هل يقترب العالم من انفجار هائل قد يطيح باستقراره وبالسلم والأمن الدوليين؟تأتى الإجابة من القمة الحادية عشرة لمجموعة العشرين التى انعقدت يومى 4 و5 سبتمبر 2016 فى مدينة هانجتشو بالصين. فعلى غير المتوقع كانت كلمة الرئيس الصينى شى جين بينج فى افتتاح أعمال القمة بمثابة رسالة تحذير تؤكد أن العالم أمام خطر هائل قادم مالم يتم تلافى مسببات ذلك الخطر. وهذا الخطر متمثل فى تدهور اقتصادى قد يؤدى إلى نشوب صراع هائل بين أقلية تملك وأغلبية لاتملك، وقد يتطور الأمر إلى نشوب حرب عالمية فى تكرار لسيناريو الحربين العالميتين الأولى والثانية!. الخطر القادم أشار الرئيس الصينى فى مرتين على الأقل خلال فعاليات القمة إلى أن الإقتصاد العالمى يمر ب”منعطف دقيق”، و”أن معامل جينى العالمى وصل لحوالى 0,7 أعلى من الدرجة المعروفة التى تصل إلى 0,6” واستطرد قائلا : “إن هذا شيء يجب أن نعطيه اهتماما كبيرا”. وحتى نفهم معنى تلك الجملة العابرة، تجب الإشارة إلى أن معامل جينى من المقاييس الهامة والأكثر شيوعا فى قياس عدالة توزيع الدخل القومي. ومعامل جينى ينحصر بين الصفر والواحد، حيث يكون صفرا عندما يكون توزيع الدخل متساويا لجميع أفراد المجتمع (وهو ما يعد التوزيع الأمثل للدخل)، بينما يكون معامل جينى مساويا للواحد الصحيح عندما يكون توزيع الدخل فى أسوأ أحواله حيث التفاوت الهائل، أى أنه كلما كانت قيمة معامل جينى صغيرة كانت عدالة توزيع الدخل أفضل. وما أشار إليه الرئيس الصينى باقتضاب شديد هو أن المعدل العالمى تحرك ليصبح 0,7 نقطة ليقترب بشدة من معدل الواحد الصحيح وهو ما يعنى أن “عدالة” توزيع الدخول القومية فى العالم أجمع فى حالة تدهور متزايد، وأن الظلم واتساع الفوارق بين من يملكون المال والثروة وبين من لا يملكونها تتجه إلى الزيادة الشديدة وهو ما ينبئ بخطر عظيم، وهو خطر قيام ثورة جياع عالمية كبرى على المستويات الوطنية أو صراعات بين الدول ضد بعضها البعض وهو الأمر الذى سيكون مصحوبا بحالات من عدم الاستقرار السياسى والأمني!. أما ملامح “المنعطف الدقيق” الذى يمر به الاقتصاد العالمى حاليا فتتمثل فيما يلى : فبعد ثمانية أعوام من الأزمة المالية العالمية، يدخل الاقتصاد العالمى مجددا فى “مرحلة حرجة” يواجه خلالها العديد من المخاطر والتحديات المتمثلة فى ضعف معدلات النمو وقلة الطلب وتكرار تقلب حالة الأسواق المالية وضعف التجارة والاستثمار الدولي. وتراجع وتيرة النمو الذى حدث بسبب الموجة السابقة من التقدم التكنولوجي. كما أثر التقدم فى السن وتباطؤ النمو السكانى على الاقتصاد والمجتمع فى الدول الاقتصادية الكبري. أما الأخطر فهو ما تواجهه العولمة الاقتصادية من عوائق خاصة مع تنامى “الممارسات الحمائية” وحالات “التصادم” بين الترتيبات التجارية متعددة الأطراف بالإضافة إلى خطر زيادة الفقاعات المالية. وتقود الملامح المزعجة سالفة الذكر فى حال إستمرارها إلى تهيئة العالم للمرور بحالة مشابهة لتلك التى كان عليها قبل الحرب العالمية الأولى والثانية حيث لعب الاقتصاد المتدهور والاضطرابات الجماهيرية على المستوى الوطنى فى أوروبا وسياسات الحماية التجارية والرغبة الملحة فى فتح الأسواق بالقوة إلى توليد تفاعلات سياسية واجتماعية قادت بشكل مباشر إلى تفجير نار الحرب العالمية. فبالنظر إلى المرحلة السابقة على الحرب العالمية الأولى سنجد أن التوتر بدأ بالصراعات الاقتصادية، حيث اشتد التنافس الاستعمارى حول مناطق النفوذ (المستعمرات) وتزايد التنافس الاقتصادى والتجارى بين الدول الاستعمارية لاقتسام النفوذ عبر العالم، والسيطرة على الأسواق لتصريف فائض الإنتاج الصناعى والمالي، والتزود بالمواد الأولية. وظهرت تحالفات بين الدول الأوروبية انتهت مع مطلع القرن العشرين بظهور مجموعتين متنافستين تتسابقان نحو التسلح هما: دول الوفاق الثلاثى (الحلفاء) ودول المركز. ومع زيادة الضغوط الاقتصادية اضطربت الحياة السياسية وظهرت النعرات القومية وتطلعت الأقليات إلى الاستقلال. ولم يتطلب الأمر سوى طلقات من مسدس لتفجير الصراع بين الدول الأوروبية الكبرى حيث أعلنت الامبراطورية النمساوية المجرية الحرب على مملكة صربيا بسبب اغتيال ولى عهد النمسا الأرشيدوق فرانز فرديناند مع زوجته من قبل طالب. صربى أثناء زيارتهما لسراييفو فى يونيو 1914. واتسع الخلاف ودخلت الدول فى الحرب تباعا إلى أن تحولت إلى حرب عالمية مدمرة. وقد خسرت الدول الأوروبية فى الحرب العالمية الأولى أكثر من نصف الثروات التى راكمتها طيلة عقود سابقة، فترتب على ذلك فقدان أوروبا صدارتها الاقتصادية والمالية وتدهورها إقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. أما الحرب العالمية الثانية فجاءت جذورها مرتكزة على نتائج الحرب العالمية الأولي.فقد توافرت البيئة الملائمة لاندلاع حرب عالمية جديدة فى ظل توافر عدة عوامل وخاصة الاقتصادية منها، وكانت كما يلي: تبعات معاهدة فرساى والأزمة الاقتصادية العالمية. والمعاهدات المجحفة التى فرضها الحلفاء على الدول المنهزمة فى الحرب العالمية الأولي، وخصوصا ألمانيا، التى خسرت بموجب هذه المعاهدات أجزاء من أرضها المنتجة ومن سكانها، ومن إنتاجها الزراعي، وصناعتها وغالبية إنتاجها من الحديد الخام، وتم إجبارها على دفع تعويضات كبيرة للحلفاء. فكان من المنطقى أن يتجه الألمان إلى الثورة على الظروف الاقتصادية السيئة. وكنتيجة للأزمة الاقتصادية العالمية عام 1929، وصلت قيادات ديكتاتورية إلى السلطة فى بعض الدول الأوروبية (هتلر فى المانيا وموسولينى فى إيطاليا). واعتمدت الدول المتضررة اقتصاديا على سياسات اقتصادية وتجارية انغلاقية متعصبة ضد الأجانب. فانتشرت الحماية الجمركية مما أدى إلى حدوث المواجهة بين الدول الاستعمارية الصناعية الكبرى من أجل السيطرة على الأسواق الخارجية وامتلاك المستعمرات. فتراجع الاستيراد وتم تشجيع التصدير عبر التلاعب بالعملات ما أدى إلى قيام حرب تجارية أسهمت بقوة فى توتر العلاقات الدولية. وكانت الفجوة الكبيرة بين اقتصادات فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية وسياساتها الإحتكارية والإستعمارية من جانب، وبين الأنظمة القومية المتشددة بكل من إيطاليا، ألمانيا، اليابان من جانب آخر سببا مباشرا فى تضارب المصالح وتزايد حدة التوتر فى العلاقات الدولية ما شكل تهديدا مباشرا للسلام العالمى ووفر البيئة النموذجية لاندلاع الحرب العالمية الثانية بداية من عام 1939. حلول مقترحة وقدمت قمة العشرين فى هانجتشو العديد من الحلول كان من أبرزها الاقتراحات الخمسة التى قدمها الرئيس الصينى شى جين بينج، رئيس الدولة صاحبة ثانى أكبر اقتصاد فى العالم حاليا، لدعم النمو الاقتصادى العالمي، وجاءت كما يلي: أولا، يتعين على الدول الأعضاء فى مجموعة العشرين تعزيز التنسيق فى سياسات الاقتصاد الكلى والدعم المشترك للنمو وحماية الاستقرار المالي. ثانيا، على الدول الأعضاء ابتكار نماذج النمو الخاصة بها واستكشاف محركات جديدة للنمو. ثالثا، على الدول الأعضاء تحسين الحوكمة الاقتصادية العالمية وضمان الآلية الخاصة بالتطبيق. رابعا، على الدول الأعضاء بناء اقتصاد عالمى مفتوح والاستمرار فى دعم تحرير وتسهيل التجارة والاستثمار. وأخيرا، يتعين تحقيق أجندة عام 2030 للتنمية المستدامة من أجل تدعيم النمو الشامل. وهكذا تدرك القوى الاقتصادية فى العالم أن اقتصادياتها وإقتصاديات العالم فى سفينة واحدة وتمر بظروف عاصفة وأن التعاون الحقيقى الصادق هو سبيل النجاة. ويبقى التحدى الأكبر متمثلا فى تلك الدول والكيانات التى يفكر صناع قرارها بعقلية “ما قبل الحروب العالمية” والتى إن لم تجد من يصوب مسارها وتوجهاتها نحو العالم بوجه عام ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحديدا فإنها ستدفع بدولها وشعوبها بل وبالعالم أجمع إلى هاوية مدمرة.