كنت قد اعتدت أن أضع بعضاً من الطعام والماء فى حديقة منزلى بعد أن لاحظت تردد بعض من القطط الصغيرة الجائعة على الحديقة بحثاً عن الطعام والماء، وفى أحد الأيام استيقظت على صوت مواء قوى لقطة وليدة يبدوا أنها فقدت أمها وجاءت إلى الحديقة التى يبدو أنها باتت معروفة لقطط الحى بتوافر الطعام والماء المجانى. خرجت لأستطلع الأمر فوجدت قطاً صغيراً يموء بقوة من شدة الجوع وقد تحلق عليه عدد من قطط الحي، بدا عليهم الفضول وقلة الحيلة، ثم لما وضعت له بعضاً من الحليب انهمك فى تناوله وهو يموء مواءاً متقطعاً وكأنه يحمد الله أو ينادى أمه أو ربما يشكرنى على الرفق به وإطعامه. المثير للدهشة أن قططاً راحت تجئ تعاين القط اللاجئ وكأنها تدقق إن كان من اولادها، ثم حينما تطمئن إلى أنه ليس من فلذات أكبادها تتركه وترحل فى حال سبيلها. القط الوحيد الذى يقطن الحديقة هو "مشمش" والذى أطلقت عليه هذا الإسم بعد أن جاءنى رضيعاً وكاد يموت لكن الله كتب له عمراً آخر. كان مشمش متحيراً فى أمر الرضيع الجديد، وكان يحاول أن يقترب منه وقد بدا متحفزاً، ظننت فى البداية أن مشمش يريد أن يفتك بالقط اللاجئ الجديد، أو يسحله أو يطرده من الحديقة فنهرته، لكن دهشتى زادت حينما رأيت الرضيع الجديد يتقرب من مشمش رغم ذلك، وسرعان ما نشات صداقة بين القطين فى الأيام التالية ، وصارا يلعبان سوياً... الدرس المستفاد أن القطط التى نصفها نحن بأنها حيوانية، ونصمها بالغدر ليست كذلك لكنها صفات نسبغها نحن عليها مما امتلكناه. الدرس الثانى هو أن الرحمة حق للناس أجمعين لافرق فيها بين أحد من الناس مهما كان لونه أو عرقه أو ديانته. الدرس الأهم هو أن الحيوان دائماً يثبت لنا سمو أخلاقه عكس ما نظن ونعتقد. ذكرنى ذلك بحادثة الصعيد الأليمة، وحوادث العنف الكثيرة التى تحدث فى مصر ورثيت لحال الإنسانية ليس هنا فقط بل فى كل بلاد الدنيا. أعتقد أن العنف فى مصر بات يشكل خطراً شديداً على استقرار المجتمع، وأظن أن المسألة تحتاج إلى أن يتم مناقشتها بشكل علمى لا بالفهلوة، والكلام المنمق كما يحدث دائماً فى الإعلام، فقد ناقش الغرب تلك الأمور بشكل علمي ومنهجى، ووضعت نظريات علمية لتفسير ذلك العنف، الأمر الذى ساعد على تحجيم تلك الظاهرة بشكل كبير، إذ تم التركيز على ثلاثة إتجاهات رئيسية لتفسير العنف الإنسانى وهى: الاتجاه النفسي الذى يرى أنصاره أن العنف سلوك يتم تعلمه من خلال عملية التفاعل، وأن الناس يتعلمون سلوك العنف بنفس الطريقة التي يتعلمون بها أي نمط أخر من أنماط السلوك، وأنه مادام العنف سلوك يتعلمه الناس فإنه يمكن تجنبه عن طريق عدم تعلمه، وبالتالي يمكن التخفيف من حدته من خلال تغيير محتوى عملية التنشئة وإعداد البرامج الفعالة لعلاج مشكلة العنف. بينما يرى أنصار الاتجاه الاجتماعي أن العنف ليس سوى استجابة للبناء الاجتماعي وغريزة إنسانية فطرية تعبر عن نفسها عندما يفشل المجتمع في وضع قيود محكمة على أعضائه، ويصبح العنف جزءاً من أسلوب الحياة بالنسبة لعدد من أفراد المجتمع الذين يعتنقون ثقافة العنف، ويعتبرونه العلاج الأمثل لمشاكلهم لأنهم يفضلون أسلوب الخشونة. وقد اعتبر علماء هذا الإتجاه أن هذه الثقافة هي السبب الرئيسي لارتفاع معدلات العنف في المجتمعات الفقيرة، وأنها ليست مجرد ثقافة شاذة بل في الواقع إنها جزء من الثقافة العامة للمجتمع. أنصار النظرية الإقتصادية يذهبون إلى أن كل التفاعلات والعلاقات الاجتماعية داخل الأنساق الاجتماعية تعتمد على القوة، وكلما زادت الموارد التي يتحكم الشخص فيما زادت القوة التي يستطيع أن يحشدها، وكلما زادت مصادر وموارد الشخص التي يستطيع أن يستخدمها في أي لحظة قلت درجة ممارسة العنف، وبالتالي فإن الفرد يلجأ إلى استخدام العنف عندما تكون موارده غير كافية أو ضئيلة. من الضرورى أن نفتح ملفات العنف الإنسانى فى مصر، ذلك العنف المستحدث و الذى لا أقتنع أبداً بأنه لا طائفى ولا سياسي، بل هو عنف إنسانى ترسخ فى أذهان الناس بفعل عوامل كثيرة، إقتصادية وإجتماعية وسياسية والأهم تربوية، و أظن قد آن الأوان لأن نتصدى له وربما أن نتعلم من القطط. [email protected] لمزيد من مقالات أحمد محمود