رغبةً فى ترسيخ جذور الحكم الديمقراطى أكثر أو محاسبة السياسيين على ما اقترفت أيديهم من إهمال وفساد أقبل الناخبون فى زامبياوجنوب إفريقيا بحماس على صناديق الاقتراع قبل أيام لانتخاب رئيس الدولة وأعضاء البرلمان والمجالس المحلية فى الأولى وأعضاء مجالس البلديات فى الثانية،وبينما صدقت التوقعات ببقاء حزب الجبهة الوطنية الزامبى ورئيسه فى السلطة بأغلبية بسيطة أُصيب حزب المؤتمر الوطنى الجنوب إفريقى بأسوأ نكسة انتخابية منذ توليه الحكم عام 1994 ليؤكد الناخب الإفريقى مرةً أخرى أنه عندما تُتاح له الفرصة للتعبير عن رأيه بحرية فإنه لا يتوانى عن مكافأة الذى عمل بإخلاص لمصلحة شعبه ومعاقبة الذين انتهزوا الفرص للتربح والنهب. فى زامبيا وقف الناخبون فى طوابير طويلة أمام مراكز الاقتراع من قبل طلوع الشمس غير مبالين بالتعب طالما أن إرادتهم سيتم احترامها والنتائج لن يتم تزويرها بينما يتسول المرشحون والمسئولون فى الدول التى تُجرى انتخابات صورية أصوات الناخبين الذين يعزفون عن المشاركة.وليس هذا غريباً على زامبيا التى تُعتبر مثالاً يُحتذى لإفريقيا بإجراء انتخابات نزيهة لم يفز مرشح فيها إلاّ بفارق ضئيل عن أقرب منافسيه وسلَّم كل رؤسائها السلطة دون تأخير عند انتهاء ولايتهم حيث خسر قائد الاستقلال كينيث كاوندا أمام منافسه فريدريك شيلوبا عام 1991 ومايكل ساتا لحساب روبياه باندا سنة 2008 وباندا لصالح ساتا عام 2011 وفاز الرئيس الحالى إدجار لونجو فى انتخابات 2015 التكميلية على منافسه زعيم المعارضة هاكايندى هيشيليما بفارق 28 ألف صوت فقط ثم فى الانتخابات الأخيرة بنسبة 50.35% مقابل 47.67%،ومع ذلك طعن هشيليما فى النتيجة أمام المحكمة الدستورية بدعوى انحياز اللجنة الانتخابية للحكومة وعدم احتسابها أصواتاً كثيرة من حقه لكن يُحسب له أنه سلك الطريق القانونى ولم يدعُ أنصاره لاحتجاجات أو أعمال عنف. وفيما وُصف بيوم الحساب صوَّت الناخبون بشكل لافت لأحزاب المعارضة بجنوب إفريقيا ليفقد حزب المؤتمر الوطنى 8% من شعبيته وكثيراً من معاقله الانتخابية بما فيها (نيلسون مانديلا باي) التى ينتمى إليها كثير من قادة النضال ضد حكم الأقلية العنصرية البيضاء و(نكاندالا) مسقط رأس الرئيس جاكوب زوما الذى تهكم عليه مغردو التواصل الاجتماعى بقولهم إن نتائج الانتخابات تعنى أن المسيح قد عاد فى إشارة إلى تصريح له قبل عامين قال فيه إن حزب المؤتمر سيحكم حتى يعود المسيح، لم يُلق الناخبون بالاً لنضال الحزب الذى أسقط النظام العنصرى عام 1994 وأعطوا الأولوية لما يلاقونه فى معيشتهم من صعوبات فى إيجاد مسكن مناسب أو رعاية صحية أو خدمة تعليمية كريمة أو فرصة عمل بينما كبار قادته ينعمون بخيرات البلد وسط اتهامات بأنهم نهبوا نحو 50 مليار دولار من المال العام منذ تولى الحزب الحكم. الانتخابات المحلية التى فقد فيها المؤتمر سيطرته على ثمانى مدن أهمها جوهانسبيرج العاصمة الصناعية والتجارية وبريتوريا العاصمة السياسية والإدارية وكيب تاون ثانية أكبر المدن هى مقياس عمق الديمقراطية فى جنوب إفريقيا، وتراجع شعبية المؤتمر إلى 54% من 60% يعنى أن البلد فى طريقه للانتقال من حكم الحزب الواحد إلى حكم تحالف الأحزاب ويؤكد أنه لا يمكن لأى حزب أو بطل تحرر أن يعيش على إنجازات الماضى للأبد، كما تُعد هزة عنيفة لقادته ليفيقوا من سُباتهم ويعلموا أنهم لم يعودوا يضمنون أن تواصل الأغلبية السوداء السير وراءهم مغمضى الأعيُن لأن الناخبين أصبحوا يصوتون بناءً على القضايا التى تفرض نفسها على حياتهم وليس على جنس المرشح. ولا يُستبعد أن تزيد الخسارة الضغوط على الرئيس زوما للتنحى أو تُحدث انقساماً خطيراً بالحزب الذى لابد أن يشعر بقلق على مصيره فى الانتخابات العامة والرئاسية عام 2019 إذا لم يتم تدارك السلبيات بسرعة. يجب ألاَّ يطمئن الحزب على استمراره فى الحكم بينما الفساد والجريمة متفشيان ومعدل البطالة 27%،يرتفع بين الشباب إلى 37%، ومعدل النمو الاقتصادى هبط إلى الصفر ويتزايد الشعور بالإحباط بينما أنفق الرئيس من مال دافع الضرائب أكثر من 20 مليون دولار على تجديد منزله الريفي!.لذلك زادت وتيرة الاحتجاجات على عدم توافر الخدمات وفرص العمل من 44 احتجاجاً خلال الشهور الأربعة الأولى من عام 2015 إلى 70 خلال الفترة نفسها من 2016. وقد وعد قادة الحزب الناخبين بالإنصات إليهم بعناية ودراسة ما يقولونه بأمانة كما قال نائب رئيسه سيريل رامافوزا، لكن يبدو أن الأزمة الاقتصادية قد لا تمكنهم من إقناع الذين يرون أن حزب التحرر لم يفِ بوعوده لانتشال الملايين من فقرهم وأن هَم قياداته تحقيق المكاسب لأنفسهم وعائلاتهم. فلا عجب إذن عندما ينتزع التحالف الديمقراطى المعارض المزيد من أصوات الأغلبية السوداء فى الانتخابات المقبلة. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى