خير الأعمال خواتيمها، ولا قيمة للأعمال بدون قبولها، والصوم أجره عظيم لا يعرفه إلا الله عز وجل، ولكن كيف يفوز الصائم بالقبول، حتى يدخل من باب الريان الذى وعد به الله عباده الصائمين أن يدخلوا منه. فهنيئا لكل من قبل عمله فى رمضان، ولا يقنط من خسر رمضان، فعليه أن يجتهد فى العبادة، ويتوب إلى الله، لقوله تعالى: (لا تقنطوا من رحمة الله). وإذا كان كل شيء خلقه الله له علامات، ولا خلاف حول هذه العلامات التى تكون هى المؤشر الأول لقبول الصيام أو عدم قبوله، إذا كان مردودا على المسلم، فعلينا أن نتوجه لله بالدعاء لله، أن يكون هذا الصيام مقبولا. وأوضح علماء الدين أن من روائع الإحساس بفكرة قبول الطاعة فى رمضان، أن تستوى أخلاقياتك وتعتدل جوارحك فيما بعد شهر الصيام، مع ارتياحك لذلك، وأكد العلماء أن أعمالك الصالحة في رمضان أصبحت حجة عليك، وشاهدة على أقوالك وأفعالك فيما بعد الشهر الكريم، والتزامك الخلقي والديني فيما بعد انتهاء الشهر الكريم من أقوى الدلائل على علامات قبول الطاعة في الشهر الكريم. ويقول الدكتور بهاء حسب الله أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية الآداب جامعة حلوان، إنه لا خلاف على أن شهر الصيام هو شهر عبادي فرائضي روحاني بالدرجة الأولى، لأن العبادة فيه منصوصة بطابع خاص تتمحور حول رؤية إقرارية مباشرة من الخالق عز وجل، وهي في الأصل فريضة مكتوبة بإرادة سماوية مباشرة، مردودة لقوله عز وجل: (يا إيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) البقرة، ولقوله في السورة نفسها: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه )، فنحن أمام نمط عبادي خصه الله عز وجل بصفة مباشرة، دون غموض أو التواء أو تأويل أو اختيار، وبمكانة ذات خصوصية شديدة الأثر، واختيار الله عز وجل لصيام هذا الشهر، ولإتمام لون من ألوان العبادة فيه لم يكن من فراغ، فالإسلام وفرائضه مبنيان على الحقائق العقلانية في الأصل، فحينما خص الله هذا الشهر المعظم بالتبجيل والتوقير والعزة، ووسع من دائرة ثوابه، فلم يكن هذا من فراغ أبدًا، فرب العزة حينما أراد إقرار الصوم برر لقيمته، ولعزة الفريضة فيه، ولاختياره للثواب الأعظم قال: ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)، ثم أكمل بصيغة الحكم فيه فقال: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه)، إذن فللأثر الأجل لنزول القرآن، ولدوره في – هداية – الأمة كلها، كان المنطق الايجابي يحكم بأن نوقر هذا الشهر، بنمط عبادي روحاني خاص، ألا وهو نمط ( الصوم ) كنوع من رد الجميل للخالق على هدايتنا بمنطوق القرآن، وهذا الذي يجب أن تتدبره الأقوام والناس والمؤمنون جميعا .. الذين تساءلوا كثيرا .. لماذا ارتبط الصيام كعبادة شفافة برمضان؟ قراءة دواعي القبول وأضاف: إن من إتمام سبل العبادة الحقيقية لهذا الشهر قراءة دواعي قبولها، وهي الدواعي التي ترتبط بمكانة الشهر ذاته يوما بيوم بل ساعة بساعة في نطاق أيامه ولياليه، وهذا يخالف الرأي الذي يحدد فكرة القبول لأسباب الصيام بإتمام صيامه، أو إتمام الشهر كله، ومن هنا تصبح عملية التقييم لدواعي القبول مرتبطة بطبيعة الأداء (الوقتي) لأصل مفهوم الصيام، لأن المعفرة والرضوان في هذا الشهر مغفرة مباشرة وسريعة، وإلا ما قسم رسول الله أيام هذا الشهر إلى أقسام ( فأوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار). إخلاص العبادة لله ومن علامات القبول لطبيعة هذه العبادة الروحانية هي إخلاص العبادة لله وحده في هذا الشهر الكريم، وهو إخلاص يتطلب بذلَ جهدٍ فريدٍ في تطبيق مفهوم العبادة لله عز وجل، وأصولها والمرتبطة بقوله عز من قائل: ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) سورة البينة، وهو المتوازي والمتناغم مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا ُيبتغى به وجهه) صحيح الجامع، ومعنى ذلك ببساطة أن تكون العبادة وما اتصل بها من أعمال خالصة لله عزوجل لا شريك فيه ولا خليل ولا رفيق، وإلا كانت مردودة على صاحبها وغير مقبولة، أو تكون بابا من أبواب الرياء، وهذا بالطبع يأتي متوافقا مع قول رسول الله في الحديث القدسي: ( كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشرة أمثالها إلا الصيام فهو لي، وأنا أجزي به). تقوى الله ومن العلامات أيضا، تقوى الله في السر والعلن، باعتبار أن من دواعي ارتياح الصائم، وشعوره بأن صيامه مقبول ومرفوع، هو أن نربي أنفسنا على مراقبة الله عز وجل وخشيته في كل أقوالنا وأفعالنا في هذا الشهر وفي غيره من الشهور، والإكثار في الطاعات، والبعد الكامل عن المعاصي والزلات، لنصل إلى الطريقة العبادية المنصوصة في الحديث الشريف بأن نعبد الله وكأننا نراه، فإن لم نكن نراه فهو يرانا، وأن نربط في ذلك بين المعنى الرصين للصيام، والمعنى الظاهر لحتمية التقوى، وهي الحتمية المنصوص عليها في آية الصيام ( لعلكم تتقون ) ولقوله تعالى في سورة المائدة (إنما يتقبل الله من المتقين). وأيضا من هذه العلامات، صوم الأعضاء والجوارح عن ارتكاب المعاصي، وهو ضبط في حاجة إلى وعي وحكمة، حتى تتحقق فائدة الصيام ومشروعيته، فعلى المسلم أن يجتهد في تهذيب نفسه أولا، وتجنيبها فعل المعاصي وهو ما سيترتب عليه مباشرة، تهذيب الجوارح عن السقوط في الحرام، وهو ما يأتي متناغمًا مع قول رسول الله: (من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس له حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) وقول الزور هو من عمل الجوارح – اللسان – فما بالنا ممن يطوع كل جوارحه في دوائر المعاصي، وهو ما ينتقص بطبيعة الحال من مشروعية الصيام، هذا بالإضافة إلى الدعاء بقبول العبادات، وذلك لاعتبار مهم وهو أن شهر رمضان هو شهر القبول والاستجابة، ويبشرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأن شهر الصيام هو شهر قبول الدعاء في قوله: (إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة في رمضان، وأن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة). المداومة وصيام الستة ويقول الدكتور عاصم قبيصي مدير عام المساجد الأهلية بوزارة الأوقاف، إن من روائع الإحساس بفكرة قبول الطاعة في رمضان، أن تستوي أخلاقياتك وتعتدل جوارحك فيما بعد شهر الصيام، مع ارتياحك لذلك، المداومة على العمل الصالح بعد رمضان، باعتبار أن أعمالك الصالحة في رمضان أصبحت حجة عليك، وشاهدة على أقوالك وأفعالك فيما بعد الشهر الكريم، والتزامك الخلقي والديني فيما بعد انتهاء الشهر الكريم من أقوى الدلائل على علامات قبول الطاعة في الشهر الكريم، وكان السلف الصالح يدعون ربهم أن يبلغهم شهر رمضان قبل ستة أشهر من مجيئه، ويدعون ربهم أن يتقبل منهم صيام الشهر وأفعالهم ستة أشهر بعد رحيله، وهذا معناه أن سلفنا الصالح لم يكونوا ينسون هذا الشهر العظيم وفضائله حتى بعد رحيله، وليس معنى أن شهر رمضان قد انتهى، أننا نقاطع المساجد، ونمتنع عن صيام السُنة، ولكن هذه السُنن والمواظبة عليها هي تأكيد على قبول الصيام، ونبدأ بأول هذه السُنن مباشرة بعد الانتهاء من شهر رمضان وهي صيام (ستة أيام) من شهر شوال سواء متصلين أو منفصلين.