استجمعت وزارة الأوقاف قواها وشجاعتها وألقت عن عمد بقفاز التحدى فى وجه الأزهر الشريف، بإحجامها عن التنازل قيد أنملة عن خطبة الجمعة المكتوبة، معلنة تشبثها بها واستعدادها لخوض النزال حتى نهايته دفاعا عنها، لتندلع حرب البيانات والتصريحات بين المؤسستين العريقتين، ويقف المواطن مشدوها حائرًا ممزقا غير مستوعب ما يحدث بالضبط، ولا يدرى مَنْ المحق ومَنْ المخطئ؟ القرائن والدلائل الماثلة تنبئنا بأن لغة العناد، والتصعيد، وتصلب الرأى ستكون مقدمة على ما سواها فى علاقة الأوقاف والأزهر لحين انقشاع غمة « فتنة الخطبة المكتوبة» بعد فترة يصعب التنبؤ بما إذا كانت قصيرة أم طويلة. على كل وحتى بلوغنا على خير نقطة التهدئة والاتزان بين الجهتين يستوقفنا فى المعركة الحامية الوطيس بين الشيخين الطيب وجمعة الجوانب الصادمة التالية: أولا: أن الصراع المكتوم منذ مدة بين الأوقاف ومشيخة الأزهر ظهر على السطح ولم يعد سرًا يتهامس به الناس ويتندرون فى جلسات «النمنمة»، وإن بدا فى ذلك سوء فى نظر بعضنا فإنه يحمل بين ضلوعه فائدة عظمي، وهى أن تعرضه لضوء الشمس الساطع سيتيح معالجته فى مناخ تتوافر فيه الشروط الصحية، فالشفافية كفيلة بإذابة ما علق من رواسب واحتقانات بين الجانبين، وإصلاح ذات البين. ثانيا: أن الطرفين يخوضان «معركة صفرية» مكتملة الملامح والمعالم، ولن يخرج منها رابح وخاسر، بل ستكون نتيجتها المتوقعة إلحاق خسارة فادحة ومؤلمة بكليهما، ولن يقدرا على تعويض خسائرهما، وترميم علاقاتهما سريعا. الطرفان سيعانيان بحدة آثار فجوة تراجع الثقة والمصداقية فيهما، فالمواطن البسيط سينظر بعين الريبة والشك اليهما، وله عذره المعقول والمقبول، فهو يتابع باستغراب واندهاش التراشق والتلاسن الجارى بين المؤسستين الدينيتين، الأزهريون يتبرأون من جريرة وإثم الخطبة المكتوبة قائلين إنها بدعة ستصبح سببا فى خنق إبداع واجتهادات الأئمة «21 ألف خطيب أزهرى يعملون بالمكافأة بمساجد الأوقاف» . تسارع الجبهة الأخرى بالرد بأنها ليست كذلك، وتوجه سهام النقد الغليظة لمشيخة الأزهر وأنها المسئولة عن تخريج أجيال وأجيال من الإخوان والسلفيين الذين يتعذب المجتمع المصرى جراء فتاواهم وأفكارهم الغارقة فى التشدد والتطرف، ووصل الحال بمسئول فى الأوقاف إلى التصريح بالفم المليان بأن عدم التزام الإمام بالخطبة المكتوبة سيدرجه فى زمرة جماعة الإخوان الإرهابية وتوابعها من الجماعات المتطرفة الداعية لحمل السلاح ضد الدولة وقتالها، حينئذ ضع نفسك مكان المواطن وحدثنى بوضوح عن مقدار ثقتك وتصديقك لما يخرج منهما. بعدها أرجوك أخبرنى دون مواربة ولا خجل عن المصير المنتظر والمحتوم لتجديد الخطاب الدعوى الذى بح صوتنا فى المناداة به، فمن الطبيعى والوضع هكذا أن نتساءل وبإلحاح عن استطاعة الأزهر والأوقاف حمل مسئولية التوجيه والإرشاد لتغيير المفاهيم والمعايير المبنى عليها الخطاب الدينى غير المتوافق مع عصرنا ومستجداته وهما لا يستطيعان التوافق على أمر متعلق بشعيرة كصلاة الجمعة، فهذا يوجهنا يمينا، فى حين يصيح فينا الآخر تعالوا لليسار أنتم تسيرون فى الطريق الخطأ؟ كلاهما مختلف أيضا حول مَنْ هو صاحب الحق الأصيل فى حمل لواء الدعوة، الأزهر يؤكد ويجزم بأنه حامل اللواء بحكم الدستور، بينما يقسم أرباب الأوقاف بأغلظ الأيمان بأنهم هم المنوط بهم شرف حمله والذود عنه، وأن الخطبة المكتوبة ستخلص مصرنا من الأفاعى التى اختطفت المنابر والخطاب الدعوي، وأن الحق سيعود لأهله دون نقصان. فعوضا عن التحدث عن تكامل وتوحيد جهود مؤسساتنا الدينية على قلب رجل واحد نتعارك ونتصارع بشأن أحقية كل طرف فى الكلام باسم الدين، فذاك لعمرى قمة العبث والملهاة الدائرة حاليا فى وقت لا يكف فيه الخطاب الرسمى عن التنبيه وتأكيد ضرورة وقوف المصريين صفا واحدا، فالدولة فى وادٍ وبقية مؤسساتها فى واد ٍآخر. أبعد ذلك كله أتوجه للعامة ناصحا إياهم بالتعلق بأهداب التحاور والمجادلة بالتى هى أحسن، وتنحية الذات وإعلاء المصلحة العامة على الخاصة؟ بالله عليك مَنْ سيصدق ويقتنع، فالذين تُلقى على مسامعهم هذه العبارات البليغة الرنانة لهم أعُين يبصرون بها، ويرون أن القاعدة غير مطبقة وغائبة فى الخلاف المحتدم بين الأوقاف والأزهر، فقنوات الاتصال والتفاهم بينهما تقريبا مقطوعة؟ إن فتشنا حولنا لا نجد أحدا يتعاون عن طيب خاطر لتضييق المسافات المتباعدة بين المشايخ، ويجوز لنا طرح التساؤل المشروع الآتي: مَنْ هو الطرف الثالث المخول بالتحكيم بين الشيخين عند اختلافهما، وإلزامهما بما يقرره فى التو واللحظة، ودعونى ألحقه باستفهام آخر عن غياب صوت مفتى الديار المصرية عن «فتنة الخطبة المكتوبة»، أليس الرجل فى موضع يبيح له لعب دور حمامة السلام بين الطيب وجمعة، أو أن يدلنا على البر الذى نقف عليه؟ ياسادة إن بلادنا ليست محتاجة لمزيد من الفتن وشق الصف، فقبل أيام رأينا محاولات بث الانقسام بين المسلمين والمسيحيين، واليوم بين المسلمين وبعضهم البعض، فالمجتمع بهذا الشكل يتفسخ وينقلب إلى جزر معزولة يتمترس سكانها خلف الحصون والقلاع المنيعة، فابحثوا معى عمّنْ يستطيع كتابة كلمة النهاية السعيدة للحرب المستعرة بين شيخى الأزهر والأوقاف الآن وليس غدا. [email protected] لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي