كعادتى فى ليالى الصيف الحارة وقفت أمام المقلاة لعمل الفشار الساخن الذى يدخل برائحته وطعمه قدرا من السعادة على القلوب مخففا من أثر حرارة الصيف الشديدة. وفور رفع غطاء المقلاة بدأ الفشار ،الذى كنت أظنه هادئا، فى التطاير محدثا فرقعات مثل الطلقات النارية. عندها تذكرت كيف وقفت ظهر ذلك اليوم الحار أمام صندوق الإقتراع المخصص لتلقى صوتى ورغبتى وأملى لبلادى فى هدوء. وفى واقع الأمر فإن ما يمكن أن تأتى به صناديق الإقتراع يمكن أن يماثل فى أثره لدى الشعب ولدى الأمم بل وأحيانا لدى العالم بأسره ما يمكن أن تحدثه القنبلة النووية من دمار وخراب. فكثيرا ما أتت نتائج الإنتخابات بمفاجآت غير متوقعة.فقد أتت الإنتخبات السليمة الى قمة السلطة بشخصيات مثل أدولف هتلر وتشارلز تايلوروالبرتو فوجيمورى! ففى عام 1933 شق الحزب النازى الألمانى بزعامة أدولف هتلر طريقه الى السلطة عبر صناديق الإقتراع! نجح الحزب النازى فى الحصول على 196مقعد ليحتل المركز الأول ودخل فى إئتلاف مع حزب أخر ضمن له الأغلبية ليظهر هتلر أمام الكاميرات وهو يتسلم السلطة. وسرعان ما تبدل الأمر فبدأ الإنفلات الأمنى وتم حرق مبنى الرايخستاج وتمكن هتلر من تمرير قانون يضمن له سلطات مطلقة ليتحول من زعيم لحزب منتخب إلى زعيم مطلق لألمانيا بعد التخلص من كافة المنافسين بطرق غير مشروعة. ولم تمر سوى 5 سنوات إلا وآلة الحرب الألمانية تبدأ عملها والجيوش تبدأ زحفها إيذانا ببدء الحرب العالمية الثانية التى حصدت أرواح الملايين من البشر وإنتهت بإنتحار هتلر فى مخبأ تحت الأرض عام 1945 تاركا المانيا وشعبها وأوروبا وجانب كبير من العالم نهبا للخراب والدمار والضياع. وإذا كان الشعب الألمانى قد تعرض للخداع على يد النازيين فإن الليبيريين فعلوا ما هو أغرب حينما إختاروا أمير حرب وسفاح كرئيس للبلاد عبر صنادق الإقتراع بل والأغرب أن العملية الإنتخابية تمت تحت سمع وبصر العالم والمنظمات الدولية التى أعلنت سلامتها وأشادت بها!! فقد كان تشارلز تايلور أحد قادة الثوار ضد حكم صامويل دو وقاد الحرب الأهلية الأولى فى ليبيريا عام 1989 وبالفعل نجح تايلور وحلفاءه فى الإطاحة بدو وإعدامه.وبعد التوصل لإتفاق سلام تم تنظيم إنتخابات عامة فى عام 1997 تحت إشراف دولى وشارك تايلور كمرشح يرفع شعار مثير للسخرية "قتل أمى وقتل أبى ولكنى سأصوت لصالحه"!!وكان فوز تايلور ب75% من الأصوات مثير للدهشة. وعندما تولى تايلور السلطة عاث فى الأرض فسادا بل وكان له دور غير مشروع فى الحرب الأهلية السيراليونية كما إرتبط إسمه بالإتجار غير المشروع فى الألماس وبتجنيد الأطفال وبقتل وتشويه المدنيين.وسرعان ما نشبت الحرب الأهلية فى ليبيريا من جديد ليطاح به عام 2003. فر تايلور من بلاده وتمت مطاردته لينتهى به الأمر الى السجن والمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى.وفى 26أبريل 2012 تمت إدانته بإرتكاب جرائم ضد الإنسانية. أما البرتو فوجيمورى رئيس بيرو طوال عقد التسعينيات (عام 1990 وحتى 2000)فقد إتبع طريقا مختلفا فشحع التغيير وساعد الفقراء وحقق معدل نمو 13% بالإضافة لمكافحة الإرهاب مما أهله لفوز كبير بفترتين رئاسيتين بل وببداية فترة ثالثة،ولكن فى ذات الوقت كانت إنجازاته مصحوبة بقدر هائل من تركز السلطة والهيمنة والفساد وإنتهاكات حقوق الإنسان.وصفته زوجته بالطاغية وتمت ملاحقته قضائيا فى بلاده ففر إلى اليابان وطن الآباء الذى يحمل جنسيته ولكن تم إستدراجه خارجها ليقبض عليه ويقدم للمحاكمة.وحاليا يعيش فوجيمورى مسجونا خلف القضبان. أفقت من تلك الأفكار المزعجة متمنيا لوطنى رئيس عظيم قادم يحفظه ويقوده الى الأمام حيث التقدم والعزة والمجد. وأثناء تفكيرى فى الأمر نثرت بعض الملح فوق الفشار الساخن اللذيذ وبدأت التهمه فى سعادة وأمل قبل أن أنظر الى الأفق فى صمت. المزيد من مقالات طارق الشيخ