منذ مايو 2014 وحتي اليوم يعيش لبنان بدون رئيس للجمهورية، بعد انتهاء ولاية الرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان،وترك مقعد الرئاسة شاغرا في قصر بعبدا، فلماذا يختلف الموارنة الذين يأتي منهم الرئيس حسب المتعارف عليه منذ استقلال لبنان مطلع الأربعينات في القرن العشرين وحتي اليوم، ولماذا يصر كل فريق من 8 و14آذار علي مرشحه، دون التنازل لمرشح الفريق الآخر؟ وهل صحيح أن منصب الرئيس اللبناني مرهون بمواقف إيرانوسوريا والسعودية وفرنسا وأمريكا، أم أن الداخل اللبناني المكون من 18طائفة قادر علي حسم الأمر بعيدا عن التجاذبات الإقليمية والدولية؟ وهل صحيح أن منصب الرئيس مرهون بحل الأزمة السورية؟ وهل يستطيع مجلس النواب اللبناني المكون من 128نائبا والممدد له مرتين عقد جلسة تاريخية لإنتخاب الرئيس بعد فشله خلال 40جلسة لإختيار الرئيس دون جدوي؟ وهل يستطيع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي رأس الكنيسة المارونية الضغط علي الزعماء الموارنة لحسم الأمر وإختيار أحد المرشحين لملء الفراغ الرئاسي؟ وهل يملك بابا الفاتيكان الذي تتبعه الكنيسة المارونية التدخل لحل المشكلة؟ لبنان هو الدولة العربية الوحيدة التي يكون رئيسها مسيحيا ومن الطائفة المارونية ، ومدة الرئاسة في لبنان 6سنوات مرة واحدة، وينتخب الرئيس بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولي، ويكتفي بالغالبية المطلقة النصف + واحد في دورات الاقتراع التالية ، ولا يجوز إعادة انتخاب نفس الشخص إلا بعد ست سنوات من إنتهاء ولايته، وتم خرق هذا الشرط في عهد الرؤساء بشارة الخوري وإلياس الهراوي وإميل لحود حيث تم التمديد لهم لنصف فترة رئاسية بعد تعديل الدستور. ولأن الموارنة في لبنان منقسمون بين فريقين أساسيين هما 8 و14آذار، فإن الإتفاق علي شخص الرئيس ليس سهلا ،لأن كل فريق يتمسك بمرشحه للرئاسة، بدعم داخلي وخارجي إقليمي ودولي ، ففريق 14آذار الذي يضم تيار المستقبل السني بزعامة رئيس وزراء لبنان الأسبق سعد الحريري صاحب أكبر كتلة نيابية، يضم أيضا من الموارنة حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع وحزب الكتائب اللبنانية بزعامة رئيس الجمهورية الأسبق أمين الجميل، وقد رشح 14آذار سمير جعجع للرئاسة في 2014 بدعم سعودي قطري. وفي الجانب الآخر فريق 8 آذار الذي يضم حزب الله وحركة أمل الشيعية بزعامة رئيس مجلس النواب نبيه بري، ويضم من الموارنة التيار الوطني الحر بزعامة العماد ميشال عون، وتيار المردة بزعامة النائب سليمان فرنجية، وقد رشح 8 آذارفي بداية شغور المنصب العماد ميشال عون للرئاسة بدعم سوري إيراني . ورشح زعيم الدروز النائب وليد جنبلاط، النائب الماروني شارل حلو كشخص وسطي لتولي المنصب. وخلال العام الثاني للشغور الرئاسي، ولكسر حدة الجمود في إنتخاب الرئيس فاجأ زعيم تيار المستقبل سعد الحريري الجميع بترشيح شخص من الفريق المنافس لفريقه - 14آذار- وهو زعيم تيار المردة الحليف القوي في 8 آذار زعيم تيار المردة النائب سليمان فرنجية الصديق المقرب من بشار الأسد، وجاء رد الفعل السريع بدعم السعودية - التي كانت تدعم جعجع- وفرنسا وأمريكا وجنبلاط وبري لترشيح فرنجية ، ويعود بروز اسم فرنجية كمنقذ للوضع الجامد في إنتخابات الرئاسة، إلي دور زعيم الدروز وليد جنبلاط ورئيس حركة أمل رئيس مجلس النواب نبيه بري، في بلورة الفكرة التي سرعان ما دعمها الحريري، ولكنها زادت من حدة الإنقسام الماروني حول منصب الرئيس، ليظل المنصب شاغرا لعدم إتفاق الموارنة، وتشتت الجهود والتوافق بين 8 و14آذار، والسعودية وقطر وإيران والأسد وفرنسا وأمريكا. وفيما إعتبر عون وحزب الله أن مبادرة الحريري بترشيح ودعم فرنجية ماهي إلا محاولة لشق الصف في فريق 8 آذار الموالي لإيرانوسوريا والمقاومة ، حسبها جعجع طعنا في الظهر من حليف كبير في 14آذار التي ينتمي إليها. ولم تفلح زيارة فرنجية إلي عون ومن بعده السيد حسن نصر الله في تغيير موقفيهما من ترشيح عون للرئاسة حتي آخر نفس حسب قول نصر الله، حيث قال فرنجية لنصر الله: أراها فرصة لنا ولفريقنا، من خلال إقرار الفريق الآخر- تيار المستقبل-، بترشيح واحد منا لرئاسة الجمهورية، وأنه في حال تبيّن أن الفريق الآخر لا يريد السير بالعماد عون، وهم في المقابل يعرضون دعمي، فإلي متي سننتظر، وما هو الحد الزمني، وما هي الخطة البديلة؟ ورد السيد نصر الله قائلا :نحن لم ننظر يوماً إليك كما ننظر إلي الآخرين، أنت حليف جدي وموثوق من قبلنا، ونحن لا نخشي علي أنفسنا منك، بل إنك لا تعرضنا لأي نوع من الابتزاز، وتتمسك بمواقفك دائماً إلي جانبنا، وأنت حليف وشريك، ونحن نفضلك في أشياء كثيرة علي كثير من الآخرين، مؤكدا موقف الحزب من ضرورة وحدة التحالف السياسي الذي يجمعه مع العماد عون وفرنجية وحركة أمل والحلفاء. ولم يعط الحزب فرنجية أي تعهد أو موقف حاسم، لأنه متمسك بترشيح العماد عون، و لا يري ضرورة للقيام بأي خطوة قبل أن ينتهي الطرف الآخر من إنجاز ما وعد به، لناحية الإعلان الرسمي عن الترشيح، وتأمين توافق فريق 14 آذار علي هذا الموقف. ولأن المرشح الرئاسي عن 14آذار سمير جعجع إعتبر ترشيح الحريري لفرنجية طعنة في الظهر من حليفه في 14آذار، فقد قام بخطوة إستباقية لوقف تقدم حظوظ فرنجية في الرئاسة بالتعاون مع عون وإعلان دعمه للرئاسة من خلال إتفاق بين الخصمين اللدودين عون وجعجع ردا علي ترشيح الحريري لفرنجية. ولكن لماذا تراجع رئيس مجلس النواب وزعيم حركة أمل الشيعية والحليف القوي في فريق 8آذار نبيه بري عن دعم مرشح فريقه العماد عون للرئاسة، ووافق علي ترشيح فرنجية؟لأن العماد عون هاجم مجلس النواب كثيرا ووصفه بأنه غير شرعي بعدما تم التمديد للمجلس مرتين، بعد تاجيل الإنتخابات النيابية في 2013، وهو مادفع بري إلي القول :كيف يطلب عون دعمي وهو يعتبرني غير شرعي؟ وبالرغم من دعم الحريري لفرنجية وكذلك دعم بري وجنبلاط وفرنسا وأمريكا والسعودية، لم يحظ فرنجية بدعم المارونيين- جعجع وعون والجميل - فعون يصر علي الوصول للرئاسة بصفته ممثلا لأكبر كتلة مارونية في الشارع ومدعوم من حليفه القوي حزب الله وسورياوإيران، وأحد خصوم الأمس سمير جعجع ، والجميل ينتظر ما سوف تسفر عنه اللقاءات والتفاهمات وربما المكاسب أيضا، وبذلك يظل المرشحون الذين يمثلون الموارنة «كعب داير»بين الفرقاء والتيارات السياسية المؤثرة والحاكمة في لبنان. البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي رأس الكنيسة المارونية ،من الزعماء الموارنة التوافق فيما بينهم علي إسم مرشح واحد وسرعة إنتخابه حتي لاتظل الدولة بلا رأس، وقام بزيارة للفاتيكان لم تسفر عن شىء في الملف الرئاسي حيث يحرص بابا الفاتيكان علي ضرورة حل المشكلة لبنانيا بعيدا عن التدخلات والإملاءات الخارجية ، ولم يتخذ الراعي موقفا محددا تجاه مرشح بعينه، مما يزيد من حظوظه في الوصول لقصر بعبدا. أما إيرانوسوريا فقد أعلنتا أكثر من مرة أنهما توافقان علي مايوافق عليه اللبنانيون، وهما تدركان أن ذلك لن يحدث دون موافقة طهران ودمشق. أما السعودية، فقد بدلت موقفها الداعم لجعجع رئيسا للجمهورية وأيدت ترشيح فرنجية بالرغم من علمها أن فرنجية من فريق 8 آذار المدعوم إيرانياوسوريا، وربما فعلت السعودية ذلك لتسهيل عودة حليفها في لبنان سعد الحريري إلي السراي الحكومي رئيسا للوزراء، بالرغم من إعتراض حزب الله علي عودة الحريري لرئاسة الحكومة. وبالرغم من الجفوة التي حدثت بين بري وعون بسبب مهاجمة الأخير لمجلس النواب ووصفه بغير الشرعي، قام عون بزيارة مفاجئة لبري خلال عيد الفطر للتهنئة بالعيد، وإذابة الجليد مع أستاذ السياسة اللبنانية وكبيرها كما يقال، في محاولة لإزالة الخلاف مع حليف قوي يحتاج دعمه للوصول إلي مقعد الرئيس. فهل ينجح عون في كسب ود بري، وبالتالي الحريري وجنبلاط ، أم أن الأمور ستظل علي ماهي عليه حتي يقول الآخرون كلمتهم التي قد تتأخر كثيرا نظرا لعدم حسم الأمر في سوريا واليمن، وعدم التوافق السعودي الإيراني، بالرغم من التأييد الواضح من السعودية وفرنسا وأمريكا لترشيح فرنجية وليس عون للرئاسة؟.