بدأ الشك في النظام الحالي لتوريد القمح في العام الماضي حين قفز التوريد خلال السنوات الخمس السابقة والثابت عند رقم37 مليون طن سنويا إلي55 مليون طن دون وجود أي مبرر لهذه الطفرة التوريدية كأن تكون مثلا بسبب زيادة المساحة المزروعة قمحا أو استخدام تقاوي جديدة عالية الإنتاجية أو صرف المقننات السمادية كاملة وبوفرة. وزارة التموين دافعت عن هذه الطفرة في توريد القمح مبررة الأمر بأن الفلاح اطمئن علي رغيفه في منظومة الخبز وبالتالي لم يعد بحاجة إلي حجز جزء من قمحه لإنتاج الخبز منزليا فورد كل محصوله, ولكن التوريد تراجع هذا العام إلي4.850 مليون فقط وكأن الفلاح قد عاد وفقد الثقة في نظام صرف الخبز!. انخفاض التوريد هذا العام بنحو650 ألف طن عن العام الماضي تم التجاوز عنه وأنقلب الأمر إلي حدوث زيادة في التوريد هذا العام عن المستهدف بنحو25% علي اعتبار أن المستهدف هذا العام كان4 ملايين طن فقط! رغم أن المستلم في العام الماضي كان5.5 مليون طن. أحد أهم أخطاء منظومة استلام القمح في العام الماضي كانت السماح بالسحب من القمح المحلي أثناء موسم التوريد, ولأول مرة في تاريخ مصر وقبل اجراء عمليات الجرد والمطابقة لما سدد من الخزانة العامة للدولة لماهو موجود فعليا في الصوامع, وهو الأمر الذي يمكن أن يساعد علي اخفاء أي أدله للتوريد الوهمي وإحلال القمح المحلي بالمستورد, بالإضافة إلي احتمال ازدواجية التوريد لنفس القمح واستبداله في الطريق بقمح مستورد. لأمر الثاني الذي رسخ لمفهوم الفساد في التوريد في العام الماضي هو صدور قرار وزارة التموين والذي يحدد مواصفات استلام القمح متضمنا أنه في حالة وجود إصابات حشرية أو سوس في القمح المورد لا تتم رفضه ولكن يتم غربلته ومعاملته وإعادة أستلامه! ومن الأمور المستغربة أيضا في منظومة استلام القمح في العام الماضي أن تتسلم صوامع وزارة التموين وحدها60% من إجمالي القمح المورد بدلا من20% في السابق, حيث كانت الأغلبية في التسليم لشون بنك التنمية المنتشرة في الريف والقري والنجوع وليس لصوامع المدن, وكان من المستغرب أيضا أن تقوم صوامع وزارة التموين باستئجار شون وأراض فضاء في أكتوبر والشروق والعبور وغيرها وهي مازالت تمتلك فراغات كبيرة للتخزين في صوامعها فتتركها فارغة وتذهب لاستئجار فراغات من القطاع الخاص في إهدار غير مبرر للمال العام, بالإضافة إلي إعطاء القطاع الخاص الفرصة في التلاعب. فساد التوريد في العام الماضي كلف الدولة نحو1.7 مليار جنيه مصري فرق أسعار فقط طبقا لتقارير سيادية رسمية لو كان التوريد لقمح مستورد علي كونه قمحا محليا, ويرتفع إلي ثلاثة أضعاف هذا المبلغ ولو كان التوريد, وهميا, وهو ماتداركته جهاتنا الرقابية هذا العام بأن منعت السحب من القمح المحلي أثناء موسم التوريد وقبل إجراء عمليات الجرد والمطابقة لما سدد من مبالغ من الخزانة العامة للدولة علي ماهو موجود في الصوامع علي أرض الواقع وبدأت الأرقام تتوالي وبدأ الفاسدون يتساقطون الأمر قد يتطلب فتح ملفات عديدة في توريد العام الماضي والتجاوز عن بلاغات قدمت بالوثائق لتفضح الفساد. البحث عن نظام جديد لتوريد القمح يمنع الفساد ويصل بدعم القمح إلي مستحقيه علي أن يعاد النظر في السعر دوريا إذا مازادت أسعار القمح عالميا, بحيث يحصل الفلاح علي السعر العادل إلي أن يأذن الله وتعود الزراعة مهنة مربحة بتخطيط علمي مستقبلي في القريب العاجل. ولشرح المنظومة الجديدة للتوريد فلابد أن يتحول فيها توريد القمح ليكون بالطن بدلا من الإردب والذي يساعد كثيرا علي وقوع غبن للفلاح عند تحويل حسابات الإردب إلي طن حيث لا يوجد ميزان يزن بالإردب ولكن بالكيلوجرام وهو ما ينبغي أن تكون المحاسبة عليه. فعندما تخصص الدولة ألف جنيه للطن من القمح المحلي فوق السعر العالمي فإن الفلاح يستفيد من هذا الدعم بقدر مايورده للدولة من أقماح بناء علي متوسط إنتاجية القمح في الفدان وحتي أيضا يستفيد المجتهد في زراعته بربح أكبر ويراجع الفلاح الضعيف سياسته الزراعية ليزيد من إنتاجه. الأمر يتطلب تشكيل لجان محايدة من أساتذة القمح بالجامعات المصرية ومراكز البحوث كل في المحافظة الأقرب لإجراء عمليات الجرد فور نهاية موسم التوريد ومطابقة المبالغ المنصرفة من الدولة علي الأقماح الموجودة في الصوامع والشون, والتأكد من خلوها من الأقماح المستوردة وقبل بدء السحب من القمح المحلي المستلم. لمزيد من مقالات د.نادر نور الدين محمد