جلست فى مقعدى... على طائرة مصر للطيران... المتجهة إلى شرم الشيخ. ومع دخول الركاب، نظر إليّ أحدهم صائحاً، أنت الجنرال فرج؟!«... فأجبته إيجاباً ... وكانت لكنته العربية، غريبة بعض الشىء، فسألته عما إذا كان مصرياً، أو عربياً، فأفادنى بأنه مصرى ... مغترب فى الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ 35 عاماً. ثم بدأ ينادى على بعض مرافقيه قائلاً الجنرال فرج هنا» فتجمع عدد من الركاب، كانوا أكثر من عشرين فردا، جميعهم أصدقاؤه، من المصريين المغتربين فى الولاياتالمتحدة. عرفت منهم أنهم فى زيارة ترفيهية إلى مصر... قضوا منها ثلاثة أيام فى القاهرة، ومتجهين الآن لقضاء ثلاثة أيام أخرى فى شرم الشيخ، قبل العودة، مرة أخرى، إلى كاليفورنيا. التف حولى هذا العدد ... فى تلك الطائرة الصغيرة ... وفاجأونى بقولهم، أننى السبب فى وجودهم فى مصر اليوم ... فقد كانوا على وشك إلغاء جميع ترتيبات الزيارة... لولا مشاهدتهم لآخر لقاء تليفزيونى أجريته... والذى أعطاهم الأمان لتأكيد جميع حجوزاتهم، والقيام بالرحلة المخطط لها. مطالبين لى بالإكثار من اللقاءات التليفزيونية، التى تعطيهم صورة حقيقية، وواقعية عن الوضع فى مصر، حتى لا يُتركوا فريسة لما تبثه بعض برامج «التوك شو» المصرية من سموم ... خاصة أنهم جميعاً، ومثلهم الكثيرون، لم ينفصلوا يوماً عن الشأن المصري، بالرغم من غربتهم عنها لعقود متتالية. فهذا يقول إنه لا ينام إلا على صوت أم كلثوم، أو عبدالوهاب، أو ليلى مراد... وآخر يقول إنه لا يمر عليه يوما دون مشاهدة فيلم لإسماعيل ياسين، أو فاتن حمامة، أو هند رستم ... إلا أن مشاهدة بعض برامج التوك شو المصرية، تقتلهم كل يوم، لما تصوره لهم من أن مصر قد انتهت... أنها تدمرت ... أنها غارقة فى الفساد والسرقة ... أن الإرهاب يهدد جميع أركانها... صائحين «والله ده حرام ... الفساد يملأ العالم كله ... الإرهاب طال أعتى الدول أماناً ... ولكننا لا نسمع أو نرى من يسّود تاريخه وحاضره، مثلما يفعل عدد من المصريين ... خاصة ممن لهم صوت مسموع!». وآخر يقول انظر إلى أشقائنا اللبنانيين ... فبلادهم بلا رئيس منذ عامين ... وملأت القمامة شوارعها لشهور عديدة ... وانتقد الشعب اللبنانى كل ذلك، ولكن دونما هدم لأركان الدولة. وذكر آخر، كيف أنه يخجل، فى غربته، من حب أشقائنا العرب لمصر، أمام ما يفعله أبناؤها على شاشات التليفزيون، من خلال برامجهم. لقد كانت المفاجأة لهم، بعدما تراجعوا عن قرار إلغاء زيارتهم إلى مصر، أنهم وجدوا مصر، بالفعل، كما ذكرتها فى لقائى التليفزيونى ... مازالت جميلة ... قاهرتها رائعة ... شوارعها مضيئة تعج بالحركة فى أمان ... شبكة الطرق تحسنت كثيراً جداً. وتعجب الجميع، من أن يوجد بين أبناء مصر، من يصر على تدمير سمعتها أمام العالم كله. تلقيت كلماتهم كاللكمات ... لم انطق بحرف واحد... ماذا أقول وهم المحقون ... فبعض إعلاميينا، هم من يشوهون صورة مصر بالفعل ... ترى على رؤوسهم الطير عند تحقيق أى إنجاز... وتسمع أبواقهم عالية، تكاد تصم أذنيك، مع أى فعل يرونه، من وجهة نظرهم، خطأ. دار كل هذا الحوار فى أقل من عشر دقائق، هى مدة صعود الركاب للطائرة، حتى نادت المضيفة على الجميع بالالتزام بالمقاعد، وربط أحزمة الأمان، استعدادا للإقلاع. وما أن صعدت الطائرة، واستقرت فى مجالها الجوي، حتى التفت نفس المجموعة حولي، مرة أخرى، فى هذه المرة ليس لاستكمال نقدهم للإعلام المصري، ولكن ليخبرونى عن تحركهم الإيجابى لدعم مصر، والذى بدأ بمجرد وصولهم للقاهرة منذ ثلاثة أيام... فقد بدأوا بالتواصل مع عدد أكبر من أصدقائهم من العائلات المصرية، والعربية، المغتربين فى كاليفورنيا، وغيرها من الولاياتالأمريكية، للترتيب لزيارة مصر، مرة أخرى، فى أجازة أعياد الميلاد. مؤكدين أنه، من خلال شبكة علاقاتهم، قد أبدى نحو ألفى شخص، بالفعل، حماسهم للفكرة، مضيفين أن العدد سيكون أكبر فى العام التالي، عندما يبدأ الترتيب مبكرا لنفس الإجازة، حيث إن البعض قد رتب لأجازته بالفعل للعام الحالي؛ إذ جرت العادة أن يتم الترتيب لها قبلها بشهور، قد تمتد إلى عام كامل. وبعد نحو ساعة، عاد الجميع إلى مقاعدهم، فقد كانت الطائرة تستعد للهبوط، فى مطار شرم الشيخ الدولي. وهبطت الطائرة بسلام ... ونزلنا إلى المطار... وحزنت!! المطار شبه خال من الطائرات ... هذا المطار الذى كانت تقصده جميع شركات الطيران الدولية، الوطنية منها والخاصة ... هذا المطار الذى كنت، يوماً، تعجز عن حصر عدد الطائرات فيه ... هو اليوم خالٍ! وبالرغم من عدم وجود حقيبة لى على الطائرة، إلا أننى انتظرت داخل المطار، لمدة نصف ساعة أخرى، قبل أن أنتزع نفسى من بينهم بهدوء، وذلك استكمالا للحديث الذى بدأ فى القاهرة. وتقدمت إليّ سيدة من المصريات، قائلة إنها توهمت، من خلال برامج التوك شو المصرية، بأن الجيش قد سيطر على اقتصاد مصر، وشكرتنى على إيضاح الصورة والمفاهيم، التى تناولتها فى لقاءٍ تليفزيونيٍ، والذى أوضح كذب هذه الادعاءات والافتراءات، مضيفة أن حب مصر، عقيدة راسخة، يزرعونها فى قلوب أبنائهم منذ الصغر، بالرغم من الغربة، وبالرغم من محاولات بعض الإعلاميين المصريين لتغيير هذه العقيدة. مطالبين بأن أوصل أصواتهم إلى المسئولين ضد اسماء بعينها من الإعلاميين، أعتذر عن عدم ذكرها، ممن يسيئون إلى مصر، وسمعة مصر، فى الداخل والخارج. لمزيد من مقالات لواء أ. ح. د. م. سمير فرج