«الوضع الاقتصادي للصحفيين».. خالد البلشي يكشف تفاصيل لقائه برئيس الوزراء    قطع مياة الشرب عن عدة مناطق بالجيزة (اعرف منطقتك)    بعد تثبيت سعر الفائدة.. ارتفاع سعر السبيكة الذهب وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الجمعة 24 مايو 2024    بعد قرار البنك المركزي.. سعر الدولار الأمريكي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية الجمعة 24 مايو 2024    حقيقة إطلاق النار على طائرة الرئيس الإيراني الراحل (فيديو)    بوقرة: الأهلي لن يتأثر بغياب معلول في نهائي دوري أبطال إفريقيا    بركات: مواجهة الترجي ليست سهلة.. ونثق في بديل معلول    خالد جلال: مدرب الترجي يعتمد على التحفظ    استقالة عمرو أنور من تدريب طنطا    أحمد غانم: هدف الجزيري ساهم بشكل كبير في تتويج الزمالك بالكونفدرالية    نقابة المهن الموسيقية تنعى شقيق مدحت صالح: «إنا لله وإنا إليه راجعون»    «صحة البرلمان» تكشف الهدف من قانون المنشآت الصحية    حزب الله اللبناني يعلن استهدف جنود إسرائيليين عند مثلث السروات مقابل بلدة يارون بالصواريخ    الجيش الإيراني يعلن النتائج الأولية للتحقيق في حادثة مروحية رئيسي    قرار يوسع العزلة الدولية.. ماذا وراء تصنيف الحكومة الأسترالية لميليشيات الحوثي كمنظمة إرهابية؟    مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: الحصول على العضوية الكاملة تتوقف على الفيتو الأمريكي    افتكروا كلامي.. خالد أبو بكر: لا حل لأي معضلة بالشرق الأوسط بدون مصر    أسعار الدواجن البيضاء في المزرعة والأسواق اليوم الجمعة 24-5-2024    يمن الحماقي: أتمنى ألا أرى تعويما آخرا للجنيه المصري    نداء عاجل من غرفة شركات السياحة لحاملي تأشيرات الزيارة بالسعودية    أوقاف القليوبية: توزيع 10 أطنان لحوم وسلع على الأسر الأولى بالرعاية    "فوز الهلال وتعادل النصر".. نتائج مباريات أمس بالدوري السعودي للمحترفين    هيثم عرابي يكشف تعليمات طلعت يوسف للاعبي فيوتشر قبل مواجهة الزمالك    منتخب مصر يخسر من المغرب في ربع نهائي بطولة إفريقيا للساق الواحدة    إصابة 5 أشخاص في انقلاب سيارة ربع نقل بصحراوي المنيا    إصابة فتاة إثر تناولها مادة سامة بقنا    خبطة في مقتل.. تفاصيل ضبط ترسانة من الأسلحة والمخدرات بمطروح    موعد إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية بالقليوبية    الأرصاد تتوقع تحسن الطقس وكسر الموجة الحارة    32.4 مليار جنيه قيمة التداول بالبورصة خلال جلسة نهاية الأسبوع    حظك اليوم برج الحوت الجمعة 24-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. فرصة للتألق    حظك اليوم برج الجدي الجمعة 24-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    حظك اليوم برج القوس الجمعة 24-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    وفاة شقيق الفنان مدحت صالح    أسماء جلال أنيقة وياسمين صبري بفستان عصري.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    حدث بالفن| نجاة فنانة من حادث سير وهيفاء وهبي تتصدر "التريند" بسبب التجاعيد    5 شهداء وعدد من الجرحى في قصف شقة سكنية وسط حي الدرج بمدينة غزة    لمستخدمي الآيفون.. 6 نصائح للحفاظ على الهواتف والبطاريات في ظل الموجة الحارة    الأحزاب السياسية: أكاذيب شبكة CNN حول مصر تتعمد تضليل الرأي العام.. تقرير    عاجل.. الموت يفجع الفنان مدحت صالح في وفاة شقيقه    «فيها جهاز تكييف رباني».. أستاذ أمراض صدرية يكشف مفاجأة عن أنف الإنسان (فيديو)    انتهاء فعاليات الدورة التدريبية على أعمال طب الاسرة    جيش الاحتلال يتصدى لطائرتين مسيرتين فوق إيلات    تحقيقات موسعة بواقعة ضبط أكبر شحنة كوكايين في 2024 ببورسعيد    انطلاق المؤتمر السنوي ل «طب القناة» في دورته ال 15    لجنة سكرتارية الهجرة باتحاد نقابات عمال مصر تناقش ملفات مهمة    محمد نور: خطة مجابهة التضليل تعتمد على 3 محاور    الفريق أول محمد زكى: قادرون على مجابهة أى تحديات تفرض علينا    رئيس الوزراء يناقش سبل دعم وتطوير خدمات الصحفيين    محافظ بورسعيد يشيد بجهد كنترول امتحانات الشهادة الإعدادية    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال    بالفيديو.. خالد الجندي: عقد مؤتمر عن السنة يُفوت الفرصة على المزايدين    قبل قصد بيت الله الحرام| قاعود: الإقلاع عن الذنوب ورد المظالم من أهم المستحبات    وزارة الصحة تؤكد: المرأة الحامل أكثر عرضة للإصابة بفيروس نقص المناعة البشرى    محافظ كفر الشيخ يتفقد السوق الدائم بغرب العاصمة    ما حكم سقوط الشعر خلال تمشيطه أثناء الحج؟ أمين الفتوى يجيب (فيديو)    رئيس الوزراء يتابع موقف تنفيذ المرحلة الثانية من منظومة التأمين الصحي الشامل    رجل متزوج يحب سيدة آخري متزوجة.. وأمين الفتوى ينصح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شخصيات أعماله تطلب منه الظهور للحياة
إبراهيم عبد المجيد:الكتابة «إرهاق جميل»
نشر في الأهرام اليومي يوم 19 - 07 - 2016

بعد عام على «ثورة يناير البهية»، وكانت الأحداث متلاحقة، ومضطربة، قال لى ذات جُمعة حاشدة: «.. من محاسن الثورة دى إنها بتخلينى أمشى كتير».
فى الميدان ظل منتشياً دائما، وابتسامته أعرض وأبقى، وحديثه أكثر ودَّاً وحميمية، على كل ما اشتهر به من مودة.
واصبح من علامات التحرير المضيئة، كما هو من أعلام الإبداع المميز. وكان يستمتع بالمشى والدردشة مع محيطه من الناس حيثما اتفق، وبذات البساطة والإقبال مع كافة الفئات.
وفى حوارنا هذا انتشى بذكر الثورة، أكثر من الحديث عن الجوائز، على أهميتها لأى مبدع، وراهن بقلبه على انتصار الحريات، وازدهار ثمارها فى القريب، أكثر من اطمئنانه لحيازة الأمان بمردود الجوائز.
الخلاصة عندى أن «إبراهيم عبدالمجيد»، كاتب أخلص للأدب، ومنحه عمره، فرد عليه الإبداع بما يستحق، ومواطن مهموم بمواجع الناس، فبادلوه محبة بمحبة، وخصص الليل طوال عمره للكتابة، فبادرته الجوائز تباعا فى وضح النهار.
البعض يعتبر الكتابة أكثر الأفعال أهمية فى حياة البشر، والإبداع أرقى أنواعها، فكيف تراها أنت؟
صحيح.. لكن الإبداع أنواع، وكل مهنة فيها إبداعها الخاص، وليس بالضرورة أن يكون الإبداع فنونا فقط، كل الأعمال، الهندسة، النجارة، الزراعة فيها إبداع، أي: مرحلة أعلى من الواقع قليلا، لأن طموح الإنسان يدفعه لجعل حياته أفضل، او على الأقل أكثر إرضاء للروح.
أما الكتابة فلها اهمية كبرى. والمبدعون عادة لا يتوافقون مع المجتمع - طبيعة روحية، لذلك ظلت المدينة الفاضلة أحد أحلام البشرية. اتفقت أو اختلفت مع افلاطون، تبقى هى محاولة لإيجاد عالم أفضل، والمدينة الفاضلة أخذت أشكالا مختلفة، مثل الاتحاد السوفييتى فى القرن العشرين، الذى سافر إليه كتاب غربيون ليتحققوا من وجوده، وبعضهم شجعه، وبعضهم انتقده بشدة، وكذلك فعلوا مع الصين، وظن البعض أنها فى بلاد البترول، كما أشرت فى روايتى «البلدة الأخرى»، وهى محاولات متصلة للبحث عن الأجمل من أجل الحضارة الإنسانية، منذ أيام الرسم فى الكهوف إلى الآن. فالبحث عن الإله نفسه فى تلك العصور، كان بحثا عن الأفضل، والإبداع لا يمكن أن يتوقف. وحين جاءت الأنظمة الشمولية بقمعها العنيف، ومثلها النازية، والفاشية، وما إلى ذلك، هرب المبدعون إلى أماكن أخرى ليستمروا فى الكتابة والمقاومة، لأن الإبداع أعظم سمات التاريخ البشري.
هل يمكن تخيل الحياة دون كتابة أو إبداع، وكيف تتصور شكل الحضارة الإنسانية دون الفنون؟
تصبح جحيما.. ومملة ورتيبة.. أذكر أن ناقدا ماركسيا قال فى كتاب له أن الرواية ستنتهى مع الشيوعية لأنها ستحل كل القضايا التى يتحدث عنها الأدب، وما حدث أن الشيوعية هى التى تعثرت، وازدهرت الرواية، فلا يمكن للإنسان أن يتوقف عن الكتابة، والحياة لا تُحتمل بدون الإبداع.
رحلتك فى الكتابة امتدت بطول 15 رواية وخمس مجموعات قصصية، وخمسة كتب أخرى تقريبا، رحلات ومقالات، كان آخرها «ما وراء الكتابة» الفائز بجائزة الشيخ زايد مؤخرا.. فأين يكمن الإرهاق فى الكتابة.. ومتى تجنى منها متعة التحقق؟
لايوجد إرهاق فى الكتابة، بالمعنى الدارج للإرهاق. على العكس، الكتابة إرهاق جميل، فالكاتب يرهق نفسه فى البحث عن شكل فنى جديد، وعن لغة مختلفة، ومعركته الرئيسية تكون مع الشخصيات أثناء الكتابة، لأنها أحيانا تستعصى عليه، واحيانا تريد الهيمنة والانفراد بالعمل، بعيدا عن إرادته، وهو يمتلك رؤية أخرى. ولا يجوز ان يخضع لها تماما، بل يجب ان يتحكم فيها، وإن أعطاها المدى الملائم لطبيعتها، هذا كله إرهاق جميل، فمثلا كنت قد كتبت روايتى «عتبات البهجة» بضمير الغائب، وبعدما أنهيتها أحسست أنها ليست جيدة، وغيرتها كلها بضمير المتكلم فأنارت وسطعت، مع أن ضمير المتكلم متعب جدا، وأرهقتنى فعلا، لكنى كنت سعيدا وكأنى «لقيت كنز»، وكذلك فعلت فى رواية «هنا القاهرة»، وأيضا رواية «الصياد واليمام», حيث كان البطل يستدعى الماضى بالفعل المضارع، وكأنه يحدث الآن، ويعبر عن الحاضر بالفعل الماضي، وهذا يدركه النقاد، والقارئ سيستمتع، لكن فى النهاية كل رواية يكون فيها تعبها الخاص، الذى أحب تسميته الإرهاق الجميل، وهو ما سجلته فى كتابى «ما وراء الكتابة» الفائز ب «جائزة الشيخ زايد»، لأنه عن تجربتى فى الإبداع، وكيف أبنى الشكل الفني، وهى أشياء يشترك فيها كل المبدعين. وأنا لا أكتب إلا فى الليل، ولم اشعر أبدا بتعب من السهر، وطوال عمرى أرى الفجر، وأشم أول الهواء النقي، وعموما أنا لا أكتب بقرار، بل أستجيب للشخصيات حين تطلب منى الظهور للحياة، وأذكر مرة أننى رأيت حلما غريبا فى منامي، وحين استيقظت كتبته كاملا كما هو، فأصبح قصة «تحت المظلة 2000» ونشرت فى الأهرام، ويبدو ان «تحت المظلة» ل «نجيب محفوظ» كانت ماشية فى روحى من زمان، ثم جاءت لى فى الحلم هكذا فكتبتها. فهل يمكن أن يكون كل هذا إرهاقا؟، لا.. إنها متعة فائقة، أو كما قال «يحيى حقي» أنها «تشعره بالجذل» وهو أعمق من الفرح.
أى رواياتك تشعرك أنها الأقرب للناس، وأيها الأبعد؟
المسألة ليست قريبة أو بعيدة، بل من يتلقى العمل؟، ومتى؟، فمثلا روايتى الأولى «فى الصيف السابع والستين»بدت عند صدورها تسجيلية، ومباشرة, بسبب ما تحتويه من مانشتات الصحف، والآن بعد أربعين سنة يقرأها الناس بشكل مختلف، وأحيانا الكاتب يخلط بين حبه للعمل ويتصور أن الناس تحبه كما يحبه هو، لكن هناك روايات تكون عابرة للزمن مثل «لا أحد ينام فى الاسكندرية»، وهى أكثر رواية أعيد طبعها ( فى اربع دور نشر)، ومنها طبعات مزورة كثيرة فى الشوارع، وترجمت إلى الفرنسية والإنجليزية والإسبانية، ومع أنى أحب روايتى «طيور العنبر» أكثر منها، لكن القراء أحبوا «لا أحد ينام فى الاسكندرية» اكثر، وكذلك الرواية السابقة عليها «البلدة الأخرى» (1991)، فقد كان يكتب عنها مقال كل أسبوع تقريبا فى أماكن متفرقة، وترجمت إلى الفرنسية والإنجليزية والألمانية، وظلت هكذا إلى ان جاءت «لا أحد ينام فى الاسكندرية» فى 1996 فانتقل الاهتمام إليها..
بالمناسبة. هل تزامنت «البلدة الأخرى» مع «نجران تحت الصفر» للأديب الفلسطينى «يحيى يخلف»، أم كانت لاحقة عليها، وهل ثمة تماثل بينهما؟
«نجران تحت الصفر» أسبق من «البلدة الأخرى» بعشر سنوات، والحقيقة أنها هى التى ألهمتنى فكرة «البلدة الأخرى». وجملتها الافتتاحية كما تعرف:«فُتح باب الطائرة.. فرأيت الصمت».. المكان هنا بطل.. والفراغ.. والصمت.. اللغة الخالية.. الصامتة.. الباردة.. «الميتة قوي».. كل هذا كلفنى كثيرا.. لكنى كنت سعيدا بالرواية وبالتجربة التى أبدعتها.
إلى أى حد يمكن أن يختلف الكاتب عن كتاباته، أو يتناقض معها، وهل يمكن أن يستشعره القارئ؟
ممكن جدا. لأن الكتابة برزخ بين السماء والأرض، ما بعد الكتابة وما قبلها يكون الكاتب على الأرض بين الناس، أما اثناء الكتابة فيكون بين شخصياته الروائية، وهم كلهم أسوياء حتى الأشرار منهم، لأنهم لا يؤذونه أبدا، أما بين الناس فواحد ينفعه، وتسعة يضرُّونه، والكاتب بطبيعة الحال يمتلك حساسية أعلى من غيره، ويختلط عليه الأمر أحيانا لأنه يعيش فى عالمه المتخيل، ويفاجأ أن العالم الواقعى «رذيل»، فيصبح انفعاله كبيرا ومفاجئا وسريعا، فمثلا كنت أرى «نجيب سرور» فى علاقاته الإنسانية خشنا جدا، بقدر ما كان مبدعا عظيما، والكاتب فى النهاية مسكين، والموهوب الحقيقى عنده حدود فى النهاية لا يتجاوزها، فلا يمكن أن يؤذى أحدا، ومن يفعلون ذلك هم «أشباه الكُتَّاب»، ويمكن جدا أن تجد كاتبا موهوبا ومؤذيا، لكنه استثناء نادر الوجود.
مشيت كثيرا أيام ثورة يناير، وحضرت كافة تداعياتها، فهل هذا هو الدور الطبيعى للأديب، أم أنه المواطن العادى الذى كان يتصرف بعفويته، أم أنهما معا؟
الاثنان معاً.. وأنا قضيت حياتى بالقرب من السياسة. فى البدايات مثل كل كُتَّاب جيلي، كانت لنا انتماءات سياسية، لكنى فضلت الكتابة الأدبية على السياسة، وإن ظللت أكتب مقالات عن الحريات والعدالة الاجتماعية. لذلك عندما رأيت أجيالا جديدة تفتح باب الثورة كنت معهم مباشرة فى كل الأحداث، والجُمع، وللآن كلما أظلمت الدنيا فى عينى أتذكر «ميدان التحرير» فى أيام مجده، كان اليوتوبيا، كنت آكل تمرة واحدة وأظل شبعان طوال النهار، ومهما يكن ما جرى، البذرة التى ألقيت فى الأرض ستنبت، لأن الناس لمسوا حلمهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.