إيمانا بضرورة أن يكون النقد بحق، والثناء بحق؛ وإعلاء لقيم الحق والعدل والإنصاف، وليس انحيازا للإخوان المسلمين؛ أتناول في هذا المقال شبهات أُثيرت حولهم، بعد أن وقع سوء تفاهم بينهم وبين بعض محبيهم. استغله حاقدون في تشويه صورتهم، ومحاولة جرهم إلى مستنقع الخطأ. مِن الانتقادات التي وُجهت إلى الإخوان التساؤل: لماذا لم تدعموا الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح في قراره بالترشح للرئاسة؟ وهذا لعمري سؤال ينطوي على تناقض، ففي الوقت الذي يحترم فيه قائله قرار الإخوان الأول بعدم ترشيح أحد الإخوان للرئاسة، يؤيد من خرق هذا القرار، فترشح برغم كونه "إخوانيا"؟ لقد أعلن أبو الفتوح ترشيح نفسه، وهو يعلم أنه محسوب على الإخوان، في جميع الأحوال، فإذا تركوه، وما أراد، طعن الجميع في مصداقيتهم، وهذا ما حدث، وإن أنكروا عليه، وصموهم بالانغلاق، وطعن في مصداقيتهم أيضا. والواقع أن عدم وقوف الإخوان مع أبي الفتوح جاء تأكيدا لمصداقيتهم، عندما أعلنوا أنهم لن يرشحوا إخوانيا، وخرق أبو الفتوح قرارهم المبني على الشورى، فلما تغيرت الأحوال إلى ما رأينا، تغير قرارهم بالتبعية، ودفعوا بإخواني في الدقائق الخمس الأخيرة من السباق. ليس من العيب أن يغير الإنسان رأيه، طالما غيره إلى ما هو خير منه.. الغبي -وحده- هو الذي يستمسك برأيه في هذه الحالة، وفي كل الأحوال. ولماذا غير الإخوان رأيهم أصلا؟ الإجابة: وهل يوجد في الشعب المصري كله، من لم يغير رأيه، ربما أكثر من مرة، خلال الفترة الأخيرة.. هل رأيك في المجلس الأعلى للقوات المسلحة الآن هو عندما اندلعت الثورة.. وهل رأيك فيمن حولك من السياسيين والأحزاب والقوى المختلفة الآن هو هو كما كان من قبل؟ وهل رؤيتك للأوضاع والأشخاص والتطورات هي هي كما كنت تراها قبل عام مثلا؟ الكثيرون غيروا رأيهم مرارا، وتكرارا.. بعضهم للأفضل، وبعضهم للأسوأ.. فلماذا نستثني الإخوان من "سنة التغيير" دون تخوين.. أعطيك مثلا لواحد منم، محسوب على الثورة، وكتب مقالا أمس الأربعاء 6 يونيو في الأهرام، بعنوان :"الرئيس أحمد شفيق". ولماذا لم يأخذ الإخوان القرار الصائب منذ البداية؟ سبحان الله.. وهل كانوا يعلمون الغيب؟ ألم يقل الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم :" قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ "(الأعراف:188)؟ إن "الإخوان" مؤسسة تُعلي من شأن الجماعة، وقراراتها بالشورى، وقياداتها بالانتخاب، ولا يستطيع مرشدها نفسه أن يتخذ قرارا دون رجوع إلى مجلس الشورى. وهذا الأسلوب المؤسسي يحرص عليه كل من تربى على فكر الإخوان، فإذا تولى قيادة مؤسسة من مؤسسات الدولة، فهو يستقيل من الجماعة، ليكون ولاؤه لجماعته المهنية، وتلك قاعدة أساسية عند الاخوان، وتسري عليهم بدءا من النقابات المهنية، وحتى الأوضاع الأسرية. وفي حالة الرئاسة فولاء الرئيس "الإخواني" للشعب المصري كله، مؤيديه ومعارضيه، ومرجعه مؤسسة الدولة كالحكومة والبرلمان والقضاء ومستشاروه في مؤسسة الرئاسة، وبالتالي من المستحيل أن يستبد برأيه، أو قراره. وأمامنا تجربة الدكتور محمد سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب.. هل رأيناه يستشير مرشد الإخوان في شئ، أو يرجع إليه في أمر.. أم رأيناه كثيرا ما يصطدم في الرأي والتوجه مع حزبه السابق نفسه، وهو مع ذلك يدير المجلس باقتدار، وتزداد كفاءته يوما بعد يوم. والأمر هكذا، امنحوا الإخوان فرصتهم لتولي السلطة التنفيذية في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ الوطن، وساندوا مرشحهم (مرشح الثورة) للرئاسة، خاصة أنه تعهد ببناء مؤسسة للرئاسة بخبرات وطنية تشمل نوابا ومستشارين ومساعدين، مع تشكيل حكومة ائتلافية تشترك فيها الاحزاب والقوي والكفاءات الوطنية. قال شيخ الإسلام إبن تيمية :"ليس الحكيم من علم الخير من الشر، ولكن الحكيم من علم خير الخيرين، وشر الشرين"..وأرى أن علينا -إن أصابتنا حيرة- أن نعمل بمقتضى هذه القاعدة الذهبية. [email protected] المزيد من مقالات عبدالرحمن سعد