ست صفات للمؤمنين، ذكرها الله تعالى، في بدايات سورة "المؤمنون"، تمثل أهم صفات يجب أن يتحلى بها المؤمن، وتُعد عنوان فلاحه، وقد تناولتُ أولاها في مقال سابق، وهي "الخشوع في الصلاة". واليوم يدور الحديث حول الصفات الخمس المتبقية. فقد ورد ذكرها في قوله تعالى: "وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴿3﴾ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴿4﴾ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴿5﴾ إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴿6﴾ فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴿7﴾ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴿8﴾ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴿9﴾. (المؤمنون). وكما ذكرت الآيات فإن الصفة الثانية هي الإعراض عن اللغو، وقد عرَّفه العلماء بأنه "ما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال"، كما قال تعالى: "وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا".(الفرقان:72) وقسَّم صاحب "الظلال" اللغو إلى لغو القول, ولغو الفاعل, ولغو الاهتمام والشعور، مشيرا إلى أن "للقلب المؤمن ما يشغله عن اللغو واللهو والهذر، منْ ذكْر الله, وتصوُّر جلاله, وتدبر آياته فى الأنفس والآفاق، وله ما يشغلُهُ من تكاليف العقيدة: فى تطهير القلب, وتزكية النفس, وتنقية الضمير, وتكاليفها فى السلوك, ومحاولة الثبات على المرتقى العالى الذي يتطلبه الإيمان, وهى تكاليف لا تنتهى, ولا يغفل عنها المؤمن, ولا يعفي نفسه منها"، حسبما قال. أما الصفة الثالثة للمؤمنين فتتمثل في فعل الزكاة، وقد يكون المقصود هنا زكاة النفوس والأموال، لأن السورة مكية، بينما فرضت الزكاة في العام الثاني من الهجرة. ويؤيد ذلك قوله تعالى: "قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا"، علما بأن الزكاةُ طهارةٌ للقلب والمال، من الشح, وطهارة للمال تجعل ما بقي منه بعدها طيبا حلالا". وتثني الآية التي وردت بها الصفة الرابعة على أولئك "الذين قد حفظوا فرُوجهم من الحرام"، فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنا ولواط, ولا يقربون سوى أزواجهم التي أحلها الله لهم، أو ما ملكت أيمانهم من السراري, "فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ". والصفة الخامسة هي رعاية الأمانات والعهود، بحيث إنهم "إذا ائتمنوا لم يخونوا بل يؤدونها (الأمانة) إلى أهلها، وإذا عاهدوا أو عاقدوا أوفوا بذلك، لا كصفات المنافقين الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلَّم : " آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ"، بحسب تفسير "ابن كثير". والأمانات كثيرة فى عنق الفرد والمجتمع، وقد جاء النص القرآني بصيغة تشمل كل أمانة، وعهد، وعدّ الله تعالى هذه الصفة صفة دائمة للمؤمنين، في كل حين، مما يوفر الثقة والأمن والاطمئنان بين أفراد المجتمع كافة. والصفة السادسة هي الحفاظ على الصلاة، فأصحابها يواظبون عليها فى مواقيتها، فلا يقصرون فى إقامتها؛ إنما يؤدونها في أوقاتها كاملة الفرائض والسنن. ولعظم أمر الصلاة، افتتح الله تعالى ذكر صفات المؤمنين بالصلاة، واختتمها بالصلاة، فدل على أفضليتها، وعظيم مكانتها في إيمان المرء. قال ابن مسعود: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلَّم " أيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: "الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا"، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: "بِرُّ الْوَالِدَيْنِ"، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ". (الصحيحان). وبعد تعداد أبرز أوصاف المؤمنين تأتي الخاتمة السعيدة في الآيتين العاشرة والحادية عشرة، بقوله تعالى: "أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ.الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ". و"الفردوس" هنا هو جنة الخلد، حيث السعادة بلا شقاء. ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال: إذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة". [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد