مزيج من الصدمة وعدم الأمان هى الحالة التى يعانى منها غالبية الألمان حاليا بعد أن ثبت لهم بالدليل القاطع خلال الايام القليلة الماضية أن الإرهاب الذى ضرب باريس وبروكسل ونيس يمكن ان يضرب ايضا فورتسبورج وميونخ ورويتلنجن وأنسباخ واى مدينة ألمانية فى اى وقت ويحصد معه عشرات الضحايا. الخطر اصبح إذن واقعا ملموسا وليس مجرد سيناريو نظريا يتحدث عنه مسئولو اجهزة الأمن والإستخبارات من حين إلى أخر فى المؤتمرات الصحفية. ثم خرج وزير الداخلية دى ميزييرمطالبا المواطنيشن بالتعايش مع خطر الإرهاب فى حياتهم اليومية والتعامل معه بهدوء وإتزان ليزيد الطين بلة، والآن يشتعل الجدل فى ألمانيا حول كيفية التعامل مع خطر الإرهاب الداهم بجميع أشكاله وكيفية الحيلولة دون وقوعه ثم كيفية التعامل معه بعد وقوعه؟. المشكلة التى تواجه الألمان حاليا هى تنوع اسباب ودوافع الهجمات التى شهدتها البلاد خلال إسبوع واحد مما يصعب من مهمة تصنيفها وتحليلها ثم استخلاص النتائج منها. فاللاجيء الأفغانى الذى اعتدى بالسكين على ركاب القطار بالقرب من فورتسبورج ثبتت علاقته بتنظيم داعش وانه تبنى رغم حداثة عمره الفكر الجهادى التكفيري، ولم يندمج فى المجتمع الألمانى الذى وفر له الفرصة لبداية جديدة بل انه عاش وسط اسرة المانية دون ان يكتشف احد توجهاته المتطرفة. وقد فتح ذلك الباب لنقاش واسع فى المانيا حول ضرورة تطوير الحرب ضد إرهاب داعش وإيدولوجيته الدموية المتطرفة بين الشباب المسلم فى المانيا باستخدام وسائل الحرب الإلكترونية وصد هجمات التكفيريين ودعايتهم التى تطول الشباب عبر الشبكة العنكبوتية، فالقضاء على هذا التنظيم عسكريا فقط لا يكفى كما هو واضح. وفى ميونخ ظن الجميع فى البداية ان إطلاق النار العشوائى فى مركز التسوق الذى اسفر عن تسعة قتلى اغلبهم من الشباب لابد وان يكون عملا داعشيا تكفيريا إرهابيا، لتكتشف الشرطة سريعا وبفضل مقاطع الفيديو التى انتشرت عبر وسائل التواصل الإجتماعى هوية الشاب الألمانى الإيرانى الاصل ودوافعه التى لاعلاقة لها بالسياسة او التطرف سواء كان يمينيا كارها للأجانب او تكفيريا دينيا داعشيا، وانما بسبب مشاكله النفسية التى تفاقمت بسبب معاملة زملائه له وتعرضه للسخرية والبلطجة منهم . واندلع نقاش آخر مواز فى المانيا حول اسباب العنف بين الشباب بعد ان إتضح ان ديفيد على سونبولى كان مهووسا بعمليات القتل الجماعى كما تشهدها امريكا بإنتظام وكما شهدتها المانيا عدة مرات فى بعض المدارس ابرزها عملية ايرفورت عام 2009 عندما قتل طالب 15 مدرسا وتلميذا. المطالب ارتفعت داخل الحزب المسيحى الديموقراطى بضرورة حظر العاب الكمبيوتر العنيفة المنتشرة بين الأطفال والشباب التى تمجد العنف والقتل غير ان وزير الداخلية اعلن على الملأ انه ليس لديه حل لهذه المشكلة الإجتماعية واطلق نقاشا حول دور المجتمع نفسه فى ممارسة الرقابة الذاتية عندما طالب الالمان بالإنتباه واليقظة عند ملاحظة بوادر التطرف او العنف السلوكى بين الشباب فى محيطهم الإجتماعى وإبلاغ الشرطة! وهنا السؤال، هل يمكن فعلا الكشف عن كل من يميل للعنف ويخطط لمثل هذه الاعتداءات منفردا فى الخفاء حتى بعيدا عن أعين افراد اسرته كما فى حالة معتد ميونخ؟! ايضا تسبب حادث ميونخ فى جدل لا يزال مستمرا حول مدى الحاجة إلى نشر قوات الجيش فى المدن عند مواجهة خطر الإرهاب والبحث عن الجناة الهاربين, ويبدو ان هناك توجها لدى حكومة ميركل الإئتلافية لتنفيذ ذلك فى المستقبل رغم إعتراض المعارضة اليسارية التى ترى ان الشرطة كافية وان تواجوجودد الجيش فى المدن سيؤدى لزيادة مشاعر الخوف لدى المواطنين. المطلب الثالث الذى ارتفعت الاصوات مطالبة به بعد حادث ميونخ هو تشديد قوانين الاسلحة لأن ديفيد سونبولى استخدم مسدسا اشتراه عبر ما يسمى بالإنترنت الخفى وهو مجال غير مرئى للمستخدم العادى ويستخدم فى الأنشطة غير القانونية بعيدا عن اعين الرقابة والأمن. وهنا تعهد وزير الداخلية بتشديد قوانين حيازة الأسلحة ومحاولة توحيدها اوروبيا. النقطة الرابعة التى اثارها إعتداء ميونخ هو النقاش حول دور وسائل التواصل الاجتماعى التى ساهمت بلا شك فى تقديم معلومات قيمة الشرطة ولكنها تسببت ايضا فى تأخير عمليات البحث وتشتيت عمل قوات الأمن بعد ان انتشرت العشرات من الشائعات والمعلومات الخاطئة حول عدد الجناة وعن إطلاق نار فى مناطق اخرى من المدينة ما سبب فوضى وإصابات بسبب التدافع وحالة ذعر غير مبررة بين المواطنين. والخلاصة هى انه سيتم تشديد العقوبات على كل من يضلل الشرطة بنشر شائعات فى المستقبل. اما فى رويتلنجن فقد تسبب لاجئ سورى فى حالة من الرعب بعد ان قتل زميلته التى يحبها فى مطعم تركى بالساطور بعد شجار معها وخرج مهددا المارة واصاب اخرين قبل ان تدهسه سيارة وتعتقله الشرطة. رغم ان الدوافع هنا شخصية بحتة كما اكدت الشرطة إلا أن هذا الشاب لديه سوابق جنائية ومعروف لدى السلطات. وبعدها بساعات فجر لاجئ سورى اخر نفسه فمدينة انسباخ امام مدخل حفل موسيقى ليصيب كثيرين ويموت هو بتأثير العبوة الناسفة. وذكرت الشرطة انها تحقق فى دوافع الهجوم ولم يستبعد وزير داخلية بافاربا هيرمان ان يكون الاعتداء ذا خلفية تكفيرية جهادية ولكن هذا لم يتم التأكد منه بعد. الأكيد هو أن هذه اللاجيء كان يعانى اضطرابات نفسية وعولج فى مصحة نفسية مرتين كما انه حاول الانتحار مرتين والأهم هو ان طلبه للجوء تم رفضه فى العام الماضى ولم يتم ترحيله بعد. تورط لاجئين فى اعتداءات إرهاب وعنف بهذه الصورة اشعل جدلا موازيا فى المانيا حول مدى تاثير ذلك على مستقبل الائتلاف المسيحى الاشتراكى للمستشارة انجيلا ميركل ويرى المراقبون انه يصب مباشرة فى صالح اليمين الشعبوى وخاصة حزب البديل من اجل المانيا الذى استغل هذه الأعتداءات للترويح بشكل فج بين المواطنين لبرنامجه المعادى للمسلمين وللاجئين بل طالب قيادات الحزب الألمان بالإنتفاض ضد المسلمين واللاجئين فى المدن الالمانية! ومن المتوقع ان تلجأ الحكومة سريعا لتشديد قوانين اللجوء اكثر واكثر وان تقوم بترحيل عشرات الألاف من اللاجئين الذين رفضت طلباتهم وتحول البيروقراطية الالمانية دون إعادتهم من حيث اتوا. كما ستكثف الحكومة برامج الرعاية النفسية للاجئين الشباب والقصر الذين يجمع الإخصائيون الاجتماعيون هنا على ان كثيرين منهم يعانون من اضطرابات نفسية هائلة بسبب ما شاهدوه من فظائع الحرب فى بلادهم قبل المجئ إلى المانيا. ما يجعل عملية أدماجهم فى المجتمع الالمانى اكثر صعوبة مما تصورت المستشارة الألمانية وحكومتها عندما قررت فتح الحدود الألمانية امامهم.