من خلال سلسة مقالاتى عن تجربتى فى دار الأوبرا المصرية، منذ أسبوعى الأول بها، حيث وجدت مسارح الأوبرا خاوية من الضيوف، قررت تحطيم جدران هذا الصرح العظيم، ليدخل الشعب، بمختلف فئاته، للتعرف على أنواع الفنون التى تعرض بدار الأوبرا، أو أن أخرج أنا إلى الشعب، لأعرفه بهذا النوع من الفن الراقي. وهذا ما كان، فقد دعوت، أولاً، عدداً كبيراً من شباب الجامعات، لحضور عروض الأوبرا، يومياً، بالمجان. ثم كان القرار التالي، بأن خرجت الأوبرا إلى الجامعات، فى مختلف ربوع مصر، خاصة محافظات الصعيد، لتقديم عروض الأوبرا على مسارحها. ثم كانت المبادرة الجديدة، لجذب المزيد من الجماهير، إلى هذا الصرح الثقافي، بأن قررت إقامة حفلات متخصصة لعدد من الفنانين، ليعرضوا مختلف أنواع الفنون. بدأت فيها بالفنان المتميز، ذى الفن الراقي، الذى يقدم نوعاً جديداً، وفريداً من الموسيقى المصرية. الفنان عمر خيرت، وكنت قد استقبلته فى مكتبي، فى أول أسبوع من وصولى إلى دار الأوبرا المصرية، واستمعت إلى شكواه من أن الأوبرا لا تعطيه حقه فى عدد مناسب من الحفلات لتقديم أعماله الفنية. وثقة منى فى رقى فنه، وأهميته، فقد حددت على جدول أعمال الأوبرا، على الفور، حفلين فى الأسبوعين اللاحقين لهذا اللقاء. ولم تكن مفاجأة بالنسبة لي، أن يتم بيع تذاكر الحفلتين، فى غضون ساعات من طرحها فى شباك الأوبرا. ومنذ ذلك اليوم، أصبحت حفلات الفنان عمر خيرت، تدرج بكثافة على جدول الأوبرا، وذلك لعدة أسباب، أهمها، من وجهة نظري، أن معظم الحضور كان من الشباب، ثانياً أن موسيقاه تقدم بالأوركسترا، وهو شكل جديد، وراق، ويهمنى أن يتعود عليه الشباب، وثالثاً أن أعماله حققت نجاحاً كبيراً على المستوى الفني، والإعلامي. ويشهد الله، أننى كنت أكثر الناس سعادة وأنا أشاهد، بنفسي، الإقبال الشديد من الشباب لحضور هذه الحفلات، فقد كان نحو 90% من الحضور من الشباب، وهو ما دفعنى إلى المزيد من المرونة فى قراراتي، بأن أعفيتهم من شرط الحضور بالملابس الرسمية، فى حفلات عمر خيرت فقط. وبنجاح حفلات الفنان عمر خيرت، اتفقت مع الفنان ياسر عبد الرحمن، صاحب الروائع الموسيقية فى عدد كبير من الأفلام والمسلسلات المصرية، على تقديم أعماله الفنية، فى حفلات دورية، على نفس النهج المتبع مع الفنان عمر خيرت. وبدأ التجهيز لهذه الحفلات الجديدة، بإعداد النوت الموسيقية، وإجراء البروفات، إلا أن الظروف لم تمهلنى لإتمام الفكرة، إذ صدر قرارا بتعيينى محافظاً للأقصر. وإن كنت ذاكراً لتلك التجربة، فذلك للتدليل على أن لدينا العديد من الفنانين المصريين، أصحاب المواهب، والأعمال الفنية الناجحة، التى ارتبط بها أبناء الشعب، وأرى ضرورة أن تقدم هذه الأعمال على مسارح دار الأوبرا المصرية. أما الفنان محمد منير، والذى يتمتع بشعبية جارفة، خاصة بين الشباب، فقد كان لحفلاته ترتيبات خاصة، كما أشرت فى مقال سابق، إذ اقترحت عليه أن ننشئ مسرحاً مفتوحاً، لحفلاته، فى مكان انتظار السيارات، بسعة ثلاثين ألف مشاهد، نظراً لتوقعاتنا بالإقبال على حفلاته، على أن يكون الحضور وقوفاً، لاستيعاب هذا العدد المتوقع، وكان فى ذهني، آنذاك، الشكل الأوروبى لحفلات الشباب فى الخارج. ونفذنا هذا المقترح فى إحدى ليالى رأس السنة، وكانت المفاجأة فى امتلاء المسرح عن آخره، إضافة لحضور العديد من الأجانب، منهم سفراء خمس دول كبرى وعائلاتهم، مما وضعني، ورجال الأمن فى الأوبرا، فى مهمة صعبة، لتأمينهم وسط هذه الأعداد الغفيرة من الحضور، التى تسببت فى إعاقة حركة المرور فى محيط دار الأوبرا، وحتى ميدان التحرير. وأدى النجاح الكبير لحفلات الفنان محمد منير، إلى أن زارنى العديد من الفنانين، يطلبون إقامة حفلات لهم على نفس الغرار، وكما مر على دار الأوبرا أمثلة مصرية، وعربية مشرفة، فقد مر عليها من لا يعترفون بفضلها،وبفضل مصر، ومنهم أحد الفنانين العرب، الذى سجد، وقبل خشبة المسرح، فى أول حفل له بدار الأوبرا، وعندما طلبناه، بعد ذلك بسنوات، للمشاركة فى مهرجان الموسيقى العربية، اعتذر لعامين متتاليين، متعللاً فى المرة الثانية بوجوده فى رحلة علاج بالخارج، لأفاجأ، بعد ذلك، بأنه كان فى تلك الليلة، أمام دار الأوبرا، ولكن على الضفة المقابلة على نهر النيل، يحيى حفلاً خاصاً لإحدى الأميرات العربيات، فى واحد من الفنادق الكبرى. فما كان إلا أن أصدرت قراراً بمنعه من الغناء على مسارح دار الأوبرا نهائياً، مما أحدث ضجة إعلامية حوله، أجبرته على تفادى الظهور الإعلامى لفترة، ليتجنب الحديث عن موقفه هذا. وقد أقر هو بنفسه، لزملائه، فيما بعد، بأن هذا كان أقسى درس تلقاه، وأقسى عقاب لأى فنان، أن يمنع من خشبة مسارح دار الأوبرا المصرية. إن دار الأوبرا المصرية، هذا الصرح الثقافي، والفنى الكبير. هو واجهة مشرفة لمصر، وللعالم العربي. ومازال يضع مصر على قمة القوى الناعمة فى دول المنطقة. لمزيد من مقالات لواء أ. ح. د. م. سمير فرج