لست أجنح إلي المبالغة أو أتجني علي الواقع عندما أقول أن السكوت والصمت علي مناخ الخواء الفكري والفراغ الثقافي والارتجال السياسي والهبوط الإعلامي لكي يكون عنوانا من عناوين المشهد الراهن هو الخطر الأكبر علينا لأنه في ظل هذا الخواء والفراغ سوف نظل مشدودين باتجاه الانشغال في قضايا هامشية ومعارك وهمية بدلا من إجهاد العقول وتوحيد الجهود باتجاه شرف الاجتهاد في البحث عن حلول ناجحة للتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية التي تدهمنا هذه الأيام وبينها التحدي المتعلق بكيفية استكمال البناء الديمقراطي في ظل المواءمة بين حتمية استمرار الانفتاح علي العالم بثقافاته وأفكاره وبين ضرورات الحفاظ علي خصوصية الثقافة والحضارة والتقاليد والأعراف العربية. والحقيقة إننا نعيش مرحلة استثنائية تداخلت فيها الأمور وتشابكت فيها التعاريف بشكل غير مسبوق, وأصبحت ساحة الفكر والسياسة والثقافة والإعلام مفتوحة علي مصاريعها لمن تأهل ومن لم يتأهل.. ولا شك في أن استمرار هذه الاستباحة لساحة الفكر والسياسة والثقافة والإعلام هو الذي يصنع الكثير من الأزمات ويفجر علي السطح معارك من غير أساس تؤدي لانشغال الناس عن قضاياها الرئيسية وإثارة التناقضات وغرس سلوكيات التراشق وتبادل الاتهامات! ولعلنا نتفق علي أن مواصفات المثقف والمفكر والسياسي قد استبيحت وأصبحت بلا ضابط ولا رابط لأنه ليس مثقفا كل من يكتب في جريدة وليس سياسيا كل من امتلك دكانا حزبيا وليس مفكرا كل من يقف علي منبر من منابر الخطاب العام, وإنما المثقف هو من يقدم المعرفة للناس دون استعلاء والمفكر هو من تشهد له مؤلفاته وإبداعاته في تشكيل وجدان الشعب أما السياسي فهو من يعترف به الجمهور ويمنحه هذه الصفة من أرضية الثقة فيه والاقتناع به! إننا في غفلة تستوجب سرعة الإفاقة منها وذلك لن يتحقق إلا بإعادة الاعتبار للفكر الصحيح والثقافة المستنيرة والإعلام الرشيد بدلا من الخواء الفكري والفراغ الثقافي والارتجال السياسي الذي استشري في جسد الأمة وسمح للجهلاء والمغرورين أن يكون لهم أصوات مسموعة ومؤثرة! وغدا نواصل الحديث.. خير الكلام: يزداد الغرور مع ازدياد الجهل.. ويزدهر الفكر مع ازدهار الحقيقة! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله