خلال سبع سنوات أمضيتها فى الأقصر، محافظاً لهذه المدينة التاريخية ... عاصمة مصر القديمة ... مهد الحضارة الفرعونية، التى أذهلت العالم ... المتحف المفتوح، الذى يحتوى على ثلث آثار العالم ... هذه المدينة التى يخترقها نهر النيل العظيم، لتقوم على ضفافه أعظم حضارة عرفها التاريخ الإنسانى ... وبنى عليها المصريون القدماء المعابد العريقة، ومنها معبد الكرنك ... بيت الإله آمون ... وبها أطول طريق جنائزى فى العالم، هو طريق الكباش، بطول ثلاثة كيلومترات. هذه المدينة التى أذهلت زوارها من كل الأطياف، والجنسيات، والثقافات. وبالعودة إلى مذكراتي، وجدت أن هذه الطائرة قد هبطت إلى مطار الأقصر الدولى نحو سبع عشرة مرة، خلال سبع سنوات قضيتها هناك. فالصينيون مبهورون بالحضارة المصرية القديمة، وولعون بآثارها، فعندما زرت الصين، رئيساً للوفد الثقافى المصري، خلال الأسبوع المصرى فى الصين، على رأس بعثة تضم أكثر من 120 فناناً مصرياً، من كل الأطياف، منهم الفنان نور الشريف، رحمه الله، وزوجته الفنانة بوسي، وثلاث فرق متخصصة من دار الأوبرا المصرية، وفنانى النحت، وغيرهم، فوجئنا فى الصين بوجود مدينة للزيارات، مجسم بها كل معالم الحضارة الفرعونية القديمة، من الأهرامات، وأبو الهول، ومعبد الكرنك، وطريق الكباش، ومقبرة توت عنخ آمون، وتماثيل ممنون. واصطف أمامها، طابور لا يتخيل طوله بشر، للدخول إليها. ونعود، إلى الزيارات الرسمية الصينية إلى مصر، وأذكر من أهمها، زيارة رئيس الحزب الشيوعى الصيني، وكان أهم شخصية فى الصين، وهو ما أظهره، وأكده حجم، وشكل الترتيبات قبل الزيارة. فقد مكث السفير الصيني، يومين كاملين بالأقصر، للوقوف على كل تفاصيل الزيارة، بدءاً من خط السير، إلى الزيارات المقررة، وحتى أنواع الطعام التى ستقدم للضيف، فقد كنت، كمحافظ للأقصر، حريصاً على بعض التفاصيل، ومنها أن يتذوق الضيف أنواعا مختلفة من الأطعمة المصرية، إلا أن بعض الظروف الصحية، لهذا الضيف، حالت دون ذلك.وكان حجم الوفود الإعلامية المصاحبة للضيف، أكبر بكثير من مثيلاتها، حتى أن بعضهم جاء بطائرات عادية، لأن الطائرة الرسمية للزيارة، لم تتسع للجميع. ووصل الضيف، ومكث فى البر الغربي، مدة أطول من المخصصة للزيارة فى البرنامج المعد سلفاً. وكان دائم المقارنة بين الحضارتين المصرية، والصينية. وهو ما استدعى لذاكرتى أحد المواقف، عندما كنت رئيسا للأوبرا المصرية، وكان الرئيس الصينى على وشك زيارة مصر، فتلقيت مكالمة من الرئيس مبارك يسأل فيها عن إمكانية إعداد أغنية صينية، تقدم للضيف بصوت مصري، أثناء زيارته الوشيكة لمصر، وذلك رداً على الحفاوة التى تم بها استقبال الرئيس مبارك فى الصين، وتقديم أغنية مصرية له، بصوت صيني. وحيث إن الزيارة الصينية كانت مقررة بعد شهر من محادثتى مع الرئيس مبارك، فقد وعدته أن نبذل قصارى جهدنا فى المحاولة. فقمنا، فى الأوبرا، باختيار أغنية، شهيرة فى الصين، عن القمر، وتدربت عليها إحدى مطرباتنا الشابات بالأوبرا، أعتقد كان اسمها أمنية، لمدة شهر كامل، صباحاً ومساء. حتى جاء موعد الحفل فى قصر عابدين، فما أن انتهت المطربة المصرية من تقديم الأغنية الصينية، تعالى التصفيق، ولم يصدق الرئيس الصينى أنها مصرية، فأصر أن يصافحها، ويستمع إلى الرئيس مبارك وهو يتحدث معها بالعربية، ليصدق أنها مصرية بالفعل. وهو ما اعتبرته مجاملة من الضيف، إلا أن الوفد الصينى المصاحب لنا فى العشاء، كان لديه نفس الانطباع. ونعود لزيارة رئيس الحزب الشيوعى للأقصر، وأثناء حفل العشاء المعد له قبل مغادرته، حيث بادرنى برغبته فى تقديم هدية من الصين إلى مدينة الأقصر، وكان شرطه أن يكون ذلك فى البر الغربي. والواقع أننى لم أفهم سر اهتمامه وشغفه بالبر الغربي، وقد حاولت بالفعل أن أراجعه، لتكون الهدية داراً للأوبرافى البر الشرقي، أو قاعة مؤتمرات لتوجيه حصة من سياحة المؤتمرات إلى الأقصر، إلا أنه أصر على البر الغربي. فاقترحت عليه بناء حديقة دولية بالبر الغربي، فأهله محرومون من تلك الخدمات، نظراً للقيود المفروضة للمحافظة على الطبيعة التاريخية للمكان. وحددنا الموقع المقترح للحديقة، وقبل مغادرته، فى اليوم التالي، كان معى تصديق من المجلس المحلي، وآخرً من رئيس مجلس الوزراء لتنفيذ المشروع. وبعد عودته إلى الصين، زارت الأقصر بعثة صينية كبيرة لتفقد الحديقة الدولية. وفى هذا التوقيت، كان هناك توجه من الزراع المصريين، للزراعة فى الصين، لانخفاض تكاليف زراعتها مقارنة بأوروبا، فتلقيت مكالمة من أحد أصدقائى المتواجدين بالصين لأغراض الزراعة، ليقول لى إن التليفزيون الرسمى بالصين، ينقل على مدار ثلاثة أيام متتالية، فاعليات تلك الزيارة، وأن الشعب الصينى يراقب أجواء الأقصر من آثار، ومعابد، وأناس فى الشوارع، وكأنهم يعيشون معهم. الشاهد هنا، أن للأقصر مكانة كبيرة، وخاصة فى كل البلاد... وكل الجنسيات... وكل المستويات. وهذه نعمة واحدة، مما أنعم به المولى عز وجل، على مصر. فعلينا نحن أبناء مصر أن نحافظ عليها، ونستغلها بما يحقق مصلحة هذا الوطن، بدلاً من اللهث كل ليلة وراء حروب الفضائيات... لك الله يا مصر! لمزيد من مقالات لواء أ. ح. د. م. سمير فرج