في ظل حالة الحزن والغضب التى تسيطر على فرنسا بسبب الهجوم الارهابى الأخير على نيس، تجدد الجدل حول مدى فعالية الأجهزة الأمنية واستعدادها للتصدى لهجمات ارهابية فى المستقبل. فقد فتح كريستيان استروزي عمدة مدينة نيس المنكوبة النارعلي الرئيس فرانسوا اولاند والحكومة الاشتراكية واتهمهما بعدم توفير اجراءات الأمن اللازمة في يوم الاحتفال بالعيد الوطنى الفرنسي علي غرار تأمينها لكأس الأمم الأوروبية لكرة القدم المنتهي لتوه. وعاب كريستيان استروزي علي الرئيس عدم اتخاذه الاجراءات المناسبة خاصة أنه كان قد أعلن فى وقت سابق ان البلاد في حالة حرب ورفع حالة الطوارئ ،و تساءل استروزي اي اجراءات اتخذها الرئيس وحكومته لتأمين الفرنسيين من مخاطر تلك الحرب. وجاء رد وزير الداخلية مباشر علي اتهام استروزي المعارض مؤكدا فيه ان قوات الامن لم تتخاذل ولم تتراخ في تأمين اي منطقة في فرنسا. وقال لماذا لايقوم استروزي بكونه رئيس اقليم كوتدازور وعمدة لمدينة نيس بالغاءالاحتفالات بالعيد الوطني طالما انه كان يشك في الأداء الأمني خاصة وأن قانون الطوارئ يسمح له باتخاذ مثل هذا القرار؟ اما عن حالة الطوارئ ذاتها فهي نظام قوانين استثنائية عمل به عام 1955 خلال حرب الجزائر ويسمح للدولة بفرض الإقامة الجبرية على أي شخص يشكل خطرا على الأمن والنظام العام .كذلك يتيح للدولة القيام بعمليات مداهمة للمنازل سواء في الليل أو في النهار بدون استصدار إذن قضائي. وتتيح ايضا حالة الطوارئ للوزراء ومسئولي الإدارات المحلية أن يقرروا إغلاق صالات الاحتفالات وأماكن الاجتماعات بصورة مؤقتة وفرض حظر التجوال للمدة التي يرونها مناسبة وإقامة مناطق حماية أو مناطق أمنية تفرض فيها ضوابط على إقامة الأشخاص. والجدير بالذكر ان حالة الطوارئ قد اعلنها الرئيس فرانسوا اولاند ليلة اعتداءات 13 نوفمبر 2015ثم مددها البرلمان لثلاثة أشهر إضافية،وجددت من 26 فبراير إلى26 مايو، ومؤخرا تم تمديدها لشهرين حتي26 يوليو لحين الانتهاء من كاس أوروبا لكرة القدم واحتفالات بالعيد القومي، ثم جاء حادث نيس الماساوي ليعيد النظر في كيفية التعامل مع المستجدات ومكافحة الاٍرهاب . ومن ناحيته ،حاول رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس الدفاع عن حكومته مشيرا إلى أنه لم يكن هناك أي تقصير للأجهزة الأمنية في نيس خلال العيد الوطني وأن التدابير الأمنية لمواكبة إطلاق الألعاب النارية في مناسبة 14 يوليو هي نفسها التي اعتمدتها سلطات الامن خلال الاحتفال في نيس وخلال كأس أوروبا لكرة القدم . وأضاف رئيس الوزراء أن التحالف الدولي بقيادة واشنطن سيعزز قدراته العسكرية ضد تنظيم داعش وأنه سيسعى للتأكيد على ذلك خلال اجتماع وزراء دفاع دول التحالف المقرر عقده غدا(20 يوليو) فى واشنطن. وفي غضون ذلك، انتهزت المعارضة اليمينية وزعيمتها مارى لوبن الفرصة لتعيب علي النظام الحاكم بانه ترك المتشددين يتجذرون بالمجتمع وطالبت باقالة وزير الداخلية وكذلك انتقد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي النظام الحاكم واتهمه بالإخفاق التام في توفير الأمن للشعب. وقد طالب اولاند المتحدث باسم الاليزيه ووزير الداخلية والدفاع بالرد علي اتهامات المعارضة وشرح خطة الحكومة التي ستتبع خاصة في مجال الأمن واهم ملامحها: استدعاء لاحتياط من رجال الجيش بإعداد مبدئية قوامها 2000 عسكري لتكثيف الأمن الداخلي للبلاد بالاضافة الي تمديد حالة الطوارئ. ومن المقرر ان يناقش البرلمان بغرفتيه الإجراءات الاستثنائية التي ستتخذها فرنسا في إطار الطوارئ وما سيحل علي القوانين الفرنسية من تعديلات لتواكب حالة الاٍرهاب الذي تتعرض لها البلاد. وفي محاولة للأجابة عن سؤال: لماذا نيس؟ يشير المراقبون إلى انه فى هذا التوقيت من الاجازات السنوية تعد نيس منطقة دولية ليس فقط بسبب توافد المصيفين من جميع أنحاء العالم اليها ولكن بسبب أيضا وجود مختلف الجنسيات من المهاجرين العاملين والمقيمين فيها. ويري عبد السلام الدفراوى، المتخصص في شئون الجماعات الجهادية ، ان احد أهم الدوافع وراء حرص تنظيم داعش على تنفيذ مثل هذه الهجمات الإرهابية هو تفتيت نسيج الوحدة الوطنية للفرنسيين..مشيرا الي الضرورة الملحة لمعالجة المشكلة من جذورها وتعميق الانتماء والوطنية لدي الشباب الفرنسي وهذا يتطلب مقومات لابد ان تتخذها الدولة بجدية. واضاف الدفراوى، في حديثه لإحدي القنوات للتليفزيون الفرنسي ،أن مدينة نيس الساحلية تعد «وكرا» للجهاديين وقد سبق لها ان تعرضت لثلاث عمليات ارهابية كان اخرها الاعتداء علي ثلاثة جنود بسكين و اصابتهم بجروح في عام 2015 واشار الباحث الي ضرورة مساعدة الدول التي تكافح داعش والتطرف مشيرا الي ان الامر سيتطلب وقتا طويلا. والجدير بالذكر أن البرلمان الفرنسي صوت على قانون ،نشر في 4 يونيو في الجريدة الرسمية ، يهدف إلى «تعزيز مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب وتمويلهما وزيادة فاعلية الآلية الجنائية وضماناتها»..وعرض على أنه»يحل محل» حالة الطوارئ. ولم يتمكن فرانسوا اولاند من إدراج حالة الطوارئ في الدستور لعدم حصوله على مواقفة البرلمان لتعديل دستوري كان ينص أيضا على إسقاط الجنسية الفرنسية عن المدانين بأعمال إرهابية من حملة جنسيتين وهو تعديل دستوري أثار جدلا شديدا. ومازالت تداعيات الحادث مستمرة ومن المنتظر أن يلقي بظلاله الوخيمة علي الانتخابات الرئاسية المقبلة 2017.