لا تدري سعاد من اين تأتي لها هذه الصورة الضبابية - كأنه مشهد في فيلم اجنبي - لأحد الاشخاص ينفتح عنه جراج سيارات مظلم في صباح يوم مشمس تظهر اشعة الشمس من خلفه فيبدو خيال الرجل ويظهر كأنه عملاق وهو يقترب من باب الجراج ولا تظهر ملامحه الا بعد ان يقترب عدة خطوات وبعد ان يُضاء نور الجراج فتظهر ملامح محسن البشوشة وهو يُلقي تحية الصباح فتنطلق اليه سعاد تجري كطفلة أتي والدها الغائب وترتمي في حضنه وتتمرغ في صدره ترتوي منه لتُشبع عطش الليل وتختبئ من وحشيته كأنه هو النهار وليس زائر النهار. ومحسن هو جار سعاد وصديق عمرها الذي اعتاد ان يحضر ليصحبها يوميا سواء الي مدرستهما ثم الي الجامعة وحيث يكبرها ببضع سنين أو الي العمل حيث تمكنا من العمل في نفس المصلحة وإن اختلف مجال عملهما. وبالرغم من التقارب الشديد في المزاج والطباع والمشاعر الملحوظة بينهما والتى يعرفها كل واحد منهما عن الآخرإلا ان محسن اختار ان يتزوج غير سعاد ممن رأى فيها ما تحقق حلم الاسرة والاستقرار وقد كانت تلك مفاجأة شديدة الوقع على سعاد التى سقطت في بحر من الأحزان عندما اخبرها فور تعيينهما في مكان واحد بأن خطبته على زميلة دراسة له بكليته ستكون قريباً وانه يعتبرها اخته وصديقته التى لا يستطيع الاستغناء عنها لكنه لا يتصورها زوجته خاصة انها من اسرة ثرية عريقة ولن تقبل به ابداً وأنه غير مستعد لأن يُعرض نفسه أو يُعرضها لأي احراج ولهذا فإنه يدعوها إلى ان تتقبل قراره وأن تباركه وأن تسعى لكي ترتبط بمن هو في «مستواها» وممن ترضى عنه اسرتها ويستطيع ان يعيشها في نفس مستواها.. ومع ذلك فإنه سيستمر في توصيلها كل يوم بالسيارة –اذا رغبت – وانه تحت أمرها في أي مشوار اذا احتاجت له أو طلبت ذلك. في البداية غضبت سعاد من محسن غضباً كبيراً واتهمته بالخيانة والخداع والتنكر لحب كبير ملك قلبيهما ودعته لكي يراجع نفسه فما كان منه الا ان عجل بزواجه ليؤكد لها انه لا تراجع ولا استسلام...الغريب أنه استمر يدعوها لحفل زفافه ثم للتعرف على زوجته وكأن ذلك شئ عادي ان تكون يوماً ما صاحباً قريباً ثم تصير فجأة غريبا عنه لا تعرف لماذا أخذ هذا القرار ولماذا اقترب اذا كان ينوي ان يبتعد، اهو ذاك القلب المتقلب الذي حتى في علاقته مع ربه يكون سليما مرة ومصاباً مرات، اللهم يامقلب القلوب ثبت قلبي على الايمان وثبت عقلي على طريق الرشد والصواب، انك عليم بالصدور.................. ومع مرور السنوات ووصول الاولاد لمحسن وانشغاله تماماً عن سعاد، كبحت سعاد من جماح نفسها ومنعتها من طلب رؤية قدر ما استطاعت إلا في «الصدف» التى تحاول ترتيبها فتصيب مرة وتخطيء كل مرة خاصة ان سعاد كأنها كتاب مفتوح امام محسن ويعرف عندما يراها انها ليست بمصادفة ولكن دعوة تمنتها سعاد فنالتها فيحاول ألا يكون هو الدعوة المرتجاه لسعاد وهو يؤمن انها تستحق من هو أحسن كما انه نساها بالفعل ولا يريد ما يعكر صفو حياته الاسرية الهادئة. ومرت السنون بسعاد وهي لا ترى الا خيال محسن بعد ان تلاشت ملامحه أو اختلفت مع الأيام ولم يتقدم لسعاد أحد من المحيطين بها لمعرفتهم بحكايتها مع محسن وحبها له الذي لم ينته، ولم يتقدم لها ايضا غرباء خوفاً من الرفض فكيف لمثل تلك الجميلة ذات الجمال والمال والمنصب والعلم والاخلاق أن تجد من يناظرها أو يستحقها إلا الملوك والأمراء، ويكادون يجزمون لبعضهم البعض انها ترفض جميع من يتقدمون اليها وهي من ذلك بريئة تماماً. واضطرت سعاد الي تعلم قيادة السيارات بعد أن تخلى عنها حبيبها وسائقها وكذلك بعد ان تمت احالة والدها الي المعاش ولم يعد لديه السائقون أو العربات التى توصلها لمبتغاها، ولانها تعلمتها مضطرة فإنها لم تحبها، فبعد ان تعرضت لمواقف مؤلمة كثيرة من سرقة ومعاكسات رذيلة من سائقي التاكسيات. ومع قيادتها للسيارة ظهرت تحديات كثيرة جديدة في فن التعامل مع السيارة ودليل التعامل مع السائقين وهو ما لم تتقنه على الاطلاق فكان من حظها سلسلة من الحوادث ... وحتى الآن ما زالت سعاد تستيقظ على نفس الصورة منذ اعتادت دخول الجراج الخاص بعمارتها وهي تتجه الي السيارة الصغيرة التى تملكها وترى أحد الاشخاص ينفتح عنه جراج سيارات مظلم في صباح يوم مشمس تظهر اشعة الشمس من خلفه فيبدو خيال الرجل ويظهر كأنه عملاق وهو يقترب من باب الجراج ولا تظهر ملامحه الا بعد ان يقترب عدة خطوات وبعد ان يُضاء نور الجراج فتظهر ملامح محسن البشوشة وهو يُلقي تحية الصباح فتنطلق اليه سعاد تجري كطفلة أتي والدها الغائب وترتمي في حضنه وتتمرغ في صدره ترتوي منه لتُشبع عطش الليل وتختبئ من وحشيته كأنه هو النهار وليس زائر النهار.