أول ما يتبادر إلي ذهنك حينما تسمع كلمة تقييم هو ارتباط هذا المصطلح بالغرب، لكنه هذه المرة يأتي من الداخل من قلب افريقيا، من الأفارقة أنفسهم. ففي عام 2003 وعقب اطلاق مبادرة النيباد، انبثقت عنها آلية جديدة هدفها تقييم الأداء السياسي والاقتصادي للدول الافريقية، وعرفت هذه الآلية باسم «آلية مراجعة النظراء» ، وكان الهدف الاساسي منها اثبات قدرة القارة علي تقييم نفسها، والتحسين من ادائها بمعزل عن تدخل الغرب، لذلك فالانضمام لها يكون طواعية، اي بمحض ارادة الدولة، وحتي الان انضم لها 37 دولة افريقية، ولكن بسبب الاوضاع السياسية المتلاحقة التي تعرضت لها القاهرة فقد تأخر خضوعها لعملية التقييم. وبعد استكمال الاستحقاقات الدستورية زار مصر مؤخرا جوزيف تسانج عضو الالية الافريقية لمراجعة النظراء للتأكد من مدي استعداد وجاهزية الدولة للتقييم. «الاهرام» التقاه للتعرف علي معايير التقييم والجدوي منه.. وفيما يلي نص الحوار: كيف ستتم عملية التقييم؟ اولا، سبب مجيئى هنا هو التحضير لبعثة التقييم، لكن قبل ذلك علينا التأكد من وجود رغبة حقيقية لدي الدولة للتقييم والتعاون معنا، وهو ما لمسته خلال لقائي بالمسئولين في مصر، وعلي رأسهم الرئيس عبدالفتاح السيسي، وكذلك بحث افضل السبل لمساعدة القاهرة علي البدء في إنشاء المؤسسات الوطنية المنوط بها المشاركة في عملية التقييم الذاتي لاداء الدولة في مجالات الحكم الرشيد، اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، وتشمل ثلاث مؤسسات هى اولا: المجلس الوطني ويتشكل من 30 شخصا يمثلون جميع طوائف المجتمع من الوزارات ورجال اعمال وصحفيين واحزاب، وطلبة، وممثلين لمنظمات المجتمع المدني. وثانيا: السكرتارية الوطنية المسئولة عن الشق الفني والاداري لمساندة عمل اللجنة الوطنية، وثالثاً: نقطة الاتصال المعنية بتمثيل الدولة في الآلية ويتولي فيها تمثيل رئيس الجمهورية السفير اشرف ابراهيم مساعد وزير الخارجية لتيسير النيباد وهي نقطة قائمة بالفعل. وعلي أي أساس يتم التقييم؟ يتم التقييم علي عدة مراحل: اولاً تقوم الآلية الافريقية لمراجعة النظراء بارسال استبيان مكون من اكثر من 100 ورقة يتعين الاجابة عنه من قبل لجنة التقييم الوطنية لمعرفة وضع الدولة فيما يتعلق بالديمقراطية، والفساد، والتأكد من عدم وجود انتهاكات لحقوق الانسان، الي جانب كيفية ادارة الاقتصاد، والتسهيلات التي تقدمها الدولة للقطاع الخاص لتحسن مناخ الاعمال، وكيفية التعامل مع العقبات التي تواجه المستثمرين، فضلا عن تعامل الدولة مع الفقراء والخدمات التي تقدمها لهم للحد من الفقر. وما هي نوعية الأسئلة التي يتضمنها الاستبيان؟ منها ما يتعلق بالحريات مثل حرية الصحافة، و مدي استقلاليتها، سلطات الرئيس والبرلمان، ومدي احترام القانون، ودور الأحزاب السياسية، والأوضاع الاقتصادية في الدولة، وتأثيرها علي المجتمع، ومدي تجاوب الدولة مع متطلبات المواطنين. وما الذي يضمن نزاهة التقييم مادام هو ذاتيا من قبل الدولة نفسها؟ نحن لسنا بلهاء حتي نخدع، التقييم الذاتي هو إحدى مراحل التقييم لكننا لن نكتفي به، وانما من خلال الاجابة عن الاستبيان سنقوم بارسال بعثة للدولة لمطابقة ما جاء في التقرير بالواقع، كما سنطابق الاجابات بالاتفاقيات التي وقع عليها البلد لمعرفة هل يحترم البلد ما وقع عليه أم لا، وهل ترجم ما جاء فيها الي واقع حقيقي، وكيف تم تطبيقه، فنحن لا نخترع شيئا.. فقط نحلل ما جاء في التقرير، ونقوم بدورنا بتقديم التوصيات التي تساعد الدولة علي التحسين من ادائها، فهدفنا في النهاية ليس توجيه اللوم او الادانة، ولكن معرفة نقاط الضعف والعمل علي حلها، والاستفادة من تجارب الاخرين. ونحن مدربون جيدا، ونتمتع بمصداقية، ففي جيبوتي مثلا لم نكتف بما جاء في التقرير ونزلنا للناس في الشوارع وتحدثنا معهم عن مدي رضاهم عن اداء الدولة، وفي كينيا قدمنا لهم التوصيات ونصحناهم بتنفيذها والا سيؤدي ذلك لايجاد مزيد من المشكلات. وماذا يكون رد فعل القادة هل يتقبلون النقد والتوصيات؟ نعم.. فمثلا في حالة الجزائر عندما قدمنا توصياتنا في نهاية التقرير انزعج الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وقال لنا: «ما هذ الكم من التوصيات؟ قل لي توصية واحدة وسأنفذها « فطلبنا منه اعطاء نسبة اكبر للنساء في البرلمان و بالفعل تجاوب الرئيس ووافق علي الفور بان تمثل المرأة بنسبة 50% و هو يعتبر انجازا كبيرا نظرا لطبيعة المجتمع هناك، واختلاف نظرته للمرأة، فلم يكن هذا امراً سهلا، حتي النساء لم تكنّ مستعدات له لذلك وصلت نسبة المشاركة الي 30% ، وهو احد المكاسب التي تحققت للنساء في الجزائر. وكيف تتأكدون من أن توصياتكم أخذت بجدية من قبل الدولة بعد رفع التقرير النهائي؟ بالطبع الهدف من التقييم هو نقل التجارب الجيدة للدول الاخري لتستفيد منها، بالاضافة الي تسليط الضوء علي نقاط الضعف لمعالجتها، لذلك ففي نهاية التقرير لن نكتفي فقط بتقديم التوصيات، وإنما ستشكل خطة عمل وطنية لتنفيذ ما جاء من توصيات وتوضح فيها تكلفة عملية الاصلاح التي وضعتها الدولة للتحسين من ادائها، وبعد عام علي الدولة ان تقدم تقريرا آخر عن التقدم المحرز في هذه الخطة، تعرض فيه ما تم انجازه ويقدم لآلية مراجعة النظراء، فنحن لا نضع التوصيات لتحفظ في الادراج ولكن لتضع الحلول للمشكلات التي تواجه الدول الافريقية الاعضاء و تترجم الي اصلاحات علي ارض الواقع. ومن الذي يدفع تكلفة عملية الاصلاح؟ الدولة الخاضعة للتقييم هي التي تضع ميزانية لتكاليف عملية الاصلاح، فمن مصلحتها ان تنفذ تلك التوصيات لانها ستكون بمثابة شهادة امام العالم بأن الدولة تسير علي الطريق الصحيح فيما يتعلق بالحكم الرشيد، والاداء الاقتصادي، وكلها تعد حوافز لجذب الاستثمارت والتمويل لهذه الدول، وحتي الان خضعت 20 دولة لعملية التقييم من بين 37 عضوا في الآلية الافريقية لمراجعة النظراء.