حالة الدروشة والإدمان الكامل لنظرية المؤامرة مرفوضة جملة وتفصيلا، ويزيد على الرفض أنها مضرة للغاية بمستقبل وحاضر الوطن، كما أن الاستهزاء والاغراق فى السخرية ممَن يشيرون من قريب أو بعيد لما يحيط ببلدنا من مخاطر ومكائد، والنظر اليهم كبلهاء وأغبياء بدوره مرفوضة. لذلك دعونا نحاول المضى فى طريق ثالث بين المؤمنين الأوفياء بالمؤامرة والرافضين لها على الاطلاق على أمل بيان الحقائق بحجمها الطبيعى بدون تهويل أو تهوين، وأن يكون المواطن العادى على بينة من أمره ومما يدور من حوله، حتى يصبح سلاحا فعالا يصد ما يوجه لبلادنا من سهام مسمومة. أول قاعدة فى طريقنا الثالث أن يكون الحوار الهادئ المتفتح والمستنير هو المرشد والموجه، إذ إننا نعانى منذ سنوات طغيان الغوغائية والعشوائية فى مختلف مناحى حياتنا، ونادرا ما تجد مناقشة رزينة ومفيدة لقضية من القضايا العامة والمصيرية، ولم نعد نسمع سوى أصوات تشوش بصخبها ونبرتها العالية الزاعقة على الرأى العام. ارتكازا على هذه القاعدة نطرح تساؤلا مشروعا حول استجلاء ما يحيق بمصر من اخطار ومخططات جهنمية تبغى بها الشرور، وما إذا كانت لها ظلال من الحقيقة، أم أنها أوهام وأضغاث أحلام من نسج الخيال المريض؟. الثابت أن مصر عبر تاريخها الممتد مستهدفة، ومن يقل غير ذلك فسيكون مخطئا، مستهدفة لاعتبارات تتعلق بوضعها الاقليمى، وامتلاكها أدوات تأثير على مجريات الأحداث فى محيطها العربى والشرق أوسطى، فهى كالملح الذى لا غنى للطعام عنه، فالكبار على المسرح الدولى ليس باستطاعتهم تجاهلها وإغفال دورها فى التركيبة الإقليمية والدولية، وفى الوقت نفسه لا يمكنهم تركها تقوى ويشتد ساعدها بما يجعلها مالكة لقرارها وتوجهاتها بعيدا عن توجيهات وحسابات الدول الكبرى القابضة على ذمة قيادة العالم سياسيا، واقتصاديا، وعسكريا، فهم يريدونها تحت السيطرة وفى متناول أيديهم. ومن ثم لا يكفون عن مشاكستها ونصب الفخاخ لها، من أجل إعاقتها ومنعها من بلوغ وضع ينهضها من عثراتها الاقتصادية والمالية، وإرباكها من خلال رسم صورة سوداء لاحوالها، وجعلها دائما فى موقف المدافع عن سجله فى حقوق الانسان، والحريات العامة، والديمقراطية، والتعددية الحزبية، وضعف المجتمع المدنى وتقزيمه، وتابعنا فى الأسابيع الماضية كما هائلا من الموضوعات والتقارير فى وسائل الإعلام الغربية والأمريكية تظهر مصر وكأنها على أبواب الخراب والسقوط المدوي لا قدر الله. نعم لدينا متاعبنا ومشكلاتنا الجسيمة، وجوانب تقصير ترهقنا وتضغط على أعصابنا، لكنها لم تصل بنا بعد إلى منحدر السقوط، وكأننا بلد من بلاد الموز، أو دويلة صغيرة، فهذه الرؤية يغيب عنها الموضوعية التى استبدلت بنوع من التشفى والضرب تحت الحزام، لمنع المستثمرين والسائحين من القدوم، فكيف سيغامرون بالمجىء لبلد هكذا صورته فى الميديا الغربية. تلك وقائع لا مراء فيها، وهى جزء من المناخ السائد فى العلاقات الدولية، فلا احد يحب الخير للآخرين، وعلى الطرف الآخر أن يكون من الذكاء والكياسة بتطويق الآثار التابعة لمحاولات الإضرار به، وفى حالتنا نحن نكتفى بالرد المتشنج العصبى، بدون أن تكون عندنا ردود مفحمة تدحض ما تذكره وسائل الإعلام الأجنبية. ولعلنا لا نبالغ بمطالبتنا بالاحتذاء بالنموذج الصينى فى مواجهة الهجمات الغربية المتتالية عليه بلا توقف، مع الوضع فى الاعتبار الفروق الجوهرية والنسبية بين وزن مصر والصين. الغربيون يتربصون ببكين وأوضاع حقوق الانسان فيها، ويشنون عليها هجوما لا هوادة فيه، السلطات الصينية لا تكتفى بالرد على الهجوم بهجوم اشرس وأعنف، لكنها قررت إصدار تقرير سنوى عن حقوق الانسان فى الولاياتالمتحدة، صمود بكين أعطاها قوة وصلابة أمام اعتى الهجمات التى لم تؤثر فى اندفاعها صوب التقدم والارتقاء حتى حلت كثانى أكبر قوة اقتصادية فى العالم، ويحسب لها ألف حساب بفضل قدرتها الفائقة على التصدى لما تتعرض له، فالذكى هو القادر على قلب الطاولة على مهاجميه وليس الولولة وإعلام فرش الملاية. بما أن الحال كذلك و لا مهرب من الترصد والتربص بنا وببلادنا، فمن هو المستهدف من كل التدابير والخطط غير البريئة؟. المستهدف هو عناصر ومكامن عوامل القوة والمناعة فى المجتمع المصرى وفى القلب منها القوات المسلحة، فالشق الأعظم من الكيد لمصر غرضه إضعاف جيشنا لعلم الخبثاء أنه العمود الفقرى لجسد المحروسة، وأنه حقا الوتد الذى تستند إليه خيمة وطننا، وما فتح شهيتهم ما فعلوه فى جيوش بعض الدول حولنا، ابتداء بالعراق وانتهاء بليبيا، فالجيش هو صنوان وصمام الأمان للدولة الوطنية، وإسقاطه - معاذ الله - مرادف لسقوط الدولة. وما يغيظ ويغضب هؤلاء أن الجيش المصرى يفطن تماما لما يدور ولخريطة الأحداث من حوله، والميزة المتعين الاستفادة منها أنه يرد عمليا على استهدافه بتعزيز وتنويع مصادر قوته، واضافة أحدث أسلحة وتكنولوجيا لترسانته، ويبعث برسائل مفهومة جيدا للمتربصين بنا بأن عليهم التفكير ملايين المرات قبل المساس به، أو الاقتراب منه بيد السوء، المجتمع بدوره مطالب بمساعدة قواتنا المسلحة بأن يكون ظهيرا وسندا لها فكيف يتأتى ذلك؟. بتقوية سواعد المجتمع المدنى، وبناء نظام سياسى قوى ومتفاعل مع الناس فى الشارع، بحسن اختيار مسئولينا، وعدم إخفاء المعلومات المتصلة بأحوالنا عموما، وأن تعزز الحكومة ثقة المواطنين فيها بإشعارهم بأنها تعمل للتخفيف عنهم وليس زيادة الأعباء عليهم. ختاما فإن ما نود قوله أن نعطى كل شىء قدره وحجمه دون إفراط أو تفريط، وألا نلقى بمسئولية ما نحن فيه طوال الوقت على الآخرين ولننظر لأفعالنا أولا. [email protected] لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي