فى اقل من دقيقتين كانت الموافقة على قبول استقالة رئيس اتحاد الكرة المنتخب المحاسب جمال علام ، وكأن هناك من كان يترقب هذه اللحظة ليثب على مقعد الرئاسة ليطفئ ظمأه للقب الرئيس الذى يعرف انه لايمكن له ان يحلم به ولو للحظات . والغريب انه كان يعد العدة عبر جوقته وحوارييه لينعموا عليه باللقب الجديد رغم انه يعرف انها اضغاث احلام ، تلك ببساطة كانت اجواء الجلسة التى عقدها من رفضوا ترك المقعد الوثير فى الجبلاية ، متمسكين به حتى الرمق الاخير من مدة دورتهم رغم ان القضاء قال فيها القول الفصل غير مرة ، لكنهم اجادوا فنون المراوغة التى تعلموها من متابعة اللعبة عبر الشاشات وفى الملاعب لان غالبيتهم لم يمارسوها ولو على سبيل الهواية ، واصروا على استكمال مسيرة العناد او ( التلكيك ) كما وصفها احدهم ممن لحق اخيرا بركب المستقيلين. تلك هى الحكاية التى تلخص حال الكرة المصرية ، مجموعة من الشخوص تبوأوا مواقع قيادية بفعل التربيطات والشللية وتصدروا المشهد على حساب كفاءات وقامات رفضت ان تخوض يوما سباق الانتخابات الذى تعرف سلفا أنها ستخسره لعدم قدرتها على جذب الاصوات او التناغم مع آخرين لايجيدون الا فن التربيط واقامة ولائم التصويت ، الحكاية بدأت بلجوء عدد من الشخصيات ممن لم يحالفهم التوفيق فى انتخابات اتحاد الكرة قبل اكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة ، الى القضاء طلبا للانصاف لما وقع عليهم من ظلم ، مدعين ان العملية الانتخابية شابها العوار ، وبالتالى ما اسفر عنها يعد باطلا من وجهة نظرهم ، وكان من بين هؤلاء الدكتورة ماجدة الهلباوى والدكتور كرم كردى والدكتور هرماس رضوان واللواء محمد عبد السلام ، وسارت الايام سيرتها والاتحاد الوليد الذى جاء فى توقيت صعب للغاية يجدف ضد التيار، لغياب الانسجام بين اعضائه من جهة ولافتقادهم الامان من جهة اخرى ، وبدا للبعض ان التحصن بفزاعة الفيفا سيضمن لهم العبور حيث نهاية المدة القانونية لدورتهم الانتخابية فى نهاية الدورة الاولمبية ريو دى جانيرو اواخر اغسطس المقبل . غير ان الرياح التى جاءت بما يشتهى مجلس الادارة عندما ترفع الدكتور كرم كردى واللواء محمد عبد السلام عن الكيدية وتحليا بروح المسئولية وتنازلا عن شكواهما فى اطار الاسرة الواحدة والحرص على مسيرة العمل للكرة المصرية التى كانت خارجة لتوها من كارثة مذبحة ستاد بورسعيد ، لكن الرياح لم تكن كلها كما تشتهى سفن مجلس علام، اذ جاء بعضها على غير هواهم ، لأن الطرفين الاخرين واعنى الهلباوى وهرماس لم يتنازلا وهذا من حقهما ، ليستمر الموقف القضائى سيفا مسلطا على رقاب مجلس الجبلاية ، الذى اضطر اعضاؤه غير مرة الى حبس انفاسهم ترقبا لقرار المحكمة الذى ظل يراوح مابين لجنة المفوضين والمرافعات التى تطيل أمد القضية ، ومعها يتنفس الاعضاء الصعداء ويتناوبون على السفر حتى ان احدهم بات يعرف سويسرا اكثر ما يعرف القرى المحيطة لبلدته ، وآخر يقاتل من أجل ان يكون المشرف على المنتخب ليبقى فى دائرة الاعلام فاسمه وصوره تنشر اكثر من الجهاز الفنى رغم ان المنتخب حقق فى عهده اكبر فشل فى تاريخه ، لكن ذاكرة السمكة والالة الدعائية الجبارة كانت الى جانبه تجبر له ماكسر من احلام ، وتعيد انتاج الشخصية الباهتة بوضعها فى برواز اكبر من حجمها ليخطف انظار ضعاف البصر ، ولم تكن القضية وحدها التى تسببت فى تصدع جدران مجلس الجبلاية ، فالقرارت المتضاربة والخلافات على السفريات وتعيين المحاسيب فى الادارة والاجهزة الفنية كانت اكبر المعاول التى قامت بالهدم ، ثم اعقبها تقدم الاعلامى سيف زاهر باستقالته ليضع اول مسمار فى نعش المجلس ، وكان رئيس الاتحاد جمال علام قد كتب استقالته اكثر من مرة لكنه تعرض لضغوط دفعته للتراجع عنها حينها ، لكنه احتفظ بها ورهنها بما سيسفر عنه قرار المحكمة النهائى فى القضية ، مؤكدا انه يعلى مصلحة الوطن والكرة المصرية على مصلحته الشخصية ، ثم تقدم الكابتن عصام عبد الفتاح باستقالته من المجلس بعدما كشف معاناة كبيرة عاشها من اجل اسرة التحكيم ، وبعد صدور الحكم طرح جمال علام على مجلسه فكرة الاستقالة لتتكشف الوجوه وتظهر الحقيقة الغائبة ، فهذا يبحث عن تعديل اللائحة من اجل حذف بند يحظر ترشحه واخر يسعى للبقاء اطول فترة ممكنة فى المجلس لانه يعرف ان تجربته لن تتكرر ، وثالث يراهن على منصبه الاولمبى الذى ظن انه يحميه ويبقى على آماله فى السفر الى ريو رغم ان المنتخب الذى كان مشرفا عليه فشل فى التأهل اليها ، ورابع أدمن الشو الاعلامى ولا يستطيع منه خلاصا ، فاجتمعت ارادة هؤلاء على البقاء ولو فوق جثة الكرة المصرية ، وبدأوا التواصل مع الفيفا من الابواب الخلفية عبر التسريبات ، رغم اعلانهم استعدادهم التام للاستقالة لمنع تعرض الكرة المصرية لعقوبات الفيفا ، لكنهم لم ينفذوا ما وعدوا به زعما منهم بأنه حرصا على مسيرة المنتخب الذى سيلعب اخر مباراة فى التصفيات التى ضمن التأهل الى نهائياتها ، ولم يجد جمال علام رئيس الاتحاد الا تقديم استقالته ليبرئ نفسه امام التاريخ ويؤكد للجميع انه لايريد المنصب ولايتشبث بمقعده الوثير وانه يفضل مصلحة بلده ويرفع الحرج عن وزير الشباب والرياضة المهندس خالد عبد العزيز، ودون فى استقالته شكره للوزير وللمهندس هانى ابوريدة واعضاء مجلسه الذين لم يبادلوه ذات الروح ولم يقدموا إليه الشكر على جهده فى الجبلاية ، الا واحدا فقط هو المهندس احمد مجاهد الذى اثنى عليه فى استقالته ، وبدلا من ان يسير الاعضاء على ذات الطريق كما اتفقوا راحوا يعقدون اجتماعا عاجلا، ويقررون امورا تخص مستقبل اللعبة فى الموسم الجديد لم يناقشوها والمجلس بكامل هيئته ،من حيث القيد ليفتحوا باب فتنة وهم يعرفون اكثر من غيرهم انه راحلون غير مأسوف عليهم ، ليتأكد الجميع ان الرياضة المصرية تدار بمنطق الوجاهة والبحث عن وظيفة وشعارها التشبث بالكراسى حتى اخر الانفاس !