طلب أردوغان من بوتين عقب المصالحة بين تركياوروسيا أن يسمح لقوة تركية صغيرة بالدخول إلي مدينة جرابلس السورية الحدودية، حتي يحبط المخطط الأمريكي الكردي بإقامة فيدرالية، تكون نواة دويلة تركية تفصل تركيا عن سوريا، بعد أن أغوت أمريكا أكراد سوريا بتفاحة الاستقلال، وغيرت وحدات الحماية الكردية اسمها إلي قوات سوريا الديمقراطية، وانقلبت علي الجيش السوري الذي دعمهم في خلال مواجهاتهم مع «داعش»، وابتعدت عن روسيا التي قدمت لهم السلاح والدعم السياسي، فسقط الحزب اللتحاد الديمقراطي الكردي في بئر الخطيئة، ولم يلتفت إلي تاريخ بيع أمريكا لحلفائها بعد أن تفرغ منهم. استغل أردوغان الخطيئة الكردية في تقديم نفسه كمنقذ من مخطط أمريكا لاستخدامهم في تقسيم سوريا، وأنه سيثأر من تجاوز وحدات الحماية للمناطق ذات الأغلبية الكردية، وتورطها في المخطط الأمريكي، ويبدو أن بوتين فد سقط في خطيئة تصديق الإخواني أردوغان صاحب الأقنعة الكثيرة، وسعي إلي إقناع حلفائه في طهرانودمشق بالخطوة التركية، لكن أردوغان كان له مآرب أخري، بدأت تتضح شيئا فشيئا، فقد استعان بقوات دربتها تركيا من بين النازحين السوريين، ودخل جرابلس دون قتال تقريبا، وانسحب الدواعش بهدوء، علي غير العادة، ولم يستخدموا العربات المفخخة والانتحاريين، لكن أطماع أردوغان كانت تتجاوز جرابلس بكثير، خاصة أن أمريكا كانت قد باعت حلفاءها الأكراد في أول مفترق للطرق، وأعلنت انحيازها لصديقهم التركي القديم، وأيدت دعوته لتراجع الأكراد إلي شرق الفرات، بل شجعته علي المضي قدما إلي مدينة منبج وما بعدها. انتبه بوتين لخديعة أردوغان، الذي تجاوز حدود التدخل في جرابلس، وبدأ يردد مطلبه القديم بإقامة «منطقة آمنة» علي الحدود السورية، يمكنها أن تستوعب النازحين السوريين، بدل أن يدفع بهم إلي أوروبا، ويغرقها بالمشكلات، ويخيفها بقنبلة النازحين المرعبة لسكانها المصابين ب «الإسلامفوبيا». كانت تركيا تطلق تصريحات متضاربة، تربك كل الأطراف، فحينا تقول إنها تعتزم تطبيع العلاقات مع سوريا ومصر، ثم تعود لتقول إنها تقصد تطبيع العلاقات مع الشعبين، وليس مع النظامين، وبعد أن تطلق التطمينات بعدم وجود أي أطماع لها في الأراضي السورية، تعود لتؤكد اعتزامها التوغل جنوبا في عمق الأراضي السورية، إما بادعاء محاربة «داعش»، أو مطاردة فلول الأكراد الذين تريد التأكد من انسحابهم إلي شرق الفرات. يريد أردوغان كل شيء، المال الخليجي الذي يتدفق لنقله إلي الجماعات المسلحة، والإنفاق علي تدريبهم وتسليحهم، ويحصل علي معظمه، لأنه لا رقيب أو حسيب لهذا المال الوفير المتدفق، كما يريد من أمريكا أن يؤيد حلف الناتو أطماعه في شمال سوريا، ويريد من روسيا الموافقة علي توغلها في الأراضي السورية، بعد أن كانت تهدد باستهداف أي طائرة أو دبابة تخترق الأراضي السورية بعدة أمتار، ويريد من إسرائيل المزيد من الدعم والمباركة لخطواته، التي تستنزف سوريا وحلفاءها المعادين للكيان الصهيوني. مغامرة أردوغان لا يمكن أن تستمر طويلا، فهو لا يمكن أن يخدع الجميع طوال الوقت، ومن الصعب أن يجد شمال سوريا مفتوحا، وها هي قوات سوريا الوطنية تتشكل سريعا من عرب وأكراد وقوات الدفاع الوطني لتواجه الأطماع التركية، ومن الصعب أن ينجح أردوغان في جر حلف الناتو إلي جانبه، ولا يمكن أن يغامر بالتوغل وحيدا في بحر من الأعداء. الولاياتالمتحدة متعجلة في التوصل إلي ورقة تفاهم مع روسيا في حل الأزمة السورية، تحت ضغط عاملين، أهمهما خشية نجاح الجيش العراقي في إنهاء سيطرة «داعش» علي الموصل، وتوجه الجيش والحشد الشعبي إلي الحدود العراقية السورية، ودعم الجيش السوري في التخلص من داعش في البوكمال وحتي البادية السورية، وهو الهاجس الذي يزعج أمريكا وحلفاءها، ولهذا تسعي إلي إبطاء تقدم الجيش العراقي بكل السبل، لكنها لن تتمكن من عرقلته طويلا، أما السبب الثاني فهو تركة أوباما التي يريد أن يسلمها إلي الرئيس الأمريكي الجديد، سواء هيلاري أو ترامب، ويقول إنه لم يفشل تماما في مخططه. العائق الرئيسي أمام الاتفاق الأمريكي الروسي هو جبهة النصرة، فلم تفلح محاولة تمرير جبهة النصرة إلي قائمة «المسلحين المعتدلين» رغم تغيير اسمها، وإعلان انفصالها عن تنظيم القاعدة، ودون جبهة النصرة وداعش فإن المعارضة المسلحة ستكون في غاية الضعف، ولن تقوي علي مجابهة الجيش السوري لأسابيع، ويدرك الأمريكان أن روسيا تعول علي فصل النصرة عمن تسميهم أمريكا بالمعتدلين من أجل إضعاف التنظيمات الإرهابية، ولهذا تراوغ أمريكا في هذه النقطة المفصلية في الصراع. تأجيل التفاهم الروسي الأمريكي لا يشكل مطلبا سوريا، فالجيش السوري حقق انتصارا لافتا في جنوب غرب حلب، وقضي علي ثغرة الراموسة، وفتح الطريق الرئيسي إلي حلب، وأحكم السيطرة علي شرق المدينة، ولم يعد أمام المسلحين في الشرق إلا الانسحاب أو الانتحار، لكن ما يؤرق دمشق هو ألاعيب أردوغان الذي يلدغ ويتلون كالحرباء، وربما كان قد اتفق مع الأمريكان علي استدراج الأكراد إلي حيث يلدغهم، ويبرر التدخل العسكري في شمال حلب بدعوي حماية وحدة سوريا من خطر إنشاء دولة كردية. لمزيد من مقالات مصطفى السعيد