لا نبخس ولو قيد أنملة حق البرلمان في أن يستشيط غضبًا وامتعاضًا من تجاسر فئة من الإعلاميين والصحفيين الارذال على انتقاد رئيسه الدكتور على عبد العال، لرفعه العَلم، بعد إقرار مجلس النواب قانون بناء وترميم الكنائس. ولا ننازع نواب الشعب حقهم المحفوظ في توعد المنتقدين بالويل والثبور وعظائم الأمور، وتهديدهم بجرهم إلى ساحات المحاكم لمعاقبتهم على آرائهم وتجاوزاتهم غير المقبولة في حق المجلس الموقر، وبالطبع فإن هؤلاء النواب لا ينسون في خضم صب جم غضبهم على أرباب القلم ومقدمى برامج «التوك شو» تأكيد ايمانهم واحترامهم لحرية الإعلام والصحافة، وحرصهم عليها. أما الذى سننازع وسنجادل فيه نوابنا بقوة فهو ضيق صدر برلمان ثورة 30 يونيو بالنقد، ومواجهته بعصيبة زائدة علي الحدود الطبيعية، وأن تتحول قاعة مجلس النواب الأسبوع الماضى لمنصة هجوم ضار شرس على الصحافة والإعلام, وكأنهما عدوان لدودان يتربصان به، لأنهما لم يعجبهما رد فعل عبد العال، ولا ما فعله أعضاء البرلمان الذين راحوا يرددون «يحيا الهلال مع الصليب» المسلمون والمسيحيون إيد واحدة". وللأسف شارك في هذا الهجوم العنيف بعض النواب المحسوبين على الوسط الإعلامى، الذين ساروا مع الموجة ولم يحاولوا مناقشة ما قيل وما كتب عن الحدث موضوع الاستياء، هؤلاء النواب أنفسهم يغادرون مجلس النواب للذهاب إلى صحفهم، أو برامجهم الفضائية ويرتدون ثوبا مغايرا ولا يكفون عن الكلام عن الديمقراطية ومتطلباتها، وتقبل الرأي الآخر، ومقابلة الحجة بالحجة، والرأى بالرأى، وأنه لا يصح مهما تكن الذرائع والأسباب التضييق على الإعلام وحريته، ياله من تناقض!. ليت الأمر اقتصر على إبداء أشد مظاهر الاستياء، والتلويح بتقديم بلاغات ضد بعض الإعلاميين والصحفيين، لكنه أخذ منعطفا خطيرا بالحديث عن مؤامرة لإسقاط البرلمان كجزء من مخطط أكبر يستهدف الدولة المصرية ومؤسساتها، فرئيس مجلس النواب قال: « لدى ملف كامل لكتاب مصريين يسعون لإسقاط البرلمان الذى أثبت أنه الأقوى، مضيفا «ياجبل ما يهزك ريح». الاتهام خطير ولا يحمل هزلا، والسكوت عنه سيكون خطأ فادحا لا يغتفر، ومن الأفضل تفنيده بدقة متناهية، حتى نعرف ما إذا كان الإعلام قادرا فعليا على هدم مؤسسة لها تاريخ عريق وراسخ في ذاكرتنا الوطنية، ومواقف مشهودة، منذ أن عرفت مصر الحياة البرلمانية نهايات القرن التاسع عشر؟ أعلم أن حديث المؤامرة هو الرائج في منتدياتنا، وسهراتنا، وليس بالمقدور انكاره كلية، فهناك فعلا من يدبر ويحيك المؤامرات ضد بلادنا من الداخل والخارج، لكن ليس كل من ينتقد نقدا موضوعيا له حيثياته ومبرراته المعقولة متآمرا ولا خائنا يعمل ضد الدولة ومصالحها العليا، ثم إن البرلمان ليس هشا لهذه الدرجة بحيث يتهاوى هكذا تحت معاول صحفيين وإعلاميين لا يعجبهم ما يدور فيه، وما نتابعه بين حين وآخر من مشاهد وفصول برلمانية يندى لها الجبين. فالإعلام مهما بلغت سطوته ونفوذه لن يُسقط برلمانا، فالناخب الذى اختاره هو من بيده قرار بقائه من عدمه بناء على ما يراه منه من اكتراث بهمومه ومشكلاته، وما أنجزه على أرض الواقع، الإنجاز هنا ليس بتمريره عددا معينا من القوانين، وتشكيل لجان تقصى حقائق، بل بقيامه بدوره المنتظر كجهة محاسبة ومراقبة لأداء الحكومة ووزرائها، أولم يكن جديرا بالمجلس سحب الثقة من وزير التموين مثلا، بعد أن تكشفت وقائع وتفاصيل فساد توريد القمح، فهل أدى البرلمان دوره الرقابى بالشكل المأمول والحاسم الذى يُشعر المواطن بالرضا والاطمئنان؟ الإنجاز الحقيقى يكون بقدر ما عمله لتثبيت دعائم وقواعد نظام سياسى قابل للحياة، ويستطيع تحمل العواصف والهزات، وأن يُفسح المجال للأصوات المعارضة والمخالفة في المجلس وليس الحجر عليها وتحجيمها، فالمعارضة داخل البرلمان وخارجه صمام أمان تقى الوطن من جراثيم وفيروسات الاتجاه الواحد، والصوت الواحد، والمعارضة ليست مرادفة للفوضى والعنف، فلها أصولها وثوابتها التي تتوخى في المقام الأول والأخير صالح البلد وناسه. كذلك فإن العبرة تكون بالاتساق وليس بالتناقض البين، فبعض النواب الذين افاضوا واستفاضوا في تعديد مساوئ الإعلاميين والصحفيين وبذاءاتهم هم أنفسهم مشهورون ومعروفون باستخدامهم ألفاظا نابية يعف اللسان عن ذكرها خلال اجتماعات ومناقشات اللجان النوعية، ولم نسمع عن توقيع عقوبة يُعتد بها على أحدهم، فالمبدأ كل لا يتجزأ، فمن يتكلم عن الانفلات الإعلامى عليه أن ينظر أولا إلى انفلاتات لسانه. وكما يقولون رب ضارة نافعة فإن ما وقع الأسبوع الماضى ربما يكون مناسبة يستحسن استغلالها لبيان شكل العلاقة المثالية أو المرغوبة بين البرلمان والإعلام، هل المرغوب أن يكون أهل الصحافة والإعلام لطفاء ظرفاء ولا يثيرون غبارا ولا زوابع، وأن يصبحوا كالماء لا لون ولا رائحة، وإن خالفوا تلك القاعدة فإن بانتظارهم بلاغات للنائب العام، والتشهير، والقتل المعنوى غير الرحيم. إن الإعلام بما فيه من سوءات ومخالفات ليس عدوا لا للبرلمان ولا للدولة فالجميع في خندق واحد. [email protected] لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي