تحية حليم .. القيمة الفنية المصرية الأصيلة النابتة من الجذور جاءت أعمالها خاصة لنسيج تصويري نابض بالأبعاد الذاتية والاجتماعية والسياسية والخيالية أيضا. عرفت ترانيم القيم الإنسانية وتغنت بها على مسطحات أعمالها بلمسات لونية معجونة بإحساسها المتدفق ومخلوطة بطمي النيل خرجت إلى باريس لتكتسب الحداثة وتثرى بها عوالمها الأسطورية والفلكورية والتراثية. ................................................................................................ ولدت تحية حليم عام 1919 فى التاسع من سبتمبر ، وعاشت حياة حافلة بالعطاء الإبداعي المتجدد الى أن رحلت عن عالمنا فى مثل هذه الأيام من عام 2003 . لقد كانت البداية الحقيقية لتكوين وجدان الفنانة الكبيرة تحية حليم هى فترة دراستها فى باريس عام 1949 على أيدى كبار الفنانين والتحقت بأكاديمية «جوليان « لتدرس الفن أكاديمياً وتشارك بأعمالها فى المعرض المصري بلندن، سعت للتطلع والإطلاع على أحدث الأساليب الفنية حيث أنها مولعة بالفن والرسم منذ الصغر فقد تلقت تحية دروساً فى الفن على يدى الفنان حامد عبد الله- الذى تزوجها عام 1945 – بعد أن التقت به فى صالون القاهرة مبدية إعجابها بأعماله ليعرض على والدها تعليمها الرسم وقد نهلت منه الكثير من وسائل التجريب فى أعمالها الفنية بعد دراستها الأكاديمية على يدي الفنان السوري يوسف طرابلسي الذى هاجر إلى البرازيل قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية لتنتقل إلى الفنان اليوناني» أليكوجيروم» لمدة عامين، ويخرجها حامد عبد الله من حياة الرفاهية التى كانت تنعم بالعيش فى كنفها. تحية حليم وحامد عبد الله علامتان بارزتان فى تاريخ الفن التشكيلي المصرى الحديث ولأن لكل منهما شخصيته الفنية الخاصة لم تستمر حياتهما الزوجية التى انتهت بالطلاق عام 1957 فى روما ومنذ ذلك التاريخ شقت تحية حليم طريق الفن والإبداع بعد فترة من الوعي الأكاديمي بدأت فى مرحلة باريس والتى صقلتها من الناحية الثقافية من خلال ترددها على المتاحف وتعرفها على الفنانين الجدد وتؤثر عليها الانطباعات الباريسية لترسم بالألوان المائية»حديقة باريس» وصورت بريشتها الثلوج فى لندن فى لوحة «من النافذة» وكذلك «الحي اللاتيني» سيطرت خلالها على الشكل واللون وتمكنت من رسم الطبيعة بتقنيات منحتها الانطلاق لعالمها الخاص وعادت به لمصر فى بداية الخمسينات وهى مكتملة النمو الفني لتتخذ خطواتها بثقة فى محراب الفن الذى وهبت حياتها له! لقد كانت فترة الأربعينيات تمثل الاهتمام بالدارسة بالأكاديمية التقليدية والتى رسمت فيها «رأس عجوز» و «رأس امرأة» عام 1943 وهما من مقتنيات متحف الفن الحديث بالقاهرة وضح فيهما اهتمامها باللمسات اللونية والكتلة والوعي بالبعد الثالث وكانت تميل فى أعمالها إلى تصوير المجموعات البشرية فى تلك الفترة والتى أسماها الناقد إيميه عازار «مرحلة الجماهير» فكانت لوحات «الخروج من المسجد» و «القرية» و «القافلة»و «المظاهرة» بالإضافة إلى العديد من الأعمال التى ابدعتها قبل سفرها إلى باريس محطة نضوجها الفني والتى سيطرت خلالها على أدواتها وأخذت تخطو بثقة نحو استلهام البيئة والحياة اليومية المصرية بعد عودتها لتتخذ من التعبيرية المصرية منهجا لإبداعها فترسم «الصيادون» و «تكوين» عام 1955 وقبلها «حريق القاهرة» و «رماد» عام 1952و «قطتي» و «الأسرة» و «أمومة» عام 1953 و «طهور» عام 1956 و «السقا» و «الخبز» عام 1958. أول جائزة إنها جائزة «جوجنهايم» التى حصلت عليها الفنانة الراحلة تحية حليم عام 1958 بعد طلاقها بعام واحد حينما تقدمت بلوحتها «حنان» إلى تلك المسابقة والتى اختارها الناقد العالمي الشهير «هربرت ريد» لتفوز بالجائزة الأولى على 36 دولة مشاركة ويضم متحف جوجنهايم بنيويورك هذه اللوحة ضمن مقتنياته إلى جوار أعمال فناني العالم المشاهير وقد قدمت أعمالها لمعرض صالون القاهرة فى ذات العام لتحصل على الميدالية الذهبية، وانتقلت تحية من حجرة على سطح منزل الأسرة فى مصر الجديدة إلى مرسمها على نيل الزمالك، والذى أصبح شقتها فيما بعد حيث استقبلت فيه الراغبين فى تعلم الفن والهواة من أبناء العاملين بالسلك الدبلوماسي لتقوم بتدريس الرسم لهم لتتفرغ تماما لفنها بعد حصولها على منحة التفرغ الفني من الدولة عام 1960. إن أهم مرحلة فى إبداع تحية حليم تلك التى بدأت بزيارتها للنوبة ضمن وفد ضم 25 من نجوم الفن والفكر عام 1961 والتى استمرت لمدة شهر كامل تنقلت خلالها بين قرى النوبة على مركب «الدكة» من خلال دعوة الدكتور ثروث عكاشة وزير الثقافة والإرشاد القومي آنذاك وقد أثرت هذه الرحلة على أعماله الفنانة وفى مراحل إبداعها التالية فاختلطت سمات هذه الأرض : عاداتها وتقاليدها وناسها وبيوتها بألوان وفرشاة الفنانة لتبدع «سيمفونية النوبة» و «قرية نوبية» و «مركب فى النوبة» عام 1962 و «الماشطة» و»الكركدية» وطقوس الزواج فى النوبة عام 1963، لتحصل على جائزة الدولة التشجيعية عام 1968 عن إحدى لوحات هذه المرحلة وهي «الخبز من الصخر» والتي رسمتها عام 1965مع لوحة أفراح السد العالى التى مثلت فيها الزعيم عبد الناصر على أحد المراكب يلبس جلباب ابيض ومعه رجاله، يقدم سنابل القمح لأهالي النوبة الذى يتقدم أحدهم بذراعيه نحو الزعيم وخلفه النوبيون فى المركب الأخر. لقد أقامت الفنانة تحية حليم أكثر من 45 معرضا داخل مصر وخارجها، وقد حظى فن تحية حليم بتقدير النقاد والجمهور فى الدول التى قدمت عروضها بها : فى انجلترا وايطاليا والبرازيل والسويد وألمانيا الشرقية وبولندا ويوغوسلافيا وفرنسا والولايات المتحدةالأمريكية، وقد كتب الناقد السويدي «ثورستن برجمارك» فى صحيفة «داجنز نيهتز» فى أكتوبر عام 1966 عن معرضها فى استوكهولم كتب يقول: « نجد النموذج الحي للتقاليد القومية فى الفن فى لوحات المصورة تحية حليم وقد يكون من الصعب علينا أن نستبعد منها ما يشبه المحاكاة لفريسكات التصوير المصري القديم ولكن بنفس المنهج نجد التشكيل هنا قائما على المزج بين ما هو بدائي وما هو صاف، وربما كانت هذه معادلة فريدة فى الثقافات الموغلة فى القدم والموغلة فى القوة حيث نجد أن اللمسة العصرية لاعمل لها إلا إطلاق القديم من عقاله بصورة تدعو للاهتمام، ففي اللوحات الجميلة الراسخة التى استلهمتها تحية حليم بموتيفات من الأساطير المصرية ومن الحياة اليومية المصرية نجد أن مايسيطر عليها فى النهاية هو عنصر الأصالة». للفنانة تحية حليم 32 لوحة تصوير زيتي بمتحف الفن الحديث بالقاهرة وأربع لوحات زيتية بمتحف الفنون الجميلة بالإسكندرية ولوحة زيتية بمتحف جوجنهايم بنيويورك وأخرى بالمتحف الأهلى بوارسو ببولندا ولوحة أفراح السد العالى بهيئة التصنيع باستكهولم والتى استخدمت فيها اللون الذهبي، وقد أنجزت 81 لوحة زيتية للعديد من الفنادق فى القاهرة والأقصر وأسوان وقد أصدرت الهيئة العامة للاستعلامات كتاب عن فنها بقلم د. لويس عوض وصدر أيضا كتاب عن حياتها وفنها بقلم د. صبحي الشاروني عن دار الشروق أهدتنى نسخة منه بتوقيعها قبل وفاتها بأربع سنوات وقد حكت لى أنها أصدرت هذا الكتاب بمبلغ جائزة الدولة التقديرية التى حصلت عليها عام 1996 . وقد عاشت الفنانة الراحلة حياتها مع مجموعة من قططها والتى وجدت فى صداقتهم الحب حتى إنها تأثرت بشدة وحزنت حزنا شديدا على موت قطها «بقلظ» حيث كان مرافقاً لها فى معرض أقامته فى متحف الفن الحديث باستكهولم عام 1966 يجاور معرض لمارك شاجال فى قاعات المتحف وما أن حملت مكالمة تليفونية لها خبر موت قطها حتى اعتذرت عن عدم البقاء فى استكهولم وقررت العودة إلى القاهرة.