فى اليوم التالى مباشرة لحادث «أورلاندو» ظهر على موقع «يوتيوب» فيديو قدمه الفكاهى المثير للجدل «جوى سالدز» لقياس ردود الأفعال تجاه ما يعرف بالتطرف الإسلامي، حيث ارتدى جلبابا، ووضع طاقية بيضاء على رأسه، وحمل كيسا يلقيه مباغتة على الشخص المستهدف وهو يصيح «الله أكبر». بالطبع جاءت ردود أفعال الأشخاص انتفاضية، غاضبة، مرتعدة، خائفة، مذعورة. تعرض الفيديو لانتقادات عديدة من زاوية أنه يستثمر أحداثا إرهابية فى مضاعفة مشاعر الكراهية والنفور تجاه المسلمين، ولاسيما أنه يربط بين ارتداء ملابس ذات مدلول ثقافى معين وبين ممارسة الإرهاب،وبالرغم من ذلك فقد كشف إلى أى حد أصبح المواطن الغربى يخشى المسلمين، أو يربط بينهم وبين الإرهاب، وهى الظاهرة التى اصطلح عدد من الباحثين على وصفها ب «الإسلاموفوبيا». يبدو أن هذه الظاهرة السلبية مرشحة للازدياد فى الفترة القادمة بفعل عاملين: الأول تصاعد الإرهاب، الذى يتسم بالتحور والتمدد، بحيث وصل إلى قلب أوروبا والولايات المتحدة، وثانيا: المهاجرون من الدول التى تشهد حروبا وغالبيتهم من الدول العربية. العامل الأول، أى الإرهاب، حتى عام 2000م كان انتشار الإرهاب خارج سياقه الإقليمى (الشرق الأوسط، أفريقيا، آسيا) محدودا، إلا أنه ما لبث أن اتسع ونشطت خلايا له فى العديد من الدول الغربية، عمادها الأساسى «مواطنون» من هذه الدول، أبناء الجيلين الثانى أو الثالث من المهاجرين، الذين نشأوا فى هذه المجتمعات، وتعلموا فى مؤسساتها التعليمية، ووجدوا فرص عمل بها، ثم ما لبث أن التحقوا بخلايا إرهابية خارج دولهم أو داخلها مثل ظاهرة التحاق الأوروبيين بتنظيم «داعش» وهو الأمر الذى أصاب المجتمع الغربى بقدر كبير من الاندهاش، وأعاد طرح مقولات سابقة مفادها أن المسلمين غير قابلين للاندماج الثقافى فى المجتمعات الغربية، وهو ما يعتبره البعض خطرا على هذه المجتمعات، ويتجاوز الأفكار المطروحة حول «التعددية الثقافية» لأنه يكشف رفض جماعة من المواطنين لثقافة مجتمعهم، والنظر إليها نظرة سلبية، ويُظهر المسلمين بمظهر غير القادر على التوافق مع القيم الغربية مثل الحرية والمساواة، فضلا عن الاعتقاد بأن التاريخ الأوروبي، بكل ما فيه من محطات تطور رئيسية، ليس فى المخيلة الجمعية للمواطنين المسلمين فى هذه المجتمعات، ولا يرونه جزءا من ثقافتهم المشتركة (القيم، اللغة، الإرث الحضارى .. الخ). العامل الثانى هو الهجرة إلى الدول الأوروبية والولايات المتحدة، وتشير دراسات عديدة إلى أن المسلمين المهاجرين فى الخمسينيات والستينيات - عقب الحرب العالمية الثانية - كانوا جزءا من التطور الاقتصادى فى أوروبا، وظلت الدراسات الأكاديمية فى تلك الفترة وحتى السبعينيات من القرن العشرين تهتم كثيرا بمسألة الاندماج الاقتصادى للمهاجرين المسلمين فى أوروبا، ولكن اكتسب الأمر فى الثلاثين عاما الأخيرة أبعادا سياسية وثقافية، وزاد وطأة مع موجة الهجرة الكثيفة من مناطق النزاعات فى الشرق الأوسط إلى أوروبا العام الماضي، وأصبحت القضايا المطروحة تتعلق بنوعية المهاجر، ومدى مساهمته فى تقدم المجتمع الذى يفد إليه، والتطرق إلى القضايا الثقافية التى تتعلق بالرموز الدينية، حرية الرأى والتعبير وحقوق المرأة، ثم القضايا الاجتماعية الثقافية مثل ختان الإناث، وإجبار الفتيات على الزواج، والنقاب، والتحرش الجنسى وتحتل هذه الموضوعات مساحة عريضة من الاهتمام فى وسائل الإعلام الغربي، ورصدت بعض الدراسات أن هناك ما يشبه الثقافة السلفية لدى قطاعات من المسلمين المهاجرين تعبر عن نفسها فى الفصل بين الجنسين، وطرح آراء متشددة فى الحياة الاجتماعية، ورفض الانخراط فى الحياة المدنية، واتهام المجتمعات الغربية ذاتها بالزندقة والانحراف والزيغان. يسهم هذان العاملان، الإرهاب والهجرة، فى تأجيج المشاعر السلبية تجاه المسلمين فى أوروبا والولايات المتحدة، ويرسم حدودا رمزية تجعل من الإسلام والمسلمين بالنسبة للغرب عدوا خارجيا (الإرهاب)، وعدوا داخليا (المهاجرين)، وهى صورة نمطية اختزالية لا تعبر بالتأكيد عن الحقيقة بمختلف أبعادها. هناك خمسة بالمائة من سكان أوروبا من المسلمين، ما يقرب من نصفهم من أصول عربية، يقدمون مساحة من التنوع، وكثير منهم نجح فى الالتحاق بالمجتمع الغربي، ويعتبر الثقافة الغربية ركنا أساسيا من ثقافته الذاتية خاصة قيم الحرية، والمساواة، وحقوق المرأة، وهناك من المهاجرين من كان له دور أساسى فى تقدم المجتمعات الغربية اقتصاديا، ويشغلون وظائف عليا فى الجهازين الإدارى والفني، وبعضهم فى زمرة كبار المستثمرين والاقتصاديين فى القارة الأوروبية. ويُلاحظ أن الرعيل الأول من المهاجرين تركوا أوطانهم فى الخمسينيات والستينيات وكانت بها مسحة من العلمنة والليبرالية والاستنارة التى أعقبت الاستقلال من الاستعمار الأجنبي، على عكس المهاجرين الشباب اليوم الذى ينفرون من أوطانهم الممزقة حاملين خبرات تعيسة من العنف والتطرف والكراهية والعجز الاقتصادي. صفوة القول أن هناك عوامل تقف وراء هواجس أوروبا من المسلمين، بعضها نتاج واقع، وبعضها نتيجة إطلاق صور نمطية اختزالية عليهم، وهو ما يضع عبئا فى الواقع على مجتمعات المسلمين فى الغرب على تقديم نماذج جادة فى الاندماج الثقافي، والاقتصادي، والسياسى فى الدول الأوروبية، وتحييد الخطابات والعناصر المتطرفة أو التى تشيع ثقافة التشدد والغلو وممارسات تجافى الحضارة الحديثة. لمزيد من مقالات د. سامح فوزى