مرسي أم شفيق؟ الدولة الإسلامية الدينية أم الدولة المدنية؟ الثورة أم فلول النظام السابق؟ الدعوة إلي التظاهر والاعتصام لكي يتم تطبيق قانون العزل السياسي علي أحمد شفيق مرشح النظام والدولة العميقة, أم احترام اللعبة الانتخابية ونتائجها؟ أسئلة المأزق السياسي الحاد بل والتاريخي الذي جاء تعبيرا مكثفا ونتاجا لحصاد مر لعملية سياسية انتقالية اتسمت بالتواطوءات بين عديد الأطراف تم خلالها رسم خريطة طريق سياسي متخم بالأزمات, وتمرينات سياسية لمجموعة من الهواة من أطراف القوة الفعلية في البلاد الإخوان والسلفيون والسلطة الفعلية يتوافقون حينا علي مساومة سياسية حول بعض الحصص من كتلة السلطة, ثم سرعان ما يكتشف طرفا الصفقة أنهما يضمران أكثر ما يفصحان! عديد وقائع عنف بعضها معلن وأخري تعبر عن ردود أفعال عفوية وبعضها الآخر لا تعدو أن تكون فخاخ نصبت كي يقع في شباكها بعض من الشباب الثائر, وتتوالي تداعيات العنف وانفلاتاته ودماؤه وجروحه وموته المحلق, ومعه يبدو الخوف الذي يتمدد في ثنايا عدم اليقين والغموض والاضطراب. ما الذي يكمن وراء هذه الصفقات السياسية, ولماذا تجري في الخفاء أو خلسة المختلس في نظر بعضهم؟ غالب أطراف اللعبة السياسية هم أبناء ثقافة التسلط والطغيان في ممارساته وصفقاته ومناوراته وبعضهم كان جزءا لا يتجزأ من تركيبة النظام التسلطي الذي لا يزال مستمرا بل عاد وبقوة وفعالية, بل ارتفعت أصوات بعض زبائنه وأتباعه صاخبة في أعقاب الجولة الانتخابية الرئاسية الأولي وراء مرشحهم الرئاسي. والطرف الآخر في معادلة القوة التيار الإسلامي السياسي, كان جزءا من النظام وثقافته السياسية وأساليب عمله, ورغما عن مشاركته النسبية في الانتفاضة الثورية بعد رفض صارم لها خشية أن يتحمل وزر تأييده لها من قبل النظام وأجهزته القمعية بدي في ذات أهاب الحزب السلطوي المنحل! غالب ممثلي ورموز طرفي القوة من صناع المأزق السياسي الدرامي الراهن, ينتمون إلي ظاهرة الشيخوخة الجيلية التي هيمنت علي نظام مبارك, ومن ثم لديهم نزعة عميقة لاستبعاد وتهميش الأجيال الشابة, وذلك رغما عن إشاداتهم الدائمة بدور الشباب الثائر, وبالثورة إلي آخر هذا النمط الشعاراتي الصاخب الذي يضمر نزعة إقصائية جيلية, وسياسية تتمركز حول الذات الشخصية لهؤلاء القادة من الإخوان ومشايخ السلفية ومحاسيب النظام الديكتاتوري والدولة العميقة, وبعض قادة أحزاب المعارضة الرسمية الهامشية-, ولا يؤمنون بالحق في الاختلاف السياسي والفكري والإيديولوجي. غالب هؤلاء جاءوا من أعطاف التسلطية السياسية والدينية والإيديولوجية, وجزء من تكوينها وحياتها وممارساتها التي هيمن عليها الأبوية السياسية في الفكر والإدراك والسلوك. أنهم أبناء ثقافة الاستبداد ورفض الآخر, وعدم القبول به إلا اضطرارا لا اقتناعا وعلي نحو شكلي. ثقافة استبدادية وقمعية تشكلت عليها نخب الاستبداد وأشباهها ونظائرها, أو نخب أخري تتحدث عن الديمقراطية وثقافة حقوق الإنسان العالمية, وحقوق المواطنة والحقوق والحريات الدستورية الشخصية والهامة, ولكن تحليل أولي للشعارات والممارسات والخطابات الشفاهية والكتابية الشائعة تشير إلي أن ظاهر القول الخطابي يحمل كلاشيهات وملفوظات الحرية والقبول بالاختلاف والإيمان بالرأي والرأي الآخر. وبحق الجميع في الحضور الفعال في المشهد السياسي, وفي مؤسسات الدولة, لكن ما وراء الخطاب يكمن المنطق الشمولي والاستبعادي للآخرين. أنها ثقافة الاستبداد والأبوية والاستعلاء النرجسي لأجيال الشيخوخة السياسية والجيلية ذات الجذور والدماء العسكريتارية والدينية والبيروقراطية والتكنوقراطية. شيخوخة في الأفكار والحس البيروقراطي والتكنوقراطي التي تبدو كوباء سياسي منتشر في أوساط نخب الاستبداد, أو الحنين إليه والتي مست بعضا من أبناء الأجيال الجديدة الثائرة التي خرجت من قلب ثورة الوسائط الاتصالية المتعددة ومواقع التواصل والتفاعل الاجتماعي. ثمة استثناءات لا تخطئها العين الفاحصة لأبناء الإيمان بقيم الحرية والإنسان والمواطنة وبحقوق المرأة والطفولة, والعدالة الاجتماعية والقيم الدينية الفضلي.. إلخ, لكن هؤلاء لا يزالون استثناء حيا وحيويا ويصارع عالما من روئ وقيم وسلوكيات الاستبداد والقمع والاستبعاد للآخرين التي تهيمن علي فضاءات المصريين علي اختلافها. ثمة نزعة هيمنة تلوح من قلب الخطاب الإخواني والسلفي, وأيضا خطاب الأمن والأمان والاستقرار وعجلة الإنتاج الردئ!, والذي يعكس عجزا وتفاهة. أنها ثقافة الأقدميات المطلقة, والمحسوبية والموالاة, وكتابة التقارير والوشاة, والأحقاد النفسية! ثقافة أبناء الناس, وأبناء الجارية!, ثقافة الحكم لمن غلب! ثقافة العبيد, وأسواق النخاسة, وشراء وبيع الأصوات عينا, أو نقدا! غالب أطراف معادلة القوة السياسية والدينية التي قادت البلاد إلي هذا المأزق الخطير بين قطبي الهيمنة والسيطرة, جاءوا من أبناء ثقافة القمع والأبوية والاستبداد, لا ثقافة الحرية والمساواة والتكافؤ وحرية التدين والاعتقاد ثقافة أبن من؟ التي قادت مصر إلي التخلف التاريخي في المؤسسات والتعليم والثقافة والإعلام والفساد الممنهج وشبكاته, والأخطر خراب الروح والذمم. غالب أبناء الشيخوخة السياسية وفي الأعمار لا كلهم أطال الله حياتهم وأبعدهم عنا والدولة العميقة وأطراف صفقاتها ووشاتها لم نسمع أو نقرأ لهم أية رؤية تجديدية للدولة ومؤسساتها, ودورها ورسالتها في الإقليم والعالم!! كيف لهؤلاء أن يقودونا لتجاوز وضعية الاستضعاف السياسي والحضاري, والتخلف التاريخي الذي نعيشه الآن! نحن أمام تواطؤ سياسي أدي إلي احتواء ومحاولة تصفية العملية الثورية من خلال سياسة إشاعة الخوف والقلق والغموض والاضطراب, وذلك لكي يعاد إنتاج شيخوخة الروح والأفكار والمشاعر والمصالح السياسية. المزيد من مقالات نبيل عبدالفتاح