يجمع الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، بين عدة مزايا وخصال حميدة، نخص بالذكر منها، أن تصرفاته وتحركاته تنم عن ثقة فى النفس، ثقة تنأى به عن فخ الغرور والتعالى، وأنه يعى جيدا ما يدور من حولنا سواء فى منطقتنا، أو خارجها، ويؤمن بحتمية الانفتاح على العالم الخارجى، وألا يكون الأزهر المرجعية الأولى للإسلام فى العالم فى موقف الدفاع بل الهجوم، ومجاهرته بالحقائق كما هى دون رتوش تجملها وتخرجها من سياقها، ومرونة عالية فى التفاهم والأخذ والرد مع المختلفين مع المشيخة، شريطة الالتزام بآداب ومعايير الحوار الراقى، علاوة على الهدوء والاتزان، وروح المغامرة. انطلاقا من ذلك لا نملك سوى الثناء على إعلانه ، الخميس الماضى ، استراتيجية تطوير وتجديد الأزهر، لمواجهة التطرف والتشدد الدينى فى هذا التوقيت الدقيق، والتى تضمنت ثمانية محاور رئيسية، ومن حيث الشكل فإن استراتيجية الطيب تعد الأكبر والأكثر شمولا فى تاريخ الأزهر الشريف، وهى خطوة شجاعة للإصلاح الذاتى، ومن حيث المضمون والجوهر فإنها مليئة بأفكار عريضة تبين توجهاتها ومراميها، وتتسم بالتنوع ما بين تعظيم الاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعى لتكون الجسر الناقل لمفاهيم الإسلام الوسطى للمصريين والأجانب، وتحديث المناهج التعليمية الأزهرية، وإعطاء فرصة لشباب الدعاة الأزهريين للتعبير عن أنفسهم وفكرهم الذى ربما لا يعجب جيل الرواد بالمشيخة الذين يرونه «مودرن» زيادة عن اللزوم، ولا يتناسب مع وقار الأزهر وعراقته. نستطيع أن نستشف من بين ثنايا ما قاله الطيب عن استراتيجيته أن إحساسا بالخطر كان محركا خلف اعدادها وإخراجها للنور، فالطيب يعى أن صورة الإسلام تشوه بيد من يشهدون أنه لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأن الغرب ينظر إليه باعتباره الوجه الآخر لعملة الإرهاب، وأن الفكر التكفيرى فى مصر بات مؤرقا وسحابة سوداء تعكر صفو سماء بلادنا، وأنه لابد للأزهر أن يتقدم الصفوف للتخلص منه والقضاء على أسبابه، ويفطن إلى أن الكثيرين فى الآونة الأخيرة ينتقدون المؤسسة الأزهرية لجمودها، والاحتفاظ بآراء لبعض الفقهاء تدعو للتكفير والقتل والعنف استنادا لتفسيرات بعينها لآيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة، ومن ثم كان لازما التحرك السريع. ومع تسليمنا الكامل بما احتوته الاستراتيجية من جوانب إيجابية فإنها سكتت عن أمور غاية فى الأهمية والخطورة وبدونها ستظل غير مكتملة الأركان، مما قد يحول دون قطف الثمار الطيبة المرجوة منها، ونبدؤها بتساؤل عمَن سيكون المنوط به تسيير دفة سفينة تجديد أزهرنا؟ سريعا ستبادر بالقول إن الطيب هو قائد السفينة والقابض على دفتها، سأرد عليك بأن استفهامى يدور حول مَن سيتولى المتابعة اليومية لها، وإزالة ما سيعترضها من معوقات وحواجز، وما إذا كانت آليات تنفيذها حاضرة أم أنها لا تزال فى طور الإعداد والصياغة، وما هى مصادر تمويلها، وكم المبلغ المرصود لها، والمدى الزمنى المعتمد لها؟ فتلك تفاصيل ضرورية يجب الإلمام بها والكشف عنها، حتى لا تصبح هذه الاستراتيجية مثل غيرها من الاستراتيجيات التى تنال حظها المؤقت من الأضواء، ثم سرعان ما تنحسر عنها، بسبب افتقادها لمقومات الاستمرار، ومنها إيضاح كل عناصرها بشفافية، وأن نعرف تطورات تنفيذها أولا بأول، مثلما نرى فى مشروعاتنا الكبرى التى يعود جانب كبير من نجاحها واتمامها فى التوقيتات المعلنة إلى المتابعة المتواصلة، وإبلاغ الرأى العام بها. المسكوت عنه أيضا فى الاستراتيجية أنه لأسباب تضيق المساحة عن سردها كاملة فإن الأزهر تعرض خلال سنوات متتابعة لعمليات اختراق منظمة ومخططة بحرفية من قبل جماعة الإخوان الإرهابية التى تبوأت عناصرها مواقع قيادية بالمشيخة وفى كليات جامعة الأزهر، لا سيما العملية منها، وهؤلاء كونوا بؤرا للتشدد تعمل كالخلايا السرطانية، فماذا تم مع هذه الفئة، وهل جرى تنقية الجامعة منهم ومن غيرهم من أرباب الغلو باسم الدين، ولا يغيب عن أذهاننا أن بعض الأساتذة كانوا يزودون طلاب الإرهابية بالعبوات الحارقة والشماريخ والأسلحة، عندما كانوا يخربون ويحرقون كلياتهم بالأزهر؟ الأمر الثانى أن الاستراتيجية تحاشت الكلام عن المسارات الموازية للأزهر، التى أصبحت سائدة ومتغلغلة ومالكة لتأثير يصعب إنكاره، حتى إن صوتها يعلو أحيانا على صوت أزهرنا، أقصد بذلك المعاهد والمراكز الدينية التى تقام بمعرفة السلفيين والإخوان وغيرهما وتقوم بتدريس العلوم الشرعية، وتجرى من خلالها عمليات غسل أدمغة واسعة النطاق، لإشاعة التكفير، وإباحة رفع السلاح فى وجه الدولة، وخطر هؤلاء لو تعلمون عظيم، نظرا لأن الأزهر ليس لديه العدد الكافى من الدعاة لتغطية مساجد وزوايا الوطن، وينتهز التيار السلفى والإخوانى هذا النقص بدفع أقطابه للمنابر، فكيف سيتعامل الأزهر مع هذه الكيانات، وهل يمكن أن تكون ضمن سيطرته، أم تراها ستظل بعيدة عن قبضته القوية؟ الأمر الثالث أنه لم يتحدد موقف واضح القسمات من قضية ازدراء الأديان المحاطة بالتباسات وتأويلات ما أنزل الله بها من سلطان، وعلى الأزهر أن يرشدنا لقول فصل بشأنها، وألا تخضع المسألة للأهواء الشخصية، فإن كنا نرمى للتجديد فلا يجوز وضع سكين على رقبة من يفكر فى الاجتهاد، فنحن مطالبون بالاجتهاد والإصلاح. [email protected] لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي