على طريقة «اللى تكسب به العب به» ؛ يعشق بعض الناس الفوضى ؛ لانهم كسبوا منها ذهبا. فكم فتحت الفوضى بيوتا ومحلات وتوكيلات ؛ وكم بنت عمارات ومولت برامج و مؤتمرات ! حصد البعض من وراء «الفوضى الخلاقة» مكاسب ضخمة ومرتبات فلكية ؛ وحصلوا على امتيازات ؛وألقاب ونفوذ و مناصب و استثناءات ؛ ما كانوا حتى يحلمون بها . وتاريخيا ومن قديم ؛ بسبب الفوضى مثلا في التعليم؛ حصل مئات الالوف من الطلبة ؛ على شهادات دراسية واحدة تلو اخرى ؛ حتى تخرج كثير منهم في الجامعة واصبحوا من حملة المؤهلات العليا وهم يخطئون في الاملاء اخطاء فادحة . بدون اى جهد ولا موهبة ولا مناسبة ؛ اتحسب على البلد ملايين من المتعلمين وحملة المؤهلات العليا؛ والتزامابسياسة «الفوضى المريحة» مازال الكثيرون يلجأون الى التظاهر والهتاف والصراخ احتجاجا ؛ على انهم لا يجدون عملا ؛ او انهم يعملون في اماكن لا تليق بالشهادة «العظيمة» والتخصص «المهم جدا» الذى افنوا فيه سنوات «الغش المفتوح» ! وهكذا صارت الفوضى مبدأ و موضة واتجاها؛ والابتزاز صار منهجا و اسلوب حياة ! بسلاح الفوضى اوالتهديد بها ؛ عرف الناس كيف يأخذون اماكن ليست لهم ؟ و مكاسب ليست من حقهم ؟ ووظائف ولا يحسنون من متطلباتها اى شىء ! وما جرى على مصر كلها تقريبا جرى علينا ؛ فى المجال الصحفى و الاعلامى . على سبيل المثال تعاونت كل المؤسسات الصحفية وبالذات القومية؛ على احتواء وتسكيت وتسكين هؤلاء الرهط من دعاة الفوضى وقادة الابتزاز و بالخصوص بعد 25 يناير 2011 . فتم تعيين آلاف من الناشطين والمحتجين والهتيفة ومناضلى الصدفة ؛ كصحفيين ؛ وفيهم من لا يفقه شيئا اصلا في اللغة العربية ؛ وليس له معرفة تذكر بقضايا الشأن العام و الشئون السياسية او حتى وزارة «الشئون الاجتماعية» !! . وصلت العمالة الزائدة في الصحف الكبرى نسبة 60٪ او تزيد ؛ وصار «ابناء الفوضى» صداعا في دماغ الإعلام والدولة ؛ وكما سبق ان تشوهت بهم صورة النخبة و قادة الراى والمثقفين ؛ حدث نفس الشىء وتغيرت بسببهم لغة الحوار وتركيبة نقابة الصحفيين . اصبحت تقابل شابا عنده 26 سنة ؛فيحدثك كما لو كانت الدنيا تبدأ من عنده وتنتهى ؛ ويقول لك «انا يا ما شفت و مر عليا .....» ! يبقى الشاب فيهم لا يتجاوز 29 سنة ويقولك( بعد العمر ده كله اشتغل من غير فلوس ؟؟ «انا عملت الحاجات دى كتير .. مش اول مرة !» بالفوضى صار الكل استاذا وأسطى وخبيرا ونجما «برنس» و باشا !! ومن مثل الفوضى يحيل الفاشل الى ضحية ؛ و يجعل من حموكشة السوابق ؛ ثوريا نقيا: ومن المسطول ايقونة ؛ والتافه يصبح رمزا والجاهل اسطورة ؛ والعاطل مناضلا ؛ واعداء النجاح وكل النصابين في العصابة ؛ هم انفسهم حماة الديار وحراس الكرامة و حفظة الهيبة والمهابة ؛ وزملاء المهنة واعضاء النقابة. !! عندما كتبت مقالا في الاسبوع قبل الماضى تحت عنوان «لماذا يكرهوننا ؟؟؟» عن 10 اسباب ؛ جعلت الناس في مصر لا تثق فى الصحفيين ولا تحبهم ؛ فوجئت بردود فعل عريضة من القراء و الصحفيين معا ؛ كلها واضحة وعالية الصوت وفى غاية الحماس. تحلى بعضها بالكوميديا و بروح الدعابة ؛ واتصف اغلبها بالصدق الشديد . البعض سجل اعجابه بشجاعة الفكرة و صراحة التعبير وعدم انكار المشكلة؛ وبعض القراء اكملوا لى ؛ وزادوا من عندهم 10 اسباب اخرى ( !) كان اهمها تضاعف اعداد الصحفيين في السنوات القليلة الاخيرة . وبينما عاتبنى ولامنى وهاجمنى اخرون ؛ على ان عرض اسباب كراهية الناس للصحفيين في هذه الفترة ؛ بالذات كان انحيازا ضد الصحافة و المهنة ؛ .. رأى غيرهم ان الهدف وطنى وقد يساهم فى كسب ثقة الراى العام من جديد و في انهاء الازمة . لقد مست الفكرة أوتارا مشدودة بين عدة اطراف معا؛ واصدرت عزفا مسموع الصوت ؛ من كل اتجاه ؛ فوجدتنى مرة اخرى من باب الحب والاخلاص لمهنة تنتمى لى كما انتمى انا اليها ؛ واعمل بها واتحمل مسئوليتها ؛ واعانى بسببها و اكسب منها ؛ واحبها واغار عليها. وجدت ان من واجبى ان اتمسك بما كتبته في السابق ولكن اكمل و ازيد عليه ؛ دعوتى بصفتى صحفية «من اعضاء» نقابة الصحفيين و لست «من اعداء» نقابة الصحفيين؛ ان نبدأ من حيث انتهي بنا المطاف . وافضل بداية هى «تجفيف منابع الفوضى» بمراجعة الاسماء المدرجة في جداول المتدربين والاعضاء العاملين وكل من يحمل اسم وكارنيه نقابة الصحفيين .. ونتبين من هو ؟ ونطبق عليه اسئلة الصحافة الخمسة «من وكيف واين ومتى ولماذا ؟» وبأمارة ايه ؟ ؟؟؟؟؟ اصبح عضوا بالنقابة ؟ بعدها بكل حسم و شفافية يتم شطب كل من دخلوا النقابة من الابواب الخلفية بصفة سياسية أو في صفقات انتخابية ؛ او للمجاملة «وكله بالحب» أو بالمزاج أوبالصدفة او بالانتماء لجماعة دينية ؛ او بسبب تبنى فكرة وايديلوجية ؛ اًى ايديولوجية .. فالصحافة في مصر لن ترى خيرا ؛ الا بمن يجيدون عملهم ؛ اكثر مما يجيدرن الشكوى والصياح والنشاط السياسى .. السياسة تحتاج من يعرفون سلم الاولويات اكثر من سلم النقابة ؛ ويحترمون مصالح الناس والوطن والمهنة .. إنها مهنة القلم والعقل والنور .. وما احوج بلادنا للعقل والنور مهنة عظيمة تستحق أن ندافع عنها لتدافع هى بعد ذلك عنا .. وعن تجربة هى مهنة رائعة و ممتعة حقا لمن يشتغل بها : ويحبها؛ ويأخذها على محمل الجد .. وطوبى لكل من دخلها مخلصا.. بقلب سليم .