لم يقل تقرير تشيلكوت حول قرار بريطانيا غزو العراق إلى جانب أمريكا والحجج التى استخدمت لتبرير ذلك والقرارات التى أعقبت الحرب، لم يقل التقرير حرفيا إن رئيس الوزراء البريطانى الأسبق تونى بلير «كذب» لتبرير التحرك بدون قرار من الأممالمتحدة وشن حرب كان من الممكن تجنبها، لكنه اتهم بلير «بالمبالغة» و«عدم تدقيق الأدلة الاستخباراتية» و«عدم كشف كل الحقائق» و«إخفاء معلومات» على رأسها أنه وعد الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش بالدخول معه فى الحرب قبل 8 أشهر كاملة من شن الحرب وقبل أن يأخذ بلير تفويضا من البرلمان البريطاني. ويقول التقرير إن حرب العراق «كانت حرب اختيار» و«ليست حرب إجبار»، موضحا أن خطر النظام العراقى السابق تم المبالغة فيه من أجل تبرير التحرك دون استنفاذ كل السبل السلمية للحل. ويعطى التقرير، الذى ينظر فى دور بريطانيا فى الحرب وملابساتها ودورها فى العراق بعد الغزو بين 2001 و2009، يعطى صورة عن «حالة العجلة» و«التسرع»، لإتمام الغزو على الرغم من رفض غالبية دول العالم والرأى العام الغربى والبريطاني. ويتحدث التقرير بإستفاضة عن الخطايا التى ارتكبت قبل الحرب وخلال التجهيز لملفها وبعد شنها وإطاحة نظام الرئيس العراقى الأسبق صدام حسين، وصولا لمرحلة إدارة العراق ما بعد الغزو. ويمكن تلخيص الخطايا الأساسية فى 10 خطايا هي: أولا: التدخل العسكرى لم يكن الخيار الأخير يقول تشيلكوت فى تقريره إن حرب العراق كانت حرب «اختيار» وليست «إجبارا»، موضحا أن لندن وواشنطن شنتا الحرب على العراق قبل استنفاذ كل فرص الحل السلمى التى اقترحها مفتشو وكالة الطاقة الذرية لمواصلة عملهم فى العراق بحثا عن أسلحة الدمار الشامل فى العراق، والتخلص منها إن وجدت. ويوضح أن خطر النظام العراقى «لم يكن وشيكا». وأنه قبل الغزو، انتهجت الحكومة البريطانية استراتجية «الإحتواء» ضد العراق عبر نظام عقوبات. ويقول إن هذه الاستراتيجية كان يمكن انتهاجها ومواصلتها لبعض الوقت لكنه بدلا من مواصلة المساعى الدبلوماسية، استخدمت الدبلوماسية للتجهيز للحرب. ويوضح أن بريطانيا بشن الحرب دون دعم من مجلس الأمن الدولي، قوضت سلطة الأممالمتحدة. ثانيا: الأرضية القانونية للغزو «أبعد ما تكون عن مرضية» مع أن التقرير لا يستخلص بلغة واضحة إى إستنتاجات حول «قانونية قرار الحرب» لأن تقرير تشيلكوت ليس قضائيا أو قانونيا، إلا أنه يقر «أن الظروف التى تقرر فيها أن هناك أرضية قانونية لعمل عسكرى بريطانى فى العراق كانت أبعد ما تكون عن مرضية». فالمدعى العام بيتر جولدسميث، الذى كان آنذاك كبير المستشارين القانونيين لحكومة بلير، قال فى 13 مارس 2003 إن هناك «أساس قانوني» لعمل عسكرى ضد العراق. لكن هذا الأساس القانونى مرهون ب»قرار سياسي» وهو أن يكون بلير نفسه مقتنعا وواثقا من أن العراق انتهك قرار مجلس الأمن رقم 1441 والذى أعطى العراق إنذارا أخيرا للامتثال للمطالب الدولية بشأن نزع أسلحة الدمار الشامل التى لدى العراق. وكان رد بلير «أنا مقتنع» أن العراق انتهك القرار 1441. لكن تشيلكوت يلاحظ فى تقريره أن رسالة بلير إلى مكتب جولدسميث كانت «روتينية»، و»أرضيتها القانونية لا تزال غير واضحة». كما يقول إن أعضاء الحكومة لم يعطوا فرصة كافية لتقييم المشورة القانونية. كما يوضح أن جولد سميث كان ينبغى أن يطالب بتقديم أدلة مكتوبة تشرح كيف أنه فى غياب دعم أغلب الدول الأعضاء فى مجلس الأمن، يمكن لبلير اتخاذ قرار الحرب». ويقول تشيلكوت إن هذه النقطة إحدى النقاط التى كان ينبغى أن تناقشها الحكومة لكنها لم تفعل. ثالثا: الأدلة الاستخباراتية التى قدمت لتبرير الحرب لم تكن قوية يقول تشيلكوت إن ما يعرف ب «ملف سبتمبر» حول القدرات العسكرية العراقية، والذى قدمه بلير للبرلمان البريطانى فى 24 سبتمبر 2002، قدم بدرجة من اليقين لم يكن لها ما يبررها. ويوضح فى تقريره:»الأدلة الاستخباراتية لم تثبت بما لا يدع مجالا للشك ان صدام حسين استمر فى انتاج الأسلحة الكيماوية والبيولوجية أو واصل الجهود الرامية إلى انتاج رؤوس نووية». وأن لجنة الاستخبارات المشتركة البريطانية «كان يجب أن تجعل تلك النقطة واضحة لبلير، الذى قال آنذاك إن برنامج العراق لإنتاج أسلحة الدمار الشامل كان «نشطا وواسعا وينمو». وهو يقين يرى تشيلكوت «أنه ليس هناك ما يبرره». ويوضح تشيلكوت أنه ليس هناك دليل على أن مكتب بلير أثر على نص تقرير الاستخبارات، غير أنه أضاف أن «الاعتقاد السائد أن مبالغة بلير فى قوة وصلابة المعلومات الاستخباراتية أدت إلى إرث مدمر»، مشيرا إلى أن الأدلة الاستخباراتية لم تواجه تحديا أو تمحيصا من الحكومة. رابعا: سوف أكون معك مهما كانت الظروف قال بلير لبوش فى مذكرة بتاريخ 28 يوليو 2002 «سوف أكون معك مهما كانت الظروف». فى هذه المذكرة سعى بلير لإقناع بوش بالاعتماد على الأممالمتحدة لبناء تحالف دولى للتحرك ضد العراق. إلا أن تقرير تشيلكوت يخلص إلى أن تعهد بلير المبدئي:«موضع بريطانيا على الطريق المؤدى للأنشطة الدبلوماسية فى الأممالمتحدة جنبا إلى جنب مع احتمالات المشاركة فى عمل عسكري، مما أدى لاحقا إلى صعوبة فى سحب بريطانيا دعمها لامريكا». ويؤكد التقرير أن المذكرة التى يتعهد فيها بلير بالوقوف مع بوش بغض النظر عن الظروف لم يناقشها بلير أو يتفق عليها مع زملائه فى الحكومة. خامسا: إعداد بريطانيا لما بعد الحرب كان كارثيا قال تشيلكوت فى تقريره إنه يرفض قول بلير إن الصعوبات التى واجهتها القوات البريطانية فى العراق بعد سقوط صدام حسين كان من الصعب معرفتها أو التنبؤ بها مسبقا. ويؤكد ان إعداد وتجهيز القوات البريطانية فى العراق كان أقل بكثير من حجم التحديات، مشيرا مثلا إلى أن نقص العربات المدرعة لحماية الجنود البربطانيين لم يكن ينبغى السكوت عليه. كما أن القوات البريطانية فى جنوبالعراق لم يكن لديها القدرات العسكرية أو المدنية للوفاء بالتزاماتها. وقال إنه لم يكن هناك تقييم واسع لحجم المخاطر مقدما، منتقدا جوانب جوهرية فى الاستراتيجية، واصفا الغزو كله بمثابة «فشل استراتيجى ». سادسا: تجاهل التحذيرات الدولية يقول تشيلكوت إنه بالرغم من كل التحذيرات الصريحة لبلير والحكومة من الآثار المترتبة على الغزو، إلا أنهم استخفوا بما يمكن أن يترتب على غزو العراق، خاصة سيناريوهات التطرف والإرهاب وظهور جماعات جهادية. كما يرفض إدعاء بلير أنه لم يكن من الممكن التنبؤ بالتمرد الدموى والجماعات المتطرفة التى ظهرت فى أعقاب سقوط نظام صدام حسين، موضحا أن مخاطر الصراع الداخلى فى العراق والمساعى الإيرانية للإستفادة من الوضع الجديد وعدم الاستقرار الاقليمى واستغلال تنظيم «القاعدة» لحالة الفوضي، كل هذه المخاطر كانت واضحة قبل الغزو. ويخلص تشيلكوت إلى ان الحكومة فشلت فى تحقيق أهدافها المعلنة فى العراق. سابعا: تجاهل امريكا لنصائح بريطانيا يشير تشيلكوت إلى أن بوش تجاهل نصائح الحكومة البريطانية فيما يتعلق بالتخطيط لما بعد الحرب. ويوضح التقرير إنه فى حالة بعد حالة، ظهر تجاهل الإدارة الامريكية للمشورة البريطانية لادارة مرحلة ما بعد الغزو، بما فى ذلك أفكار لإشراك الأممالمتحدة فى إدارة العراق، وتوزيع عائدات النفط العراقي، والترتيبات الأمنية لما بعد الغزو. ويخلص إلى ان بريطانيا لم يكن لها تأثير على إدارة ما بعد الحرب، فقد عينت امريكا السفير بول بريمر لإدارة المرحلة الانتقالية، ولم يكن لبريطانيا صوت فى قرارات أساسية اتخذها بريمر بما فى ذلك حل الجيش العراقى وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وهى القرارات التى أدت إلى شعور سنة العراق بالتهميش وعززت لديهم مشاعر التمرد. ويخلص تشيلكوت:«ظل التواصل بين بلير وبوش. لكن بريطانيا على الأرض لم يكن لها دور فى اتخاذ القرارات اليومية». ثامنا: التكلفة البشرية يوضح تشيلكوت أن الحكومة البريطانية لم تسع بجد لتقليل الخسائر فى صفوف المدنيين فى العراق، وأنها كانت مهتمة ب «دحض الاتهامات» ضدها فيما يتعلق بالمسئولية عن مقتل أعداد كبيرة من العراقيين، أكثر مما كانت مهتمة بالحد من الأسباب التى أدت إلى سقوط الأعداد الكبيرة من المدنيين. تاسعا: حصاد الفشل يقول تشيلكوت إنه فى النهاية لم تحقق بريطانيا أى هدف معلن لها من غزو العراق. فعندما غادرت القوات البريطانية بحلول 2009، كان العراق يشهد انقسامات طائفية عنيفة، وكان الوضع هشا جدا فى البصرة، وهناك صراع حول عوائد النفط، وفساد مستشر فى الأجهزة والوزارات العراقية، ولم يتم العثور على أسلحة دمار شامل. و وسط كل هذا لم تحاول الحكومة البريطانية إعادة تقييم الوضع فى العراق. عاشرا: بلير ارتكب أخطاء فادحة لكن قرار الحرب اتخذ بنوايا حسنة يخلص التقرير إلى أن بلير ارتكب أخطاء فادحة فى الحرب، بدءا من مبرراتها وملابسات الإعداد لها وحتى مرحلة ما بعد سقوط بغداد. لكن التقرير يوضح انه ليس هناك أدلة على «التزام سري» بالدخول فى الحرب، وأن قرار الحرب اتخذ بنوايا حسنة على الرغم من نتائجه الكارثية. تقرير تشيلكوت ليس تقريرا قانونيا، وبالتالى هو لا يقول بطريقة مباشرة إن كانت الحرب قانونية أم غير قانونية. إلا ان طريقة سرد التقرير الطويل، تشير بوضوح إلى أن بلير ارتكب أخطاء كبري، وتعمد تضخيم معلومات تعزز سيناريو الغزو وتجاهل نصائح داخل حكومته وتعهد لبوش بدعمه فى كل الحالات وسار نحو الحرب بدون أى استراتيجية واضحة ولم يحقق أيا من أهداف الحرب وترك العراق أسوأ كثيرا مما كان عليه خلال حكم النظام العراقى الأسبق. ويرفض بلير الاعتذار عن الحرب نفسها، لكنه بعد تقرير تشيلكوت اعتذر عن الأخطاء التى حدثت خلال الحرب واعتذر لأسر الضحايا. وفى كلمة دفاع طويلة عن نفسه قال إن العالم مكان أفضل دون صدام حسين وأنه سيفعل نفس الشيء مجددا إذا كان عليه الاختيار. وسواء مثل بلير يوما ما أمام البرلمان أو محكمة مدنية أو محكمة جنائية دولية أو لم يمثل، فإن ميراثه السياسى سيظل محاصرا بحرب العراق. فالايجابيات خلال سنوات حكمه ومنها إصلاحات اجتماعية، ووضع حد أدنى للأجور، والتوصل لإتفاق سلام «الجمعة الطيبة» فى ايرلندا الشمالية، كل هذا نسى بالفعل وبات اسمه مرهونا بالعراق فقط.