قبل أن ينفذ جريمته النكراء داخل الملهي الليلي للشواذ في مدينة أورلاندو الأمريكية, التي راح ضحيتها أكثر من50 شخصا, اتصل القاتل المدعو عمر متين29 عاما بالشرطة لابلاغها بمبايعته تنظيم داعش الإرهابي, لكي يضفي علي فعلته الشنعاء صبغة دينية تبرر ما قام به, ويلتمس له السفهاء وضعاف النفوس والعقول العذر, وينال تعاطفهم. وفي بريطانيا التي تبعد آلاف الاميال قتل توماس مير52 عاما النائبة بالبرلمان جو كوكس المؤيدة لبقاء بلادها ضمن الاتحاد الأوروبي, ولدي مثوله أمام القاضي سأله عن اسمه فرد بفخر واعتزاز اسمي الموت للخونة.. الحرية لبريطانيا, وكأن وطنه محتل يسعي للتحرر من قبضته الملفوفة حول عنقه. في الواقعة الأولي تصدر المشهد التفسير الجاهز دائما أبدا, حينما يكون مرتكب الجرم مدونا في بطاقة هويته أنه مسلم, وهو أن دوافعه دينية محضة, ثم ندور في فلك شيطنة الإسلام باعتباره المسئول عن نزعة العنف التي تتلبس بعض المنتسبين اليه, وأحاديث متواصلة عن خلايا الذئاب المنفردة الكامنة في البلدان الغربية منتظرة اللحظة المناسبة للانقضاض علي مواطنيها الآمنين. وفي الواقعة الثانية تواري الحافز والبعد الديني الذي استبدل به التطرف والشطط السياسي من قبل التيار اليميني المعارض لاستمرار التاج البريطاني تحت مظلة الجمهورية الأوروبية المتحدة, ومن الناحية النظرية البحتة لا يوجد ثمة رابط بين الواقعتين الآثمتين, فهما علي طرفي نقيض, غير أن التدقيق فيهما يؤكد أنهما وجهان لعملة واحدة, وأن الدافع وراءهما متطابق وهو الكراهية. فكلاهما متطرف لحد الهوس بفعل الكراهية, فهما يكرهان محيطهما الاجتماعي والسياسي, ويشعران بحالة من القرف والاشمئزاز ناحيته, ويرغبان في اخراج ما بداخلهما من شحنات غضب وكره بصورة تلفت نظر المجتمع, كصرخة احتجاج, وتظهرهما في الوقت نفسه في ثياب الأبطال الأشاوس الذين يعملون للمحافظة علي ثوابت وركائز يفرط فيها المحيطون بهما, وأنهما غيوران علي الفضيلة والعفة. فجزار أورلاندو الذي تشير سيرته الذاتية إلي أنه يعاني اختلالات واضطرابات نفسية, وليس له علاقة قوية بالدين وتعاليمه السمحة, مثلما حاول ايهامنا عند اتصاله بالشرطة, القاعدة ذاتها تسري علي جزار بريطانيا صاحب السجل الأسود في الغلو والتطرف السياسي, حيث تفنن في اظهار ساديته بقتله كوكس بوحشية تتعفف عنها الحيوانات الكاسرة في الغابة, وهي سادية نابعة من نفس كارهة للحياة وللخير, وتأبي التحاور مع الآخر أيا كان الاختلاف معه, سواء كان سياسيا أو دينيا. فهناك رفض تام وقاطع للآخر الذي يتعين تصفيته والقضاء عليه, طالما أنه يختلف معنا في الرأي والتوجه, وإن نظرت في تصرفات الدواعش ستتأكد من كراهيتهم حتي للهواء الذي يستنشقونه, وأنهم مرضي نفسيون يتسترون بالدين الذي يتحدثون باسمه زورا وبهتانا, ولا يختلفون عن النازيين الجدد ومن لف لفهم وسار علي دربهم, الفارق الوحيد يكمن في شكل الشعار المرفوع. وأزيدك من الشعر بيتا بمصارحتك بأن الكراهية كانت وراء هجمات الحادي عشر من سبتمبر, وربما فطنت مجلة نيوزويك لذلك عندما تساءلت في احد اعدادها الصادرة بعد11 سبتمبر: لماذا يكرهوننا؟ وأظن وليس كل الظن اثما أن من نفذوها في سلة واحدة مع المجرمين الذين عذبوا المعتقلين في سجن أبو غريب بالعراق, وفي قاعدة باجرام الجوية في أفغانستان, وفي معتقل جوانتانامو الرهيب الواقع بالأراضي الكوبية, الغرب تعاطي مع جرائم الجنود الأمريكيين بصفتها انتهاكا مروعا لحقوق الإنسان بدون اقامة جسر بينها وبين دين هؤلاء الجنود, في حين أنه يبادر بالمزج بين الإرهاب والإسلام عند أول منعطف, مع أن ما وقع في الأماكن السالف ذكرها عمليات إرهابية مكتملة الأركان. المؤسف أنه في الأغلب الأعم فإنه عوضا عن اجتهاد الولاياتالمتحدة والغرب في التفتيش عن مصادر تغذية الكراهية وانتعاشها داخل مجتمعاتها وخارجها, فانهما يفضلان الخيار السهل, وخيارهما الجاهز أن الإسلام يتحمل التبعة والمسئولية. علي سبيل المثال فإن أمريكا لديها عوامل داخلية تغذي الكراهية في صورة تفاوت طبقي واجتماعي, وفي المادية الزائدة علي الحد, وفي اشكال العنصرية البغيضة التي لاتزال مستشرية وضاربة بجذورها.. الخ. المجتمعات الغربية من جهتها يوجد بها تهميش لفئات وأنماط بعينها, وهو ما يدفعها للانعزال والعيش في جيتوهات منفصلة عن الاطار الخارجي لها, ويغيب عنها مبدأ المساواة في فرص العمل وصعود السلم الاجتماعي, واتباع حكوماتها سياسات غير حصيفة إزاء أزمات الشرق الأوسط, ولست في حاجة لتذكيرها بعدد الأجانب المقاتلين في صفوف داعش بالعراق وسوريا وليبيا, وهؤلاء شبوا وتربوا في كنف ديمقراطيات وأنظمة تزعم أنها تمنح مواطنيها الحد الأقصي من الخدمات والمزايا والعطايا. إن التطرف السياسي والديني هو القشرة المغلفة لداء الكراهية التي أعتبرها بيت القصيد, ويجب أن تشحذ كل الجهود والطاقات للتخفيف من حدتها, ومعالجة أسبابها الظاهرة والباطنة, نعلم أن المهمة ليست هينة وتندرج بين المهمات المستحيلة لكون الكراهية مرتبطة بوجود الإنسان علي ظهر الأرض, لكن يكفينا شرف المحاولة. @.comDesouky22 hotmail لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي