمواجهة مشكلة الإسكان فى مصر ومن ثم توجهت الحكومة إلى إنشاء وإعمار العديد منها ، بعد إنشاء مدينة العاشر من رمضان فى عام 1975 حيث بلغت هذه المدن ما يقرب من 15 مدينة فى نهاية القرن العشرين . لافتا إلى أن إلغاء وزارة العشوائيات والتطوير الحضارى كان خطأ . محفزات التنمية يقول الدكتور محمد عبدالباقى أستاذ التخطيط العمرانى ورئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية يقينا تمثل العشوائيات صداعا شديدا فى رأس الدولة وقد تكون مسئولة عن تفاقمها، سواء لعدم فعالية القوانين أو فساد الأجهزة المحلية، أو طبيعة السياسات الاجتماعية والاقتصادية المطبقة.. وإن العشوائيات هى المناطق التى أسقطتها الدولة من حساباتها منذ عقود طويلة إلى أن تفاقمت مشكلاتهم،.. ويرى أن أول خطوات مواجهة ظاهرة العشوائيات يكون عن طريق منع ظهور عشوائيات جديدة، من خلال حسن تنمية وإدارة المدن والتوسعات العمرانية الجديدة، بالتوازى مع توفير الدولة للأراضى المزودة بالمرافق وغير المرفقة للفئات الدنيا من المجتمع المصري. ونبه إلى أن المواجهة تتطلب أيضاً تبسيط إجراءات الحصول على التراخيص، حيث أن ما هو معمول به الأن من بيروقراطية وفساد يجبر المواطنين على التوجه للعشوائيات لتخطى هذه الإجراءات المعطلة، والكلام مازال للدكتور عبدالباقى الأهم القصور الشديد الحادث فى المدن الجديدة حيث تم إنشاء المئات بل الألوف من الوحدات السكنية وتم مد المرافق لها وتم إنشاء مبان خدمية ولكن دون جدوى فمثلا مدينة العاشر من رمضان لتستوعب نصف مليون مواطن على عشر سنوات ونحن الآن فى 2016 وعدد سكانها 250 ألف نسمة فقط وكذلك الأمر لمدينة 15 مايو وأعتقد أن سوء إدارة التنمية العمرانية لهذه المدن وغياب التنمية الاجتماعية ومحفزات التنمية هو الذى يؤخر جنى ثمار هذه المشروعات، ويظل السؤال المهم هل تساهم مشروعات الاسكان الاجتماعى التى تطرحها الدولة فى حل مشكلة العشوائيات؟