دمياط مدينة الفنون التراثية، الشهيرة بواحدة من أهم الصناعات المصرية، وهى صناعة الأثاث بأيد ماهرة تبرع فى تحويل الأخشاب إلى ما يشبه اللوحات أو القطع النحتية النابضة بالحياة والإبداع من خلال الحفر عليها، أو كما يعرف بفن « الأويما » الذى وُضع ضمن قائمة الحصر التمهيدية لإدراج عناصر من التراث الثقافى المصرى اللامادى على قوائم اليونسكو للحفاظ علي هذه العناصروحمايتها من الاندثارعام 2012 ، وذلك باعتبار أن الأويما أحد عناصر صناعة الأثاث المتوارثة عبر الأجيال أبا عن جد . ................................................................................................... ومع الإعلان عن إنشاء مدينة الأثاث الجديدة في محافظة دمياط وافتتاحها في أول شهر يونيو 2017، على مساحة 331 فدانا، لتوفر 40 ألف فرصة عمل مباشرة و120 ألف فرصة عمل غير مباشرة،فى إضافة حقيقية للاقتصاد في دمياط،كان لابد من التعرف على آراء أسطوات المهنة و أصحاب الورش آمالهم ومخاوفهم ومطالبهم من جهة ورؤى الخبراء المعنيين بالتراث من أعضاء لجنة اليونسكو لصون التراث اللامادى من جهة أخرى لاستثمار عراقة فن الأويما، ووجوده على القائمة التمهيدية لدى اليونسكو إلى القائمة العاجلة للدعاية للمدينة الجديدة ولفت الأنظار إلى واحدة من المنتجات المتفردة التى ستقدمها المدينة للعالم . على مر التاريخ كان «الأويمجى» الدمياطى يحافظ على جودة صناعةالأثاث التى تشتهر بها مدينته بطابعها المميز ولمساتها اليدوية شديدة الاتقان والحرفية ، ولذلك يعد إنشاء مدينة جديدة بدمياط للأثاث هو الشغل الشاغل لهم الآن ومحور حديثهم فى الورش والمقاهى وحتى الجلسات الخاصة فالأمر يخص مصدر رزقهم و«أكل عيشهم» فكيف تلقى هؤلاء الحرفيون المهرة المتعطشون للعمل هذا المشروع الاقتصادى المهم؟ ... «فرحنا بالمدينة الجديدة ، أعادت إلينا الأمل فى رجوع الحركة للسوق، سترجع الرجل على الأثاث الدمياطى،عانينا طويلا من الكساد بسبب الأحوال الاقتصادية وبسبب تراجع البيع والشراء : هكذا بادرنا الأسطى رجب مرحبا بالمدينة ومضيفا: أكيد ستفتح لنا أبوابا جديدة للرزق ، ستفتح لنا الأسواق العربية والأوروبية والإفريقية، فهذه الأبواب كانت مغلقة أمامنا بسبب عدم قدرتنا على تسويق منتجاتنا خارج المدينة ، نحن ورش صغيرة أو كبيرة نعتمد فى الأساس على الزبون الذى كان يأتى إلينا من كل محافظات مصر لكنه تراجع بسبب الغول الصينى « ويستكمل شرحه لهذه المشكلة قائلا : ما يتم إغراق السوق المصرية به من الأثاث الأسيوى أو التركى يعتبر جذابا وحلوا لكن «حد يقابلنى» لو صمد أو عاش أكثر من سنة ولا سنتين وبقى على حاله محتفظا بصلابته وحلاوته الشكلية ! ويعبر الأسطى وافى عن حزنه الشديد على ما أصاب صناعة الأثاث فى دمياط مؤخرا معلقا آمالا واسعة على أن يكون مشروع دمياط الجديدة فتحة خير للكل لا للمستثمرين الكبار وحدهم قائلا: أثرت حالة الكساد على كل جوانب الحياة عندنا ، ولدينا أمل أن توفر لنا المدينة الجديدة مئات العمال الذين جلسوا فى بيوتهم بسبب الأثاث الآسيوى خاصة الصينى الذى لايحمل روحا وهو مكرر وكله يشبه بعضه ، وأيضا بسبب انتشار الماكينات الكهربائية الحديثة ،ولذلك نأمل أن تنتبه الدولة إلى احتياجنا وتنهى مخاوفنا, فمن الضرورى أن تهتم الدولة بهذا المشروع الحيوى الذى يمكن ان ينقلنا نقلة كبيرة ويحسن من مستوى المعيشة فى المدينة بعد حالة الكساد الصعبة التى مررنا بها ، وان تهتم بأبناء المدينة من العمال الذين ليس لهم مثيل فى العالم، والشغل اليدوى بجانب التطويروالتحديث حتى لا يتم القضاء على هذه الصناعة اليدوية المهمة، فنحن عندنا سر الصنعة «والحرفية التى ورثناها أبا عن جد وينقصنا التسويق والدعاية والتصميمات الجديدة العصرية،فلو نجحت الدولة فى تحقيق هذا التوازن بين ما هو لدينا وهو نادر جدا ولن تجده إلا لدى أبناء دمياط وبين التطور والتوسع الذى تريده فإن العالم كله سيتحدث عن انتاج دمياط الجديدة بعد افتتاحها بفترة قصيرة جدا ، ولكى تستطيع تحقيق ذلك ينبغى أيضا توفير الأخشاب الجيدة ولا تعتمد على استيراد الاخشاب الرديئة التى يستفيد منها فقط المستوردون بينما ستتضر منها بشدة سمعة المنتجات الصناعية ، لأن من خلال خبرتنا الطويلة نؤكد أن هناك عيوبا تظهر بعد ذلك فى الأثاث بعد تشطيبه بسبب هذه الأنواع من الأخشاب، وعلى الدولة أن تراعى «الأسطوات» من أصحاب الورش والمصانع الجديدة، ولا تراهن على المستثمرين الكبار فقط فتوفر ضمانات كافية للحرفيين لأن ذلك مصدر رزقهم من خلال توفير فرص العمل لهم بالمشروع وعمل غطاء تأمينى يضمن للعامل التعويض فى حالة إصابته, حيث يعمل في هذه المهنة شباب فى مقتبل العمر كثيرًا ما يتعرضون لأخطار مختلفة كالإصابة بالآلات الحادة، ويرى الأديب سمير الفيل أحد المعنيين بتراث دمياط وعضو لجنة حصر عناصر من التراث الثقافى اللامادى من دمياط لإدراجها على قائمة اليونسكو منذ عام 2012 إن مدينة دمياط الجديدة للأثاث تعيد الامل فى عودة الميزة التنافسية للأثاث الدمياطى على مستوى العالم واحتضان الآلاف من الأويمجية الذين تم الاستغناء عنهم واضطروا إلى إغلاق ورشهم بسبب انتشار مؤثرات جديدة منها الأزمة الاقتصادية بعد الثورة واتجاه الناس لشراء اثاث مستورد رخيص الثمن لكن سيىء الصنع والخامات ، وبسبب أيضا انتشار الماكينات التى كادت تودى بهذه الحرفة العظيمة ، فينبغى أن ندرك أن الأويما ليست مجرد تشكيل لقطعة أثاث لكنها تؤسس لمفهوم الجمال ذى المنفعة كحرفة أصيلة ، وتعكس رؤية ثقافية فنية وحضارية ممتدة، ظهرت قديما على منابر المساجد وحوامل المصاحف، فيما يرتبط في وقتنا الراهن بصناعة الأثاث بشكل أساسي، الذى يتم تزيينه بالزخارف مختلفة الأشكال والتصميمات.ومن هنا قمنا فى اللجنة منذ 4 سنوات بوضع «الأويما» ضمن عناصر اقترحناها للإدراج فى قائمة اليونسكو للتراث اللامادى ليتم حفظها وصيانتها من الاندثار ونأمل أن تكون دمياط الجديدة باعثا بالفعل على تنشيط هذه المحاولات السابقة . ويرحب د. مصطفى جاد عضو لجنة الخبراء باليونسكو لصون التراث اللامادى باقتراح الأهرام لإعادة الاضواء لفن الأويما من خلال رفعه من قائمة الحصر التى تم وضعه فيها عام 2012 إلى قائمة العاجل تمهيدا لادراجه ضمن قائمة التراث العالمى, مؤكدا أن ذلك من شأنه أن يمثل دعاية حقيقية للمدينة الجديدة التى ينبغى أن تستغل الايدى العاملة النادرة الموجودة فى دمياط لتصنيع منتجات مصرية أصيلة بجودةعالمية وبإمكنات تسويق ضخمة ، فمن المؤكد إنه فى حالة الجمع بين الشغل اليدوى المتوارث عبر الأجيال والتكنولوجيا الحديثة ستكون النتائج مبهرة بحق ، وهناك دولا نجحت فى تحقيق هذه التجربة خاصة بعد أن تم إدراج منتج ما تقليدى تشتهر به فى إحدى مدنها ضمن قائمة التراث اللامادى حتى أصبحت هذه المدن ذات شهرة عالمية كبيرة وربما يعرفها المستهلك حول العالم أكثر من الدولة نفسها التى تنتمى إليها هذه المدن ومن ذلك صناعة أطقم المائدة البلجيكية والزجاج ويزورها السياح للتعرف على كيف تتم صناعة هذا المنتج الذى يجذب العالم إليه ، وبالتالي يصبح المشروع متعدد الأهداف: فهو من جهة مشروع ثقافي باعتباره يقوم علي الحرف التراثية .. ومشروع اقتصادي باعتباره مدخلا لتوفير عائد اقتصادي للأسر والمجتمع، ومشروع تنموي شامل للمجتمع، بحيث نعيد تأهيل الشباب لتقبل أفكار خارج التخصصات التي درسوها، حيث اقترح أيضا أن يتم إنشاء مدارس للتدريب داخل المدينة لتعليم أجيال جديدة ولا تقتصر على التوريث فقط ،ومن هنا يقوم المشروع أيضا على الشق العملي والذي يقوم بالتدريب فيه حرفيون ومدربون علي درجة عالية من المهارة والكفاءة في ممارسة الحرفة لضمان عدم اندثارها .