عندما يحل السكون والهدوء بقاهرة المعز، ووقت أذان المغرب تجلس بعض السيدات ساعة الإفطار علي موائد الرحمن في شوارع مصر المختلفة.. في وسط البلد (بشارع رمسيس بجوار محطة مترو الأنفاق أحمد عرابي) جلسن يتناولن الطعام بعد صيام يوم رمضان، فعلي غير العادة أصبحن يأكلن بالطرقات وعلي أبواب المساجد، وذلك لظروف الحياة الاجتماعية والمادية الصعبة.. قد نجدهن متعلمات أو بائعات جائلات أو متسولات علي أبواب المساجد الكبري مثل مسجد الفتح برمسيس والنور بالعباسية وغيرها.. ولمعرفة أسباب خروجهن خارج البيت في تلك الأوقات وساعة الإفطار علي موائد الرحمن كانت هذه اللقاءات. تقول إكرام محمد عبد القوي 37 سنة تحمل طفلا ومعها بنت في العاشرة من عمرها يظهر عليها الوقار والخلق الرفيع لدي خمسة أبناء، كنت أعمل أنا وزوجي في السياحة ولظروفنا أضطر إلي أن أفطر كل يوم في رمضان علي مائدة الرحمن.. كان زمان معي نقودا.. وتؤكد إكرام: في الأعوام السابقة كنت أعمل إفطارا في بيتي، وأجلس بين أولادي ونأكل جميعا، واليوم تبدل كل شيء وأصبحت لا أملك قرشا واحدا، وأفطر في الشارع علي موائد الرحمن، وكنت أعيش مع أسرتي في شقة بمنطقة روكسي بشارع صلاح الدين اليوم أتنقل بين الفنادق الرخيصة «البسيطة» وذلك لأن أسعارإيجار الشقق غالية، وأصبح الأكل والملابس في غلاء مستمر، وتشير إلي أن زوجها لا يعمل منذ خمس سنوات حيث عمل بأحد محال السوبر ماركت وتعرض لحادث تسبب في إصابة جعلته لايستطيع العمل.أنا الآن أتسول الأكل.. وتتساءل أما الملابس فكيف أحصل عليها فهي لا توزع علي موائد الرحمن. علي نفس المائدة تتناول الإفطار سيدة عجوز رفضت ذكر اسمها وتقول إن حالي كما ترين.. فبلدي شبين القناطر من محافظة القليوبية.. أفطر كل يوم علي موائد الرحمن بسبب غلاء المعيشة. وتؤكد المرأة العجوز أنها كان لها زوج ومات وكان عندها ولدان، الأكبر تزوج وأنجب بنتا وماتت والأصغر أنجب خمس بنات ثم مات. وبعد كلمات بسيطة وجدتها تتركني وتلتقط فضلات الخبز من علي المائدة ثم تضعها في شنطة فمن الواضح أنها تبيع بقايا الخبز. تقول سلوي محمد عمري 42 سنة لا أعمل، زوجي مسافر، أفطر علي مائدة رحمن لأنني فطرت أمس وحدي، أما ما يقدم علي مائدة الرحمن فهي وجبة كاملة تكفي الصائم، وبتلك الحسنة التي يقدمها المصريون للمحتاجين في رمضان فهم يشعرون بالغلابة والفقراء. وتؤكد أن غلاء الأسعار هو السبب وراء نزول المرأة إلي موائد الرحمن، فعمل الإفطار في المنزل مكلف جدا خاصة أن زوجي يبعث لي كل فترة حوالة بمبلغ بسيط تكفيني بالعافية أسدد منه إيجار الشقة والمياه والنور والغاز وغيرها من الالتزامات. وأمام مسجد الفتح بشارع رمسيس تقول فاطمة السيد محمد عمري 62 سنة، ليس لي معاش فأجلس أنا وسيدة عجوز (أشارت إليها) تدعي عيوشة عباس إسماعيل، بنفس السن، وتؤكد أنها تأتي الي هذا المكان حتي تتناول الإفطار معها، وهي تعيش علي الصدقة. وتؤكد أن لديهما أبناء وتقولان نحن في زمن الأبناء لا تفعل شيئا للأمهات. يقول ممدوح سيد فرغلي: عمري 51 سنة، أعمل منذ ما يقرب من 40سنة في خدمة سيدنا الحسين والسيدة زينب وأخدم للعام الثاني في مائدة الرحمن، ويؤكد أن عدد الصائمين الذين يفطرون بمائدة جمعية الوحدة الإسلامية بمنطقة العباسية يصل إلي 1000 صائم أو أكثر والوجبة كانت اليوم كبدة وخضارا وأرزا وسلطة والحلو قطائف أو كنافة. ويضيف أن عدد السيدات اللاتي يفطرن هن خمس سيدات لسن من المتسولات فهن من تمريض مستشفي دار الشفاء والسبب غالبا هو ظروف مواعيد العمل فبعد انتهاء عملهن يتناولن الإفطار بالمائدة. كما أن هناك أسرا من زوج وزوجة وأولاد تضطر للوقوف بالسيارة وتنزل لتناول الإفطار. تقول سوسن محمد عاملة بمسجد النور بالعباسية إنها أفطرت أول يوم مع أولادها الثلاثة واليوم تفطر مع زميلتها في العمل لأنها لا تستطيع أن تترك المكان وتذهب لتناول الإفطار تقول: الطعام الذي قمت بإعداده أمس يكفي لمدة يومين وأيضا ممكن الأولاد تأكل أي شيء. وتؤكد سوسن أنها أشترت أمس فرخه بثمن 40 جنيه وكانت في حجم العصفورة، ورغم ذلك تم توزيعها علي أفراد أسرتها الخمسة والسبب أنها لا تستطيع شراء لحوم لأن مرتبها 200جنيه فقط لا يكفي شيئا، خاصة أنها تسكن بشقة قانون جديد بمنشية الصدر. تقول نسرين مصطفي مرسي 49 سنة أبي وأمي متوفيان وآتي للصلاة بمسجد النور بالعباسية ولدي معاش تضامن اجتماعي لا يكفيني، ولذلك أتناول الوجبات من مائدة الرحمن أو من أهل الخير الذين يوزعون إفطارا في الشارع. أما شيماء أسامة مصطفي ورانيا حسين وأحلام سيد جميعهن في سن متقاربة في العقد الثالث فيتناولن الإفطار بمائدة مسجد المسبح بحي السيدة عائشة، فهن بائعات مناديل اثنتان تحملان أطفالا علي أيديهن، ولأنهن لا يستطعن عمل وجبة الإفطار في منزلهن وذلك لأن الوجبة مكلفة. وتؤكد شيماء أن لها أبا مريضا وكبيرا فى السن لايستطيع العمل فتأتي من بني سويف وتأخذ معها وجبة إفطار له وإذا لم تتمكن من أخذ تلك الوجبة فالجيران ما زالت بخير.. فهم يرعونه ويقدمون له الطعام.