تطور جديد بشأن حماية المسنين والقومي لحقوق الإنسان يعلق    خطيب الجمعة الأخيرة من شوال: يكفي الأمين شرفًا أن شهد له الرسول بكمال الإيمان    تراجع ملحوظ في أسعار السلع الغذائية بالأسواق اليوم    وزير التنمية المحلية: بدء تلقي طلبات التصالح على مخالفات البناء 7 مايو    المجتمعات العمرانية: تكثيف العمل للانتهاء من تطوير المنطقة الصناعية بالعاشر من رمضان    توريد 107 آلاف و849 طن قمح لصوامع وشون كفر الشيخ    نائب وزيرة التخطيط يفتتح أعمال الدورة الثالثة للجنة تمويل التنمية في الدول الأعضاء بالإسكوا    استلام 90 ألف طن قمح من المزارعين في المنيا    الشرطة الفرنسية تقتحم جامعة سيانس بو في باريس لتفريق داعمي فلسطين    تركيا: تعليق التجارة مع الاحتلال حتى وقف إطلاق نار دائم في غزة    نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين: 140 صحفيا فلسطينيا استشهدوا منذ 7 أكتوبر    كلوب يفتح النار قبل رحيله: بإمكان الناس البقاء على قيد الحياة بدون مباريات من وقت لآخر    علام يكشف الخطوة المقبلة في أزمة الشحات والشيبي.. موقف شرط فيتوريا الجزائي وهل يترشح للانتخابات مجددا؟    ضبط سيدة في بني سويف بتهمة النصب على مواطنين    تحرير 2582 محضراً في حملات تفتيشية ورقابية على الأنشطة التجارية بالشرقية    3.8 مليون جنيه إيرادات 4 أفلام بالسينما في يوم واحد    اليوم.. الإعلامي جابر القرموطي يقدم حلقة خاصة من معرض أبوظبي للكتاب على cbc    نقيب المهندسين: الاحتلال الإسرائيلي يستهدف طمس الهوية والذاكرة الفلسطينية في    أحمد السقا: التاريخ والدين مينفعش نهزر فيهم    التضامن تكرم إياد نصار عن مسلسل صلة رحم    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    هيئة الدواء تكشف طرق علاج قصور القلب، وهذه أهم أسبابه    المطران شامي يترأس خدمة الآلام الخلاصية ورتبة الصلب وقراءة الأناجيل الاثنى عشر بالإسكندرية    الوزراء: 2679 شكوى من التلاعب في وزن الخبز وتفعيل 3129 كارت تكافل وكرامة    وزير الرياضة يطلق شارة بدء ماراثون دهب بجنوب سيناء    برشلونة يستهدف التعاقد مع الجوهرة الإفريقية    صحف إيطاليا تبرز قتل ذئاب روما على يد ليفركوزن    زيادة جديدة ب عيار 21 الآن.. ارتفاع سعر الذهب اليوم الجمعة 3-5-2024 في مصر    أسعار الأسماك اليوم الجمعة 3-5-2024 في الدقهلية    "مضوني وسرقوا العربية".. تفاصيل اختطاف شاب في القاهرة    ضبط 101 مخالفة تموينية في حملة على المخابز ببني سويف    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    انقلاب سيارة ربع نقل بالمنيا وإصابة 6 أشخاص    البابا تواضروس يترأس صلاة الجمعة العظيمة    مصر أكتوبر: اتحاد القبائل العربية يعمل على تعزيز أمن واستقرار سيناء    خطوات التقديم على 3408 فرص عمل جديدة في 55 شركة    رئيس البرلمان العربي: الصحافة لعبت دورا مهما في كشف جرائم الاحتلال الإسرائيلي    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    مدير مكتبة الإسكندرية: العالم يعيش أزمة أخلاق والدليل أحداث غزة (صور)    الليلة.. تامر حسني يحيي حفلا غنائيا بالعين السخنة    قصور الثقافة: إقبال كبير على فيلم السرب في سينما الشعب.. ونشكر «المتحدة»    البنتاجون: نراقب الروس الموجودين في قاعدة يتواجد فيها الجيش الأمريكي في النيجر    «اللهم احفظنا من عذاب القبر وحلول الفقر وتقلُّب الدهر».. دعاء يوم الجمعة لطلب الرزق وفك الكرب    «أمانة العامل والصانع وإتقانهما».. تعرف على نص خطبة الجمعة اليوم    أيمن سلامة ل«الشاهد»: مرافعة مصر أمام العدل الدولية دحضت كافة الأكاذيب الإسرائيلية    لإنقاذ حياة المرضى والمصابين.. أمن بورسعيد ينظم حملة للتبرع بالدم    رئيس اتحاد الكرة: عامر حسين «معذور»    عبد المنصف: "نجاح خالد بيبو جزء منه بسبب مباراة ال6-1"    محظورات امتحانات نهاية العام لطلاب الأول والثاني الثانوي    السنوار يعارض منح إسرائيل الحق في منع المعتقلين الفلسطنيين من العيش بالضفة    هل مسموح للأطفال تناول الرنجة والفسيخ؟ استشاري تغذية علاجية تجيب    حكم لبس النقاب للمرأة المحرمة.. دار الإفتاء تجيب    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدد المرات.. اعرف التصرف الشرعي    تشكيل الهلال المتوقع أمام التعاون| ميتروفيتش يقود الهجوم    الناس لا تجتمع على أحد.. أول تعليق من حسام موافي بعد واقعة تقبيل يد محمد أبو العينين    «تحويشة عمري».. زوج عروس كفر الشيخ ضحية انقلاب سيارة الزفاف في ترعة ينعيها بكلمات مؤثرة (صورة)    رسالة جديدة من هاني الناظر إلى ابنه في المنام.. ما هي؟    أحكام بالسجن المشدد .. «الجنايات» تضع النهاية لتجار الأعضاء البشرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما وراء حادثة قرية الكرم بالمنيا:
وقائع وجذور عنف طائفى معلن
نشر في الأهرام اليومي يوم 03 - 06 - 2016

يسود الاضطراب غالبا فى مراحل الانتقال السياسى فى أعقاب الانتفاضات الجماهيرية، والهبات الثورية، وتنفجر المشكلات
الاجتماعية والدينية والاقتصادية المتراكمة والممتدة، ومعها مستجدات وتوترات واحتقانات كبرى، وتثور إشكاليات متعددة على رأسها:
الأمن والحرية وسيادة القانون، وغالبا ما تبدو أولوية الأمن غالبة على ما عداها من المشكلات على نحو ما رأينا فى ظل انتشار موجات العنف الجنائى والسياسى ذى الوجوه والأقنعة الدينية كما رأينا فى أثناء المراحل الانتقالية الأولى والثانية فى أعقاب 25 يناير 2011، والأخطر استغلال بعض الجماعات الإسلامية السياسية والسلفية للفجوات الأمنية، وغياب تطبيق قانون الدولة أو اختلاله لمحاولة ملء هذه الفراغات من خلال فرض قانون الأعراف- ذو السند والجذور الاجتماعية والدينية-، ومن هنا حاولت بعض هذه الجماعات أنفاذ تصوراتها التقليدية ما قبل الحديثة، فى مجال القانون استمداداً من موروثها الدينى التأويلى الوضعى، وتطبيقه على النزاعات التى تعرض لها، والأخطر أن هذه المحاكم العرفية، استولت على صلاحيات السلطة القضائية، وبدى لبعضهم إحلال سلطتهم الدينية الوضعية من خلال تدريب بعض من أعضائهم والموالين لهم على أعمال القضاء الدينى العرفى، ووصل الأمر إلى تدريب أكثر من خمسمائة قاض عرفى، وهو إعلان صريح بإحلال سلطتهم بديلاً عن الدولة وقانونها ومحاكمها وقضاتها، وأجهزتها الأمنية المنوط بها تطبيق القانون وإنفاذ أحكام القضاء على المتنازعين.
هذا التوجه بالغ الخطورة ارتبط وتزامن مع أشكال أمنية خارج أجهزة الدولة المختلقة متمثلة فى اللجان الشعبية، وكان يدير بعضها أو غالبها بعض الخارجين عن القانون، لترسيخ مفهوم القوة والغلبة على المواطنين!
من هنا انفجرت المشكلات الاجتماعية والتوترات والنزاعات الدينية المستمرة منذ حادثة الخانكة زائعة الصيت فى تاريخ النزاعات الاجتماعية والدينية المصرية، والتى أخذت فى التوالد والتكاثر منذ عهد الرئيس الأسبق أنور السادات، وتزايدت وقائع العنف الطائفى فى عهد مبارك وما بعد متمثلة فى الاعتداء على بعض الأقباط وممتلكاتهم ودور عبادتهم، وأمتد العنف المادى إلى رمزى ولفظى من خلال خطاب دينى محافظ ومتزمت يركز على الهجوم على العقائد المسيحية، وعلى الكراهية ورفض الآخر، وهو ما شاركت فيه جماعات إسلامية سياسية وسلفية وبعض رجال الدين سعيا وراء توسيع سلطاتهم الاجتماعية ونفوذهم خارج نطاق المجال الدينى الدعوى، والأخطر أنهم ركزوا على توسيع الفجوات الدينية والإنسانية والاجتماعية بين المواطنين، من خلال السعى إلى إنتاج معازل اجتماعية تقسم الأمة المصرية الحديثة –الواحدة الموحدة- رأسيا على أساس الانتماء الدينى إلى مسلمين ومسيحيين، وداخل كل ديانة كريمة إلى مذاهب!
اتجاه خطير رمى إلى كسر الموحدات الوطنية المصرية، كجزء من أضعاف الأواصر والتلاحم الوطنى حول الدولة/ الأمة أهم إنجاز تاريخى حققه المصريين منذ نهاية القرن التاسع عشر، وبدء عمليات بناء الدولة والأمة ومؤسساتها الحديثة، ونمط العلاقات الاجتماعية التى تنظمها هندسة قانونية حداثية، تقوم على خضوع كافة العلاقات والروابط على أساس المنظومات والقواعد القانونية فى كافة المجالات وعلى رأسها القوانين المدنية والجنائية –قانونى العقوبات والإجراءات الجنائية-، والتجارى، والإدارى.. الخ.
هذه التطورات كانت جزءاً من تحول مصر من نظام المكانة والقوة والنفوذ التقليدى إلى نظام العقد والقانون الذى ينظم العلاقات والمراكز القانونية المتنازعة فى إطار الدولة الحديثة وسلطاتها وأجهزتها المختصة. هذا التطور التاريخى الاستثنائى والفريد فى دول المنطقة –مع دولة المخزن فى المغرب- شكل إنجازاً فريداً، ومن هنا شهدت مصر عديد الدساتير، حتى المرحلة شبه الليبرالية، وتأسيس مفاهيم المواطنة والمساواة وحرية التدين والاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية. مبادئ أساسية تنظم الحريات العامة والشخصية، وترتب عليها إنتاج مفهوم الأمة الحديث كما عرفته المجتمعات الأكثر عراقة وتجربة وتمديناً.
كسر هذا الاستثناء التاريخى فى إقليم منقسم، حاول بعضهم أن يمرره عبر خلق المعازل النفسية والإدراكية حول الانقسام الدينى، وتحويل المجال العام إلى مجال محاصر بالمجال الدينى وانقساماته، كبوابة لتأكل الدولة الحديثة ونظامها القانونى وقيم ومبادئ المواطنة الحديثة بالتركيز على التناقضات العقائدية والطقوسية بين الأديان، والاعتماد على قانون الغلبة العددية من الأغلبية على الأقلية، ثم إنفاذ القانون الدينى الوضعى، والقواعد العرفية فى المنازعات الاجتماعية. هذا هو الهدف الرئيس من كسر الدولة/ الأمة من خلال عديد الخطابات الدينية والمفاهيم والأشكال والآليات العرفية والدينية والمذهبية. الاستراتيجيات الدينية والعرفية السابقة وجدت بيئة ملائمة لها فى ظل تديين السادات للمجال العام، وللخطاب السياسى الرسمى، ومساواماته مع جماعة الإخوان المسلمين، ودعم الحركة السلفية لمواجهة الأولى عندما أشتد الخلاف والصراع معهم.
أحد أخطر أسباب تمدد واتساع نطاق التوترات الدينية ذات البعد الطائفى تمثلت فى وهن قبضة الدولة فى تطبيق القانون وإنفاذه فى تفاصيل الحياة اليومية، وتركيزها على المعارضات السياسية من اليساريين والقوميين، والإسلاميين والمستقلين، وعلى إنتاج وتطبيق القوانين التى تحمى وتُعيد إنتاج المصالح السياسية والانقصادية والاجتماعية للنخبة السياسية الحاكمة، وظهيرها الاجتماعى، وتركت قانون الواقع والفساد والقوة والنفوذ والأعراف يتمدد فى العلاقات بين المواطنين، على نحو اشاع فجوات بينهم وبين قانون الدولة ومصداقيتها فى تطبيقه.
أخطر الأسباب قاطبة هو اللجوء إلى نظام المجالس العرفية لحل المنازعات الطائفية والثأرية من بعض أجهزة الدولة، وأعضاء البرلمان، وذوى المكانة والنفوذ العائلى والقبلى، ورجال الدين، وذلك منذ أكثر من خمسة وأربعين عاما مضت، وإلى الآن!
نظام المجالس العرفية، وجد جذوره فى بعض القرى والنجوع والمراكز الريفية فى محافظات الصعيد، والدلتا، تحت مسمى «قعدات الصلح» ومجالس العرب، وذلك لإيجاد حلول بين المتخاصمين والمتنازعين فى بعض المشاكل الفردية أو الجماعية حول الملكية، والرى، والمشكلات الأسرية..الخ، وبعضها كان ينعقد لإيجاد حلول للمشكلات الثأرية بين العائلات والقبائل فى الصعيد. كانت أجهزة الدولة والحكم المحلى يلجأون إلى هذه المنظومة بهدف حصار جرائم القتل والضرب والجرح وعدم امتدادها، ومراعاة التركيبة الاجتماعية القبلية والعائلية الممتدة فى بعض محافظات الصعيد، وامتدت بعضها إلى مناطق بالقاهرة وما حولها.
انتقلت صلاحية المجالس العرفية من المجال الاجتماعى وعلاقاته وتفاعلاته وخصوماته إلى المجال الدينى ذى الوجوه الطائفية بين المسلمين والمسيحيين التى تكاثرت وتمددت على نحو خطير على مبادئ المواطنة والمساواة وحرية التدين والاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية. لجأت بعض أجهزة الدولة الإدارية –الحكم المحلى- إلى سياسة المجالس العرفية لتحقيق عديد الأهداف على رأسها:
1- مراعاة البنية الاجتماعية للقبائل والعائلات الممتدة، ونظام القيم البطريركية التقليدى الذى يمنح سلطة ومصداقية لكبار السن فى حسم المنازعات الداخلية بين أبناء القبيلة أو العائلة اعتماداً على خبراتهم وحكمتهم، وعادة ما يلجأ هؤلاء إلى بعض القواعد العرفية التى سادت داخل القبيلة والعائلة الممتدة وتعتمد على المصالحات ونظام الديات –العرفى وذو الأصل الدينى- فى حسم المنازعات الشخصية أو بين مجموعات، ويكون المجلس هو الضامن لإنفاذ أحكامه.
2- الحلول العرفية تأتى من داخل البنية الاجتماعية، ومن ثم أدعى إلى القبول والاحترام.
3- المجالس العرفية تسهم فى احتواء عملية تمدد النزاعات الاجتماعية الطائفية إلى دوائر أوسع من المناصرين لطرفى النزاع، ومن ثم حصرها فى أضيق نطاق، لاسيما من خلال مشاركة رجال الدين من الطرفين وكبار العائلات والعمد ومشايخ القرى وبعض رجال الأمن والإدارة.
4- ميل بعض قادة الأجهزة الإدارية والمحلية والأمنية إلى الاعتماد على البنية التقليدية والعرفية لعدم اتساع المنازعات الطائفية ذات الحساسية الدينية والاجتماعية، حتى لا تتم مساءلتهم عن عدم القيام بأعمال وقائية فى ظل القانون لعدم وقوع هذه المنازعات.
5- لجوء بعض نواب البرلمان إلى المجالس العرفية، لجذب وتأييد قواعدهم الانتخابية ذات الانتماء الدينى للأكثرية، وللظهور كقادة تقليديين فى دوائرهم الانتخابية لأنهم يعتمدون على التعبئة الانتخابية على أساس الانتماء الدينى وليس الانتماء السياسى، وأنهم يقدمون خدمات إلى الناخبين، ومن هذه الخدمات عدم تطبيق القانون من أسف وأسى معاً!
نظام المجالس العرفية أدى إلى شيوع إدراك شبه جمعى لدى المواطنين بأنها الآلية التى يمكن من خلالها استبعاد قانون الدولة من حسم أصل المنازعات وفروعها وتجاوزها، ومن ثم أدى إلى تفجر المنازعات الطائفية وتمددها، وذلك للأسباب التالية:
1- أطراف المنازعات الاجتماعية- مشاجرات حول الزراعة، والرى، والجيرة وخلافات الأطفال والصبية، ديون، وخلاف على المرور.. الخ- يميلون إلى حسمها عن طريق تحويلها من نزاع أو مشاجرة عادية إلى إضفاء البعد الدينى عليها، لفرض قانون قوة الأكثرية الدينية، وتعبئة المناصرين على أساس دينى.
2- استخدام قوة الأكثرية العددية لحسم المشاجرة، يؤدى إلى خلق قوة ردع اجتماعية تحسم النزاعات المستقبلية بين المتخاصمين.
3- المجالس العرفية وتعويضاتها –الدية- يتم دفعها بشكل جماعى. أن نتائج هذا النمط من المصالحات خارج قانون الدولة، أدى إلى تزايد عمليات تحويل المنازعات العادية –الاجتماعية- إلى المجال الدينى الطائفى، وإلى قانون الأكثرية/ الأقلية، وإضعاف قانون الدولة ومبادئ المواطنة والمساواة والحرية الدينية، ومن ثم إلى إشاعة الشعور بالتمييز على أساس الانتماء الدينى بين المواطنين.
فى المرحلة الانتقالية الثالثة فى أعقاب 30 يونيو 2013 تبدو أحد أكبر التحديات الهيكلية الكبرى التى تواجه الدولة والمجتمع المصرى ضرورة إعمال مبدأ دولة القانون الحديث والقضاء الطبيعى، وإنفاذه على جميع المخاطبين بأحكامه فى كافة المجالات، والأهم فى تفصيلات الحياة اليومية وشبكاتها حتى يستقر فى الوعى الاجتماعى والسياسى للمواطنين- فى أعقاب انتفاضات وهبات جماهيرية ثورية- أن مبدأ المساواة وحقوق المواطنة وحرية التدين والاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية هى قواعد دستورية تطبق فى الواقع وعلى جميع المواطنين والدولة وأجهزتها وقادتها، ولا استثناء لأحد، ولا خروج عن سياجات القانون وضوابطه الموضوعية والإجرائية، أيا كانت الأسباب والدوافع والرغبات. هذه المعانى هى التى ستساعد على الاستقرار وتطوير الوعى الجمعى للمواطنين، وترسيخ معانى وقيم وثقافة الحداثة القانونية والسياسية، وستساعد على تطوير نظام القيم الاجتماعية وتوحيده بين ثقافة المدنية والأرياف. ستؤدى سيادة الحداثة القانونية إلى دعم الثقافة المدنية والسياسية الديمقراطية، وإضفاء المصداقية على الهندسة القانونية الحديثة، فى مواجهة ظواهر ترييف الثقافة والوعى والقانون السائدة.
ما حدث فى قرية الكرم التابعة لمحلية أبو قرقاص، ومركز أبو قرقاص، هى أحد النزاعات الأسرية والعائلية التى تمت بين زوجين وأسرتين وعائلتهما، حول شائعة دارت حول سلوك سيدة مسلمة، ورجل مسيحى، ومن ثم اتخذت مسارا دينياً طائفياً وتضخمت وتمددت لعديد الأسباب منها:
1- البعُد الأخلاقى ذو الحساسية عموماً فيما يتعلق بالعلاقات خارج الزواج وبموازاته، لاسيما من المرأة سواء أكان شائعة أو بها مسُ من الحقيقة خاصة فى حال تعدد الانتماء الدينى لأطراف الشائعة أو العلاقة أيا كان مدى صحتها فى ظل بيئة ريفية يتناقلها بسرعة غالبُ الجمهور.
2-يسهل فى هذا النمط من العلاقات والخلافات حولها إخفاء بعض الخلافات السابقة أو المستكنة بين الأسر والعائلات المسلمة والمسيحية، وسرعان ما تنفجر فى الأمور التى تمس الشرف الأسرى والعائلى، ومن ثم تؤدى إلى تأجيج التوتر والنزاع.
3- تؤدى الشائعات والخلافات حول أمور تتصل بالشرف والعلاقات خارج الزواج إلى استثارة الوعى التقليدى، والنخوة، وشرف العائلة الممتدة، ومن ثم تدفع إلى التعبئة الجماعية، وسرعان ما تتحول إلى نخوة ومناصرة دينية حال تعدد الانتماء الدينى بين أطرافها بين المسلمين والمسيحيين.
4- بدء عملية المواجهة تؤدى إلى امتداد الشائعة وتناسلها وتضخيمها وتتحول فى الإدراك شبه الجمعى الدينى فى القرية أو المركز إلى مجموعة من الحكايات مما يؤجج الخلافات، ويسرع من تحولها من شائعة وحكايات مثيرة إلى مجال العنف المادى والدينى لاسيما على الطرف الأقل عدداً وهم المسيحيون ومن أسرة الرجل إلى عديد الأسر ومنازلهم وممتلكاتهم دون أى جريرة لهم فى المشكلة أو أطرافها.
5- ميلُ بعض موظفى أجهزة الدولة إلى محاولة التقليل من وقائع العنف، حتى لا يساءلوا عن البطء أو التقاعس عن التحرك لمواجهة المشكلة وتطبيق القانون.
6- هروب الرجل المسيحى –موضوع الشائعة أو العلاقة المقول بها- خشية اندلاع بعض أشكال العنف الدينى / الطائفى، وترك والدته ووالده، حتى لا يتعرض لأزى، ثم قيام أسرة زوج السيدة، وعائلته، وبعض المناصرين لهم على أساس دينى بالهجوم والاعتداء على سيدة مسنة – 70 عاما ويزيد فى التقديرات الشائعة- وساعد على تضخيم الواقعة ما قيل عن تعرية السيدة من ملابسها، وسبها بعبارات فاحشة، وهو ما أدى إلى اتساع قاعدة الاستنكار والرفض بين المواطنين الأقباط والمسلمين داخل البلاد وخارجها، وذلك لعديد الأسباب على رأسها ما يلى:
أ - الاعتداء على سيدة مسنة بما يحُط من كرامتها وشرفها وبما يتنافى مع القيم التقليدية فى أرياف الصعيد، حيث النخوة والرجولة، واحترام السيدات المسنات من قبل الرجال بقطع النظر عن ديانة السيدة.
ب - إبلاغ السيدة الشرطة عما نمى إلى علمها من احتمال وقوع اعتداءات عليها قبل حدوث الواقعة، ولم يتحرك أحد لتقصى هذه المعلومات والعمل الوقائى لمنع هذه الاعتداءات المحتملة.
ج - واقعة التعرى أثارت الجماعات الحقوقية والنسائية بعد وقوع الحادثة وتنديدهم بالواقعة، وهو ما ساعد على تعبئة نسائية دفاعاً عن معصومية جسد المرأة ورفض أى أشكال لإنتهاكه، وزوداً عن كرامتها ورفض الحط منها.
د - سرعة انتشار الواقعة على مواقع التواصل الاجتماعى الرقمية، وصورة السيدة المسنة التى تنتمى إلى أسرة مسيحية ريفية بسيطة على نحو أدى إلى إتساع نطاق التعاطف معها من المواطنين المسيحيين والمسلمين.
ه - اتساع ردود الأفعال الغاضبة من بعض المصريين- الأقباط والمسلمين- فى مهاجر مصر ما وراء البحار.
7- وجود سرديات/ حكايات متعارضة حول واقعة الاعتداء على السيدة ومنزلها وبعض منازل الأقباط من حرق وتدمير.. الخ. وكل سردية وحكاية هى نبت أطرافها المتنازعة ومناصريهم، لاسيما السردية التى تحاول نفى واقعة الاعتداء والتعرية، والقول بأنه إذا كان ثمة تعرية لماذا ظهرت وحول عنقها عقدها، ولم ينفرط!
وبقطع النظر عن مستوى ومساحة الاعتداء على السيدة الكريمة المسنة وهل وصل إلى حد تعريتها أمام الجمهور، أو قطع جزء أو أجزاء من ملابسها، أو هجوها، وسبها وقذفها فى علانية فهذا لا ينفى الواقعة أصلاً من الحدوث، ولا الأثرين المادى والنفسى الذى خلفته لديها، ولدى عموم الأقباط والمسلمين معاً.
ولا يحول التخفيف أو التقليل من هذه الآثار بعد تضخم الواقعة دون إعمال القانون وقواعده بحسم على مرتكبيها بعد جمع الاستدلالات لأن الواقعة المشينة تزامنت وتداخلت مع الاعتداء على المنازل واتلافها وحرقها .. الخ!
8- بعض تصريحات رجال الدولة فى المحافظة اتسم بعضها بالتقليل من الواقعة وآثارها بهدف احتواء تمدد النزاع فى القرية وقرى مجاورة، والرغبة فى حصره فى حدوده الدنيا، وتصريحات أخرى –وبعضها للمحافظ- حول الحادثة واللجوء إلى حلها عن طريق المجلس العرفى ابتسرت إعلاميا وعلى بعض التغريدات والرسائل على وسائل التواصل الاجتماعى بعضهم ركز على لجوء أجهزة الإدارة والمحليات إلى المجلس العرفى، دون الإشارة إلى أن ذلك بعد تطبيق القانون والقبض على الجناة بعد تحريات الأجهزة الأمنية المختصة.
هذا النمط من الابتسارات ساعد على تأجيج الغليان على مواقع التواصل الاجتماعى.
9-اعتمدت بعض التغطيات الصحفية على مواقع التواصل الاجتماعى، وعلى بعض أطراف الواقعة –وميل بعضهم إلى تضخيمها أو التخفيف من آثارها- وذلك فى تغطيتهم للحادث. بعض مراسلى الصحف من أبناء المحافظة تعامل مع الواقعة بحسب توجهاته وعلاقاته داخل المحافظة أو مركز أبو قرقاص أو القرية، ومن ثم اتسمت عديد التغطيات بالإثارة ونقص وتضارب المعلومات، أو تبنى السرديات الموجهة لخدمة أحد أطراف النزاع الاجتماعى ذو الوجه الطائفى، ومن ثم انحسرت المهنية وحساسيتها عن هذه التغطيات، ووشم بعضها بالإثارة لجذب جمهور القراء!
10- ساهمت بعض القنوات الفضائية الخاصة فى المبالغة وإضفاء الإثارة على معالجتها وسجالاتها مع ضيوف بعض البرامج الحوارية المثيرة، وضعيفة المستوى الخبرى والتحقيقاتى والمعلوماتى، فى تضخيم بعض السرديات دون الأخرى دون فحص لكل سردية، وتقصى المعلومات حولها وحدودها. بعضهم الآخر اتخذ موقفاً مسبقاً وعدائياً على نحو انحسرت عنه قواعد المهنية لاعتبارات تغليب الإثارة، وجذب نسب عالية من المشاهدة، والإعلانات لضمان استمراريتهم من قبل أصحاب هذه القنوات.
11- بعض مقدمى البرامج –ومعديها- حاولوا إضفاء إثارة أخرى على الحادثة الطائفية، لتعبئة المشاهدين على أساس دينى إزاء أقباط المهجر، وأنهم وراء تضخيم وقائع الفتنة الطائفية، وذلك دونما معلومات تثبت نظرية المؤامرة الساكنة فى عقولهم والناتجة عن عدم أو ضعف المعرفة بتحولات عصرنا، حيث تعد أية وقائع عنف دينى أو طائفى أو ضد المرأة تثير فوراً مسألة المناصرة والتشبيك بين المنظمات الحقوقية المعنية بحقوق الأقليات الدينية والمرأة والجماعات العرقية والقومية واللغوية صغيرة العدد فى أى مكان فى عالمنا المعولم، قرية كانت أو نجع أو جزيرة أو غابة.. الخ. وقائع الانتهاكات لحقوق المرأة والأقليات –أيا كان انتماءها- لم تعد فى النظام الكونى شأنا داخلياً، وإنما تثير اهتمام وتدخل المنظمات الدولية، والحكومات، والإدارات السياسية فى الدول الكبرى. هذا الاهتمام الدولى يتعاظم ويشتد تأثيره الإيجابى أو السلبى بأساليب مواجهة الدول التى تقع فيها هذه الأحداث لوقائع العنف أو الانتهاك لحقوق الأقليات، والأخطر أنها تساهم فى دعم أو تشويه صورة الدولة وهيبتها فى النظام الدولى المعولم، وفى أجهزة الإعلام الكبرى، ووسائل الاتصال الاجتماعى لأن العالم المعولم كله الآن عند أطراف أصابع حاملى أجهزة الهواتف المحمولة الذكية التى تنقل الأحداث فور وقوعها وردود الأفعال عليها بل والمشاركة فى التعليق عليها.
أن حادثة قرية الكرم التابعة لمركز أبو قرقاص فاقم من ردود الأفعال المحلية والوطنية والدولية لأن المحافظة ذات تاريخ فى المنازعات الاجتماعية والدينية ذات الوجوه والأقنعة الطائفية فى ظل التمددات السلفية والإخوانية والجماعة الإسلامية فى قراها ومراكزها منذ عقد الثمانينيات والتسعينيات وما بعد، وظهرت آثار هذا التمدد فى أعقاب 25 يناير 2011، ونمط التصويت الانتخابى الذى ساد فيها على أساس دينى لا سياسى، وساعد على هذا التمدد وأشكال التزمت والتعصب الدينى، عديد من الأسباب المساعدة على الغلو، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما يلى:
1- الخطاب الدينى الوضعى المتشدد لبعض رجال الدين لاكتساب مكانة وهيبة وسطوة فى القرى وبين العائلات الكبيرة والممتدة، من خلال التركيز الانتقائى على معايير التمييز الدينى بين المواطنين، وإبراز التمايزات العقائدية والرمزية والقيمية بين الأديان، وليس على القيم المشتركة، أو مبادئ المساواة والعدل والمحبة والصداقة، والنخوة، وإكرام الضعيف والكرامة والإنسانية والأخوة فى الوطن واحترام الآخر الدينى.. الخ، وهى قيم إسلامية فضلى.
هذا النمط من الخطابات الدينية تمدد فى ظل انتشار دعاة الطرق والقرى والشوارع، وواعظى الجماعات السلفية والدينية المتشددة فى المحافظة وغيرها من محافظات الصعيد.
2- قرية الكرم وبعض القرى تنتشر البطالة بين شبابها من الخريجين الجامعيين وغيرهم، وصلت فيها إلى أكثر من خمسين بالمائة.
3- المياه العذبة تنقطع عن المنازل ولا تصل لهم إلا ليلا.
4- الوحدة الصحية خاوية من العاملين وقت وصولنا ظهراً إلى القرية وتفتقر إلى الخدمات الطبية وطبيب القرية المسيحى وعيادته موضع تقدير واحترام الجميع.
5- لا توجد أية خدمات ثقافية أو ترفيهية على الإطلاق لهذه القرية أو غيرها من القرى المحيطة.
من هنا يتوالد الإحباط، وضعف الآمال فى المستقبل لأبناء القرية، وبعضهم يهجرها إلى العاصمة سعيا وراء الرزق. حياة عند الحافة لغالبية رقيقى الحال من المعسورين.
من هنا لابد من إعمال حكم القانون وتطبيقه بحسم على مرتكبى هذا النمط من الجرائم ذات الوجوه الطائفية أيا كانت ديانتهم أو مكانتهم الاجتماعية لأن ذلك سيعزز ثقافة الدولة وهيبتها ومعناها فى الوعى الاجتماعى للمصريين أما الأشكال العرفية قد تصبح مؤقتاً كآلية مساعدة لاحتواء آثار النزاع الاجتماعية بعد تطبيق القانون، لاسيما فى ظل ظاهرة إعادة تصحيح الأقوال وتغييرها من بعض الأطراف، وإعادة رواية الوقائع بطريقة أخرى لتشويهها أو التخفيف من آثارها، أو أبعاداً لاتهامات أو شكوك موجهة لبعض الأطراف، ولابد من يقظة أجهزة الدولة والحكم المحلى، وحساسيتها الوقائية فى كل قرى المنيا ومراكزها بل وفى كافة المحافظات، لأن كسر الموحدات الوطنية بين المواطنين المصريين المسلمين والأقباط هو أخطر ما يواجه الدولة المصرية الحديثة فى إقليم مضطرب تسوده النزاعات المذهبية والطائفية، وأنهيار الدول والحروب الأهلية، واليأس من مجتمعات تتدهور نحو الأسوأ.
ما العمل؟
سنركز على بعض المعالجات السريعة فى هذا الصدد، ونؤجل الحديث حول الحلول بعيدة المدى التى تحتاج إلى وقت ودراسة وتأنٍ فى سياسة المواجهة واستراتيجياتها:
1- ثبت أن دور بعض رجال الدين وقوافلهم، أو بيت العائلة، أنها غير فاعلة لأنها لا تستيقظ إلا بعد نشوب النزاعات الاجتماعية ذات الوجوه الطائفية وتمددها واتساع آثارها. من ناحية أخرى تشكل خطابات بعضهم الدينية المتزمتة والمتشددة أحد أسباب تمهيد الأرضية النفسية- الإدراكية والاجتماعية لتشدد جمهورهم لاسيما تركيزهم على الحدود والتمايزات بين الأديان والمذاهب فى العقائد والطقوس والرموز والمعايير الدينية المائزة بين ديانتهم ومذهبهم وبين الأديان والمذاهب الأخرى وليس على القيم الدستورية العامة، والمواطنة والحقوق والحريات الأساسية العامة والشخصية، ولا على القيم المشتركة التى تحُض عليها الأديان، خاصة فى خطابات رجال الدين فى القرى والنجوع والمراكز الريفية فى الصعيد، حيث يحمل الخطاب الدينى فيما وراءه من خلفيات مضمرات ذات طابع قبلى وعائلى ويتأثر بهذه الانتماءات الأولية فى مناطق تتسم بالتعدد الدينى والمذهبى فى مكونها السكانى.
من هنا معالجاتهم لا تحيط بجذور المشكلات والتوترات إلا فى بعض جوانبها السردية/ الحكائية وبالتركيز على البُعد الدينى/ الطائفى، ولأنهم لا يريدون خسران تأييد ودعم قواعده الدينية والقبلية والعائلية، ولا التناقض مع خطابهم الدينى فى دور العبادة أيا كانت. من ثم يتعين إعادة النظر على المدى الطويل فى هذه الآلية، وعلى المدى القصير والمتوسط التخطيط لعمل ورش عمل لغالب أعضاءها حول القيم الدستورية الحديثة، والمواطنة، وأساليب حل المنازعات الاجتماعية والدينية وثقافة التعايش المشترك، وتغيير هذا الأسم ذو المعنى والدلالة والقيمة التقليدية، لأن المجتمع والدولة ليسوا عائلة وإنما قوى اجتماعية وسياسية ومؤسسات وأجهزة وعلاقات قانونية تتجاوز مفهوم العائلة التقليدى، الذى هو شكل آخر من أشكال المجالس العرفية.
أن يكون دور مجالس الوحدة الوطنية مستمرا ودائما فى الحضور فى حياة المواطنين لاسيما فى المناطق الريفية ذات التعدد الدينى الإسلامى- المسيحى، ولا يقتصر دورهم على زيارة هذه المناطق بعد اشتعال الحرائق، لأن دورهم ثقافى وتوعوى وليس محضُ دور إطفاء الحرائق، وإنما منع اشتعالها أصلاً.
2- زيارة ميدانية سريعة لرئيس الوزراء وبعض الوزراء وعلى رأسهم وزير الداخلية لتفقد القرية وقرى مجاورة ومركز أبو قرقاص والتعرف ميدانيا على الواقع المحلى ومشاكله، وطمأنة كافة المواطنين على حضور الدولة وقادتها، وإظهار هيبتها، وأن قانونها حاسم ويطبق على جميع المخاطبين بأحكامه، واتخاذ الإجراءات العاجلة المناسبة فى هذا الصدد، وحسنً فعلت القيادة السياسية برفع الأضرار عن البيوت التى أحرقت وخربت.
3- ضرورة تشكيل خلايا أزمة، وجمع معلومات من القرى ذات التعدد الدينى وطبيعة مشكلاتها الواقعية، للتعامل معها فى ضوء الإمكانيات المتاحة، واتخاذ الإجراءات الوقائية لمنع نشوب نزاعات طائفية، أو تحول الاجتماعية إلى دينية أو مذهبية.
4- إصدار توجيهات حاسمة من رئيس مجلس الوزراء والوزير المختص بالمحليات، بضرورة إعمال موظفى الدولى- أيا كانت مواقعهم- للقواعد الدستورية التى تمنع التمييز بين المواطنين أيا كانت انتماءاتهم الدينية والمذهبية، لأن أحد مصادر ثقافة التمييز تتمثل فى تراكم ممارساتها لدى بعض موظفى الدولة من الغلاة، أو بعض المدرسين والمدرسات فى المدارس بين التلاميذ على أساس دينى، وأعمال كافة الوزارات لمبدأ المساواة واحترامه فى التعامل مع ترقيات المدرسين والمدرسات فى الترقى إلى مديرى ومديرات المدارس الأقباط أو فى المواقع الإدارية الآخرى دونما تمييز، ومحاسبة من يحرضون أو يشاركون فى رفض هذه القرارات، ونقلهم من مواقعهم، وتطبيق قواعد القانون فى شأن من يحرضون غيرهم من الطلاب والمدرسين والمدرسات على رفض قرارات الترقية على نحو ما حدث فى بعض الوقائع فى الصعيد، لأن التهاون فى هذا الصدد يضعف من هيبة الدولة والقانون والقرارات الإدارية للأجهزة المختصة.
5- إرسال قوافل ثقافية تضم معارض كتب زهيدة الثمن أو مجانا إن أمكن، ولوحات فنية وفوتوغرافية، وفرق موسيقية ومغنيين ومغنيات، وفرق محلية للغناء الشعبى، وورش لتدريب الأطفال على الرسم والموسيقى...الخ. إلى قرية الكرم وإلى القرى المحرومة فى صعيد مصر، وفى الدلتا، ولا تعرف بيروقراطية الوزارة وموظفيها القابعين فى مكاتبهم عنها شيئاً!
6- وضع سياسة تعليمية فى التعليم العام والفنى والأزهرى والدينى المسيحى، تركز على قيم المواطنة والحرية الدينية والتسامح والحريات، وذلك للمساهمة فى تنشئة اجتماعية وسياسية ديمقراطية وتركز على حقوق الإنسان عموماً والفردية تحديداً واحترامها.
7- أن يتم إعداد ورش عمل وتدريب وإعادة تأهيل للمدرسين والمدرسات، حيث لوحظ أن بعضهم –أو غالبهم فى نظر البعض- يمارسون سياسة ممنهجة للتمييز الدينى والطائفى والنوعى بين التلاميذ والتلميذات وثمة من يتحيز لأسباب الانتماء الإيديولوجى أو المذهبى لبعض فرق الإسلام السياسى والجماعات السلفية ويريد فرض تحيزاته على التلاميذ والتلميذات.
8- أن يكون احترام قواعد المواطنة وعدم التمييز أحد معايير تقييم ترقية المدرسين والمدرسات للترقى إلى الوظائف الأعلى، وللحصول على المكافأة على اختلافها.
9- دورات وورش عمل وتدريب للإعلاميين على عدم التمييز فى التغطيات الإعلامية، والاستعانة ببعض القواعد والمواثيق المهنية واللغوية والأخلاقية فى تغطية الأحداث بلا تلوينات أو تمييزات على أساس طائفى أو دينى أو نوعى أو عرفى أو مناطقى.. الخ.
يمكن هنا الاستعانة بتجربة ومدرسة ال B.B.C البريطانية. هذه المهمة يتم الاعتماد فيها على نقابة الصحفيين ووزارة الإعلام وبعض المنظمات الطوعية مصرية وعالمية.. الخ.
10- إسناد ملف التمييز بكافة جوانبه لشخصية عامة تستعين بأهل الخبرة لوضع تقريرها حول الموضوع وأساليب واستراتيجيات التصدى لثقافة التمييز وثمارها المرة وآثارها الوبيلة على التكامل والتلاحم الوطنى فى إطار الحرية والتعدد والديمقراطية.
إن سياسة الملفات أمر أخذت به مصر وعديد الدول الكبرى ومثالها تقارير الجمهورية الفرنسية حول الرموز الدينية وتقرير أمة فى خطر حول التعليم وأزماته فى أمريكا.. إلخ.
أخذت مصر أيضاً بسياسة الملفات فى تقرير العطيفى ذائع الصيت حول الفتنة الطائفية.
نحتاج إلى رؤى وروح جديدة، وعلمية لمعالجة جذور المشاكل الطائفية أما مقترحاتنا على المدى البعيد، وليس هنا مكانها، وسوف نعالجها فى مقالات مقبلة.
لمزيد من مقالات نبيل عبدالفتاح


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.