المجتمع الصوفى فى أفريقيا لا يزال بحاجة كبيرة إلى اهتمام الباحثين المتخصصين فى التاريخ والاجتماع والفلسفة والثقافة الشعبية، بحيث لا يعتمدون فقط على ما سطرته أيدى المتصوفة بقدر كبير من المثالية، بل يعتمدون أيضًا على وثائق تطرح أبعادًا واقعية وعملية مهمة للغاية. وساعتها يصبح بالإمكان كتابة التاريخ الحقيقى للتصوف فى أفريقيا، ودوره الفاعل بنشر الإسلام فى غرب أفريقيا. خاصة تلك الشخصيات الصوفية التى ظهرت فى نيجيريا وكان لها أبلغ الأثر فى نشر الإسلام وتوطيد دعائمه، ومن هؤلاء الشيخ المجدد والعارف بالله المتصوف «عثمان بن محمد ابن فودي» الفلانى نسباً، والتابع للطريقة القادرية، ورائد حركة الإصلاح ونشر الإسلام فى غرب أفريقيا، وكلمة «فودي» تعنى «الفقيه» فى لغة قبائل «الهاوسا». ولد الشيخ «عثمان فودي» سنة 1754م فى قرية «طفل» بمدينة «مارتا» بإمارة «جُوتير» فى منطقة «صُوكوتو» ببلاد «الهوسا» فى نيجيريا الحالية، ونشأ فى بيئة علمية أهلته للتشبع بالعلوم الإسلامية منذ نعومة أظفاره، وتنقل كثيرا طالباً العلم، وشهدت بلاد «الهوسا» وقتها حركة علمية كبيرة، وكان جده «فودي» فقيهاً معروفا، وكذا والده وأعمامه، وكان جده متأثرا لحد كبير بالإمام «محمد بن عبد الكريم المغيلي» واسطة عقد «الطريقة القادرية» فى السودان، وكان سببا فى نشرها بغرب إفريقيا عموما، ونيجيريا تحديدا.وأخذها عنه تلميذه الشيخ «عمر الشيخ بن أحمد البكاي» 1553م، وتسلم رايتها بعده، ودأب فى نشرها بمعية أحفاده «الكُنتيين» فى أفريقيا، حتى باتت أكثر الطرق الصوفية انتشارًا فى بلاد الهوسا وبين قبائل الفلانى إلى اليوم. وعالج الشيخ «عثمان فودي» الكثير من القضايا المتعلقة بالتصوف، وبالطريقة القادرية لتسهيل الوصول إلى التصوف القادرى الحق، حيث وضع عدة مهمة، مثل «السلاسل القادرية للامة المحمدية»، و«تطييب قلوب الأمة المحمدية بذكر بعض القصائد القادرية»، وأسهمت تلك الكتب فى نشر التصوف القادرى بعموم أفريقيا. ونشرت وزارة المعارف النيجيرية أحد كتبه المعروفة، وهو «ولما بلغت فى الذكر والورد» الذى يعرض فيه وجهة نظره فى التصوف الإسلامي، وخبرته الروحية، ومن كتبه أيضا «البصائر»، و«الفرق بين علم التصوف للتخلق وعلم التصوف للتحقق»، وهى كتب تضم معلومات نادرة عن دخول الصوفية إلى أفريقيا، وعن دور رجالات التصوف فى الإصلاح الاجتماعى والسياسى والثقافي. وقاد الشيخ «عثمان التعليم فى قريته «طفل»، وكان له مجلسان، أحدهما يومى لتدريس العلوم بعد العصر والعشاء، ويتناول فيه تفسير القرآن، وشرح السنة، وأبواب الفقه وأصول الدين، والثانى أسبوعى للوعظ فى ليلة الجمعة، وكان يحضره جمع غفير من الرجال والنساء، وكثيرا ما خرج إلى القرى والبلدان المجاورة، ويمكث فيها أياما أو شهورا ثم يرجع إلى قريته، ما أكسبه شهرة وذيوعا فى إقليم جوبير، حتى وصلت أخباره إلى أمراء وكبراء المنطقة.ولم يكتف «ابن فودي» بالتدريس والوعظ، بل دعا لمحاربة البدع والخرافات فى كتابه «أصول العدل»، وهو تلخيص لكتاب إمامه «المغيلي»، ويظهر مدى تأثره به فى الفكر الإصلاحي. وبث الشيخ «عثمان فودي» من روحه الكثير فى الطريقة القادرية، وتمكن من نشرها فى زمن وجيز، ونافست الطرق الصوفية، خاصة «التيجانية»، ما أدى لنشر الإسلام، والقضاء على البدع والخرافات المنتشرة فى المجتمعات الإفريقية، وألهمت حركة الشيخ عثمان الحركات الإصلاحية فى أفريقيا مثل الشيخ «عمر الفوتي» والشيخ «الكانيمي» وحركة «مابا دياهو» فى جامبيا، وحركة «ساموي» و«أحمد لوبو» وغيرها. واختلف الباحثون فى تقييمها، فرأى بعضهم: «أن الفلان اتخذوا الدين وسيلة لنيل عرض الدنيا، واستغلوه للتنكيل بأمراء الهوسا الذى كانوا يضطهدونهم وينكرون عليهم حقوقهم»، ويزعمون «أن الجهاد حركة قومية لقبائل الفلان- مسلمين ووثنيين- موجهة ضد قبائل الهوسا». وكانت حركة الشيخ عثمان بمثابة تصحيح لأفكار كانت سائدة فى أفريقيا، وتسببت بانتشار حركة «المهداوية»، وتغيير المجتمعات الإفريقية، وأسهمت فى ترسيخ الإسلام واللغة العربية، وصارت لها معاهد عالية فى نيجيريا.